مكاتب «بريد» المنصورة وطنطا: الداخل «مفقود» والخارج «مولود»
مكاتب البريد
«لو عاوز تشوف الزحمة الحقيقية تعالى يوم 5 فى الشهر»، جملة تتردد على ألسنة مئات الموظفين والمترددين على العديد من مكاتب البريد فى محافظتى الدقهلية والغربية، التى لم تمتد إليها يد التطوير، ومن ضمنها مكتب بريد «كفر البدماص»، الذى يقع فى مبنى قديم بشارع «قناة السويس»، وسط مدينة المنصورة، ولا يفصله عن مبنى محافظة الدقهلية سوى نحو 200 متر فقط، ويخدم الآلاف من أهالى المنطقة، بالإضافة إلى أهالى القرى المجاورة، الذين يتوافدون على المكتب لإنهاء الإجراءات الحكومية، ولا يمكن للمترددين على المكتب الاستدلال عليه إلا من خلال لافتة صغيرة، تعلو مدخلاً حديدياً، يكاد لا يخلو من الزحام على مدار ساعات اليوم.
وبعد عبور الباب الحديدى، يجد المتعاملون مع مكتب البريد أنفسهم محشورين فى طرقة لا يتجاوز عرضها مترين، يليها شباك حديدى يجلس خلفه 4 موظفين، أحدهم لصرف المعاشات، والثانى للحوالات البريدية، والثالث لحسابات البريد، والرابع للخدمات البريدية، ونتيجة الزحام الذى يشهده المكتب على مدار اليوم، وعدم وجود فتحات للتهوية فى الطرقة، وضعت إدارة المكتب مروحة صغيرة لتحريك الهواء، يتم تشغليها بواسطة «مقشة»، ويتم إيقاف تشغيلها بنزع الفيشة من الكهرباء، أما من الداخل فكميات كبيرة من الأوراق والمستندات المهمة، ويجلس مدير المكتب على مكتبه خلف الموظفين، مشغول فى عد النقود».
«فى يوم 5 من كل شهر مبنعرفش نوصل لمكاتبنا»، هكذا عبر أحد العاملين بالمكتب عن حجم المعاناة التى يقاسونها فى يوم صرف المعاشات، حيث يحرص المئات من أصحاب المعاشات على الحضور إلى المكتب مبكراً، ويفترشون الأرض أمام الباب، ويجد الموظفون صعوبة فى الوصول إلى مكاتبهم، وتابع: «هذا المكان أصبح لا يليق لتقديم خدمة للمواطنين، وذلك لضيق مساحته»، واصفاً الوضع داخل المكتب بأنه أشبه بـ«مقبرة» للموظفين، وأضاف: «عندما نشاهد المكاتب المطورة، نحزن على حالنا، خاصة أن كل موظف لديه عهدة بمبالغ مالية كبيرة، ولا يوجد لأى منا مكتب يغلق عليه عهدته، وبنشتغل بالبركة»، كما أشار إلى أن مكتب بريد «كفر البدماص» يوفر «ميزة» للمواطنين لا تتوافر فى العديد من مكاتب البريد الأخرى، وتتمثل فى أنه المكتب الوحيد بمدينة المنصورة الذى يعمل يوم السبت، ويحصل الموظفون على إجازة بدلاً منه يوم الخميس من كل أسبوع، وهذا ما يسبب زحاماً كبيراً فى المكتب، نظراً لتوافد المواطنين من كل أنحاء المحافظة عليه، لإنهاء مصالحهم البريدية فى أيام السبت.
«السيد عبدالحميد»، أحد المواطنين، قال: «أتردد هنا كثيراً، خاصة للحصول على حوالات بريدية، وعادة ما يطلب الموظف صورتين للبطاقة الشخصية من كل مواطن، ولا أفهم لماذا صورتان؟، خاصة أن الموظف يطلع على أصل البطاقة أولاً، للتأكد من شخصية صاحبها»، مشيراً إلى أن هناك مكتب تصوير بجوار مكتب البريد، يقوم بتصوير البطاقة بسعر 2 جنيه للنسخة الواحدة، وأضاف أن الخدمات التى يقدمها المكتب مكتوبة على ورقة «كرتون» بخط اليد، ولا يوجد أى وسيلة لتنظيم المترددين، كما لا توجد أى بارقة أمل لتطوير نظام العمل بالمكتب، الذى يُعد أحد أقدم مكاتب البريد بمدينة المنصورة.
