«مداح القمر».. هزمته قسوة الزمن والأصدقاء وانتصر له إبداعه
«بليغ» يحمل نوتة موسيقية أمام البيانو فى منزله
كثير هم من تعاملوا مع الراحل على مدار سنوات عطائه للفن والإبداع، ورغم اختلاف المدارس الفنية التى تعاملت مع عبقرى الأغنية المصرية، إلا أن الجميع اتفق على حساسيته وعشقه لوطنه، وعلى تعرضه لظروف قاسية وللظلم من بعض المحيطين به فى مواقف كثيرة بحياته.
لم يكن بليغ حمدى مجرد ملحن موهوب وصاحب مدرسة خاصة فى عالم التلحين، لكنه كان أكاديمية لصنع نجوم الغناء، لحن منه كان يكتب شهادة ميلاد لصوت جديد، ويعد الفنان على الحجار واحداً من أهم اكتشافات الموسيقار الراحل بليغ حمدى، فهو المطرب الوحيد من العصر المعاصر الذى أنتج له بليغ أعماله الغنائية، وذلك لإيمانه الشديد بموهبته وصوته الفريد الذى ميزه عن باقى منافسيه.
وتحدث «الحجار» عن الموسيقار الراحل، قائلاً: «بليغ هو نغمة هذا الزمان، فهو موسيقار لن يتكرر مرة أخرى بسهولة فى حياتنا، فقد منحه الله موهبة لا توجد كثيراً فى البشر، فبعيداً عن كونه من طراز فريد فهو الموسيقار الوحيد الذى عايشته لديه القدرة على كتابة النوتة الموسيقية دون أن يلحنها على آلة، وهو أمر يفهم الموسيقيون مدى صعوبته واستحالته، كما أنه كان عاشقاً لمصر بطريقة غير طبيعية، فتقريباً كل الأغنيات التى قدمها للعشق والرومانسية كان يلحنها لمصر، حتى فى أحاديثه معنا كان دائماً ما يردد فيها عن حبه وعشقه لها، ولذلك تجد أن أهم أغنية وطنية قدمت فى تاريخ مصر هى أغنيته (يا حبيبتى يا مصر)».
وعن اكتشافه له، قال: «لو لشخص الفضل فى ظهورى بالساحة الفنية بعد الله سبحانه تعالى ووالدى رحمة الله عليه، فسيكون بليغ حمدى، فهو الذى اختارنى بنفسه لكى يقدمنى كفنان، حيث إنه شاهد برنامجاً كان يذاع على التليفزيون كل يوم جمعة بعنوان (الموسيقى العربية) للدكتورة رتيبة الحنفى رئيسة معهد الموسيقى، وكنت فى إحدى حلقاته أغنى (صولو) ضمن فرقة التخت العربى حيث كنت أشدو بالموشحات والأغنيات القديمة، فأرسل لرتيبة أنه يريد مقابلتى، وبالفعل فى اليوم التالى ذهبت إليه، فشاهدنى مدير مكتبه واعتقد أننى جئت لكى أزعجه وأطلب منه أن يستمع لصوتى، فقال لى: الموسيقار مشغول للغاية ولن يستطيع مقابلة أى شخص بسبب أعماله».
على الحجار: بكى عندما سمع صوتى لأول مرة وقال «ولادك يا مصر بخير».. سميرة سعيد: طيبته سبب معاناته وابتعاد الناس عنه فى محنته زاده كبرياءً.. محمد الحلو: كان يبكى لو رأى طفلاً فقيراً.. ولم يخذل أحداً طلب منه المساعدة
وأضاف: «فى اليوم التالى جاءتنى إحدى العاملات لديه فى منزلى، وطلبت منى أن أذهب معها لمقابلة بليغ، بعد أن اكتشف ما فعله مدير مكتبه معى، وبالفعل التقيته وأعطانى العود وبدأت أعزف عليه إحدى أغنيات والدى، وبعد أن انتهيت من العزف، وجدته يبكى ويقول لى: ولادك يا مصر بخير، وظل لمدة عام ونصف يدربنى ويزيدنى من خبرته الفنية، إلى أن قرر أن يقدمنى كمطرب فى ليلة رأس السنة لعام 1977، وقدمنا معاً أغنية (على قد ما حبينا) التى كتبها الشاعر الراحل عبدالرحيم منصور، وحققت نجاحاً مبهراً، وظل بليغ يذهب يومياً إلى الإذاعة فى التاسعة صباحاً، لكى يتأكد أن الأغنية ستذاع بشكل دورى».
