البراميل الخشبية.. ورش «الأنفوشى» تبحث عن صنايعية
«عادل» أثناء تصنيع أحد البراميل داخل الورشة
فى أحد شوارع وكالة «الليمون» بمنطقة الأنفوشى، بجمرك الإسكندرية، يستنشق المارة بالطريق العام رائحة الخشب الذى تعبئ الجو، مقبلة من إحدى ورش صناعة «البراميل» الخشب القديمة، وارتفاع صوت «المنشار» أثناء قطع الألواح بمختلف أحجامها، وطرق «المطرقة» على الحديد لصناعة «شنبر» دائرى لاستخدامه فى تقوية وتماسك البراميل، والحفاظ عليها من التلفيات.
«براميل الخشب» إحدى الصناعات التى أوشكت على الانقراض بسبب إغلاق عدد كبير من الورش التى كانت تصنعه بسبب ظهور البلاستيك واستخدامه فى كثير من الأحياء وانخفاض سعره مقارنة بالخشب.
«حبى لمهنتى جعلنى متمسكاً بها خوفاً من الانقراض»، هكذا بدأ الأسطى مصطفى عرفات، وشهرته «عادل براميلو»، صاحب أقدم ورشة لصناعة البراميل الخشب بالإسكندرية، وعمرها 58 سنة، حديثه قائلاً: افتتحت أول ورشة لصناعة «البراميل» الخشب عام 1942 وأول من بدأ المهنة فى مصر هم الأجانب، وكانوا من أمهر الصنايعية المحترفين، تعلم منهم جدى المهنة، ونقلها لوالدى وأنا تعلمتها وأنا أبلغ من العمر 18 سنة، وأمارسها على مدار 40 سنة.
وأضاف «براميلو»: مع بداية الألفينات ظهر البرميل البلاستك بالأسواق وبدأ الإقبال عليه لرخص تكلفته، ولكن البلاستيك مضر ويتفاعل مع العطارة والأسماك المملحة ويؤدى إلى إتلافها ويصيب المواطنين بالأمراض، مؤكداً أن شعبية «البراميل» الخشب تتراجع بمرور الأيام وتوشك على الانقراض.
«عادل براميلو»: البلاستيك يؤدى لإتلاف مواد العطارة والأسماك المملحة ويضر بصحة الإنسان
وأكد «براميلو» أن «شغلانة صناعة البراميل متعبة لأنك تشتغل حداد ونجار فى نفس الوقت، لكن حبيتها للحفاظ على المهنة بعد والدى»، موضحاً أنه حاول تعليم ابنه المهنة خوفاً من انقراضها واستكمال مسيرة الأعمال من بعده، لكن نجله رفض تحمل المسئولية، مؤكداً أن الأجيال الجديدة ما تقدرش على التحمل والتعب والشقى، ومفيش صبر لتعليم صنايعى غريب.
يحب المهنة ولا يستطيع التخلى عنها مهما شهدت ركوداً، هذا ما يشدد عليه «براميلو» ويقول إنه يعمل فى الورشة بمفرده دون صنايعية بسبب ارتفاع أسعار الخشب والمواد الخام ويومية الصنايعى: «ممكن أشتغل أسبوع وفيه أيام مش بيبقى فيها شغل، ولكن الأيام تعوض بعضها»، موضحاً أن الورشة كانت تصدر البراميل الخشب لـ«إيطاليا وليبيا وأمريكا»، وآخرها كان تصدير برميل كبير تم وضعه على عربة حنطور لاستخدامه فى تعبئة «البيرة» بشوارع إنجلترا.
وذكر «براميلو» أن استخدام البرميل الخشب صحى «للعطارة والفسيخ والأسماك» ويستخدمه بعض المهندسين فى الديكورات المنزلية، مؤكداً أن سر المهنة يكمن فى عدم تسريب المياه من داخل برميل «الفسيخ» لأننا نضع طبقة من الشمع والقش داخل البرميل للحفاظ على المياه داخله، موضحاً أنه يتم عمل مكن «الآيس كريم» من البراميل الخشب أيضاً، ويتم وضع حلة من النحاس داخلها، وغيرها من المنتجات مثل كراسى وترابيزات الكافيتريات والمطاعم على هيئة براميل، وفاترينة محلات الملابس. وأوضح «براميلو» أن البراميل كانت تأتى من روسيا على السفن العملاقة بالجمارك، وتجميعها وإعادة تدويرها مرة أخرى لبيعها لشركة النشا والخميرة.
وأشار «براميلو» إلى أن البرميل 25 25x يتكون من 5 ألواح خشب، وسعر اللوح الخشب السويدى ارتفع إلى 45 جنيهاً، مؤكداً أن سعر البرميل الخشب وصل إلى 300 جنيه، بينما فى التسعينات كانت تكلفته 10 جنيهات، موضحاً أن شركة النشا والخميرة كانت أكثر شركة مستخدمة للبراميل الخشب فى الإسكندرية، لاستخدامها فى معجون الصابون والشامبو والزيت، ولكن الشركة الآن أنشأت مصنعاً خاصاً لها لتصنيع البراميل البلاستيك. وأضاف «براميلو» أن خطوات صناعة البرميل الخشب تقوم على إحضار ألواح الخشب وتقطيعها بمقاسات معينة، حسب مقاس البرميل الذى تتم صناعته، كما يتم أيضاً تقطيع بعض الخشب بمقاسات أصغر لعمل قاع البرميل، وبعد ذلك يتم إحضار «شمبر» حديد، لاستخدامه فى تقوية تماسك البرميل والمحافظة عليه، حيث يقوم بتقطيعها لمقاسات محددة ولكن تختلف فى طولها، ثم يقوم بجمعها لتصبح فى شكل دائرى.
وأوضح أنه يقوم بجمع قطع الخشب وتثبيتها بالمسامير ثم إضافة «الغراء» لتمام تماسكها، ثم إضافة «الشنبر» الحديد لزيادة تماسكها، وبعد ذلك يتم طلاؤها بالورنيش للحفاظ على منظر الخشب الجمالى، وهناك بعض العملاء يحصلون على براميلهم دون طلائها بالورنيش أو بالدهان.