«أنا كل مرة أحضر للبريد أنتظر ساعتين أو ثلاثة لأصرف المعاش»، هكذا تحدثت «سلوى محمود»، ربة منزل، لـ«الوطن» عن رحلة عذابها التى لا تنتهى مع مكتب البريد للحصول على معاشها، وقالت: «أحضر يوم 5 من كل شهر، ومن شدة الزحام، ننتظر فى الشارع، سواء فى حرارة الشمس فى الصيف، أو البرد الشديد فى الشتاء، إلى أن يأتى دورى»، وأضافت أن المكتب هو أقرب مكتب بريد بالنسبة لها، واعتادت على التعامل مع الموظفين والعاملين به، والذين أكدت أنهم يتعاملون مع المواطنين «بكل احترام».
وفى المقابل، أكد مصدر مسئول بمحافظة الدقهلية، لـ«الوطن»، أن المحافظ، الدكتور أحمد الشعراوى، وعد بالتدخل لدى المسئولين فى هيئة البريد، منذ شهر أبريل الماضى، عند زيارته للمكتب، واستمع لشكوى المواطنين من سوء حالة الخدمات البريدية، وعمليات صرف المعاشات لكبار السن، نظراً للزحام الشديد وضيق المكان، وأضاف المصدر أن المحافظ وجه مسئولى البريد بسرعة تدبير مكان بديل، خاصة لصرف المعاشات لكبار السن، كما أصدر تعليماته بحسن تعامل القائمين على المكتب لجموع المواطنين، وأكد مسئول بهيئة البريد أن مشكلة مكتب «كفر البدماص» يعلم بها المسئولون فى الهيئة منذ سنوات، ويسعون جدياً لإيجاد مكان بديل له، خاصة فى ظل خطط التطوير التى شهدتها مكاتب البريد خلال الفترة الأخيرة.
ولا يختلف الحال كثيراً فى مكتب بريد «ميدان محب» بمدينة طنطا، فى محافظة الغربية، الذى يرجع تاريخ إنشائه إلى سنة 1965، ولم يشهد أى أعمال تطوير منذ ذلك التاريخ حتى الآن، وعلى مدار أكثر من 5 سنوات، يطالب العاملون فى المكتب ومئات المواطنين المترددين عليه بنقله إلى مكان آخر، تتوافر فيه البيئة الآدمية الآمنة، سواء للموظفين أو المتعاملين مع المكتب، الذى أقل ما يوصف به أنه «غير آدمى»، ولا يصلح لخدمة عملاء هيئة البريد، فى ظل التنافس الشديد بين الهيئة والبنوك لجذب مزيد من العملاء.
«كفر البدماص» أقدمها.. «مقبرة» للموظفين ورحلة عذاب لا تنتهى لأصحاب المعاشات
«إبراهيم جمال»، موظف على المعاش، أكد أنه يضطر إلى التعامل مع مكتب بريد «ميدان محب»، نظراً لأنه الأقرب إلى محل سكنه، وأكد أن «المكان ضيق، وغير آدمى، ولا يصلح لخدمة 10 مواطنين»، بينما قالت «زينب عبدالفتاح»، ربة منزل، إنها تأتى إلى المكتب شهرياً لصرف الحوالات البريدية التى يرسلها إليها ابنها، ولكنها فى كل مرة تعانى الأمرين بسبب الزحام وضيق المكان، الذى لا يستوعب أكثر من 10 أشخاص، مما يضطر المئات من المترددين على المكتب إلى الانتظار فى الشارع، وكثيراً ما يتعرض بعضهم للإغماءات، بسبب طول فترة الانتظار وسط درجات حرارة مرتفعة.