مقاهى «حارة الصوفى» بوسط البلد ترفع شعار الوحدة العربية.. وتعرض الدورى الإنجليزى: «الراية بتاعنا واهده»
أحد المقاهى السودانية بوسط البلد
فى وسط البلد، وداخل أحد الأزقة، المتفرعة من شارع عبدالخالق ثروت، تخطو بقدميك لتجد نفسك أمام حارة الصوفى، التى تتمثل فى مجموعة من الشوارع المتداخلة، يجتمع بها كل ما يخص الشعب السودانى من مطاعم وأسواق ومقاهٍ، فتجد على أطراف الحارة محلاً صغيراً لبيع مستلزمات الحنة والعطور السودانية، أمامه مباشرة أحد المقاهى المصرية، لكن أغلب زبائنه من السودانيين بمختلف أجناسهم وأعمارهم، رجالاً ونساء، ليقطع صاحب القهوة حيرتك، قائلاَ: «القهوة مفتوحة عادى لكل الناس ولكن بحكم أن السودانيين أغلب رزقهم هنا وأغلبهم ساكن فى وسط البلد عشان كده هتلاقى أكترهم على القهوة».
وكأننا نسمع أغنية سيد درويش الشهيرة «دنجى.. دنجى» وهو يدندن: «الراية بتاعنا واهده»، فعلى بُعد خطوات قليلة يستقر مقهى آخر تعلوه لافتة مكتوب عليها «مصر والسودان»، بملامح سمراء بشوشة وخطوات مرنة، يسرع أيمن عبدالرحمن، شاب ثلاثينى، من طاولة إلى أخرى ملبياً طلبات الزبائن، قضى «أيمن» 5 سنوات فى مصر، حيث يعيش مع عائلته فى بين السرايات، يجيد اللهجة القاهرية، ويبرر ذلك ساخراً: «القطن بيتكلم مصرى»، يشرح أكثر: «اللهجة المصرية بسيطة»، وهو ما لم يتطلب منه وقتاً طويلاً لكى يتعلمها ويساعده على العمل بالمقهى: «اللغة مش عائق، أنا باتكلم مع المصرى بلغته، والسودانى كذلك، أهم حاجة أشتغل وأطلع لقمة عيشى». يقدم «أيمن» لزبائنه مشروبات يقول إنها تأتى من السودان مباشرة: «أى مشروب هنا بيتقدم بيبقى سودانى خالص، زى الشاى والكركديه والقهوة السودانية بنسميها جبنة، بتبقى عبارة عن قهوة سودانية وعليها زنجبيل وقرنفل وقرفة.. مفيش قهوة سودانية تتشرب من غير الحاجات دى».
«أيمن»: قهوة «الجبنة» مكونة من بن سودانى وقرفة وحبهان وقرنفل.. و«شيخ الدين»: «جيت واشتغلت علشان أقدر أوفر مصاريف دراسة بنتى فى الخرطوم.. لقيت شعب طيب ومتعاون».. و«نبيل»: السودانيين بيساندوا بعض فى الغربة و«الدومينو» أشهر ألعابهم
وعلى الطرف الآخر، تجلس فاطمة موسى، فى منتصف الأربعينات، بملابس يغلب عليها الطابع السودانى ولهجة مزيج من السودانية والمصرية، أمام طاولة تملأها أباريق القهوة وأكواب السكر والشاى ونكهات من القرنفل والنعناع والحبهان والقرفة، منهمكة فى عمل المشروبات للزبائن، تقول: «القهوة السودانى بتتعمل زى المصرى بالظبط، الفرق بينها إنى بازود نكهات عليها وبتبقى من غير وش، مش زى المصرية»، مؤكدة أنها تلقى إعجاباً من المصريين أيضاًَ.
نبيل أحمد، 42 عاماً، أحد العمال المصريين القدامى بالمقهى، يعمل مدرساً للتعليم الفنى الصناعى، يحكى عن تاريخ المقهى، فيقول: «أنا ساكن هنا فى قصر النيل من أيام 1956، لما كانت قهوة الأهرام أقدم القهاوى فى وسط البلد، وحضرت الفترة اللى السودانيين بدأوا ييجوا فيها مصر»، موضحاًَ أنه فى عام 2003 بدأ السودانيون يتوافدون على المقاهى بوسط البلد أكثر من المصريين، وذلك لأنها بالقرب من بنك الاتحاد الأفريقى، وسكنهم، ومصادر رزقهم أيضاًَ، يفرق «نبيل» بين الزبونين، المصرى والسودانى، فيقول إن السودانيين يتمتعون بصفة مميزة: «بيساندوا بعض فى الغربة، ولو حد مش قادر يدفع، صاحبه بيدفع له، وممكن واحد يأجر بعض القهاوى السودانية من المصريين علشان يرزقوا بعض». وأبرز ما يميز الزبون المصرى فى المقهى: «المصريين شاطرين فى الألعاب كلها زى الكوتشينة والطاولة والشطرنج، لكن السودانيين أكتر الألعاب اللى بيلعبوها على القهوة هى الليدو والدومينو»، ومع ذلك تم منعها منذ فترة قصيرة فى المقهى: «السودانيين متعصبين فى اللعب، وممكن يعملوا خناقات ومشاكل بسبب لعبة، علشان كده منعناها فى القهوة»، وبالنسبة إلى ما يفضّله الزبون السودانى، يقول «نبيل» إنه يفضل مشاهدة الأفلام الأجنبية عن غيرها، بالإضافة إلى متابعته للدورى الإنجليزى فقط.
وفى نهاية الحارة، يبرز مقهى صغير آخر، صاحبه مصرى، يعمل به «شيخ الدين يوسف»، 51 عاماً، سودانى الجنسية، يفترش طاولة صغيرة، ليبيع عليها بضاعته المكونة من التوابل السودانية من الشطة والفول والبامية المطحونة، وكذلك البخور وأكياس التبغ والسجائر، فيقول: «بقالى هنا سنتين وشهور، وجيت مصر علشان أقدر أصرف على بنتى فى الخرطوم»، مضيفاً أنها ليست المهنة الأولى التى عمل بها فى مصر: «كنت شغال فرد أمن فى مول كبير، وبعدها جيت أشتغل فى القهوة هنا، وصاحب القهوة كان متعاون وإدانى مساحة من قهوته علشان أبيع فيها»، موضحاًَ أنه يأتى للعمل من الثامنة والنصف صباحاً حتى العاشرة مساءً، وأغلب زبائنه يكونون من السودانيين بحكم طبيعة البضاعة التى يتم بيعها: «قليل ما ييجى مصريين ويشتروا منى، والسجاير السودانية بتبقى صحية أكتر من المصرية بحكم أن النيكوتين فيها أقل»، أما عن الأسعار فسعر عبوة الشاى 100 جرام بـ25 جنيهاً، وعلبة السجائر تضم نحو 10 قطع بـ15 جنيهاً، وكيس التبغ بـ5 جنيهات.