أما بخصوص مسيرته الفنية مع بليغ، فقال: «ربما أكون أكثر المحظوظين بالتعامل مع بليغ، حيث إنه قام بالإنتاج لى واحتكر صوتى لمدة 3 سنوات خلالها قدمنا عدداً لا بأس به من الأغنيات الرائعة، فالبداية كانت مع ألبوم (على قد ما حبينا) وقدمنا فيه أغنية (قالت)، ورغم أن من يستمع لها يعتقد أنها رومانسية، إلا أن بليغ كان قد لحنها لمصر».
وتابع: «كما قدمنا فى هذا الألبوم أيضاً أغنيتى (على سفر) و(طاب العنب)، وأنتج لى ألبوم رباعيات صلاح جاهين الذى لحنه الموسيقار الراحل سيد مكاوى، وظل التعاون حتى فى ألبوماتى التى أنتجتها لنفسى فقدم لى أغنية (أحبابنا من عشمهم) و(لما انت ناوى على السفر) فى ألبوم (اعذرينى) وأغنية (ما بلاش نكدب على روحنا) التى طرحت فى ألبوم (ماتصدقيش)، وكانت النهاية بجميع أغنيات مسلسل (بوابة الحلوانى) وهو آخر عمل موسيقى قام بليغ بتلحينه، وقدم فيه عشرات الأغنيات أبرزها (اللى بنى مصر) و(أشرقت شمس الأمانى) و(آن الأوان) مع الفنانة شيرين وجدى، و(حاسس انى بدوق الفرحة) و(يا ليالى وسعى لنا)».
النجمة سميرة سعيد من أكثر الفنانات اللائى تعاملن مع الموسيقار الراحل بليغ حمدى، فأعمالهما معا تخطت حاجز 20 أغنية، ومن بينها أغنيات أصبحت علامات فى تاريخ الاغنية المصرية الحديثة.
وتحدثت «سميرة» عن بداية تعارفها على بليغ، قائلة: «تعرفت عليه فى بداية عهدى بالغناء، وذلك خلال زيارات عبدالحليم حافظ لى بالمغرب، ولكن أول مرة قابلته فيها وتحدثنا معاً، عندما تم نقل حليم إلى أحد مستشفيات المغرب بسبب حالة مرضه، إذ قابلت بليغ هناك وكان فى حالة حزن شديد على حليم، وعندما رآنى قال له من هذه؟ فأجاب: هذه سميرة التى تغنى فى حفلات جلالة الملك الحسن الثانى فرحب بى بشدة، ولكن لم يكثر الحديث بيننا، بسبب قلقنا وقتها على حليم».
وأضافت: «بداية العلاقة القوية بينى وبين بليغ بدأت مع قدومى إلى القاهرة حينما بلغت من العمر 17 عاماً، فرغم أن بداية عملى فى القاهرة كان بأغنية مع الموسيقار محمد سلطان إلا أننى أحببت أن تكون انطلاقتى الحقيقية فى الموسيقى بمصر مع الموسيقار الكبير بليغ حمدى، فحصلت على رقم منزله واتصلت به وذكرته بنفسى، وبدأ يمزح معى، واتفقنا على أن أذهب إليه لكونه لديه برنامج موسيقى كبير مع الفنانة الكبيرة ليلى مراد وعدد من الأصوات الشابة، أمثال محمد ثروت وسوزان عطية، وظللنا نعمل معاً فى هذا البرنامج على تقديم ما يقرب من 20 أغنية، من بينها أغنيات ما زالت موجودة حتى وقتنا هذا على اليوتيوب، منها (أحلام الأميرة) و(مليش عنوان) و(كنا 3 بنات)».
وتحدثت عن أكثر الأغنيات التى تعتز بها خلال عملها معه، قائلة: «بليغ لم يقدم فى حياته عملاً فنياً غير جيد، فهو كان عبقرى مزيكا، ولو تحدثت عن أعمالى معه فجميعها أفضل من بعض، فماذا سأفضل (كتر الكلام) أم (سيداتى آنساتى) أو (بنلف) أو (توهة) و(ليلة الأنس) و(مسا الجمال) و(كتر الكلام)، وقدمت معه الأغنية الوطنية عام 1984 (مصر الأم تملى تضم)، فالعمل مع بليغ فى حد ذاته نجاح، وأحمد الله أننى كنت من أكثر فنانات جيلى اللاتى شرفن بالعمل معه على مدار ما يقرب من 10 سنوات».
وحول اقترابها منه كثيراً قبل وفاته، قالت «سميرة»: «بليغ ظلم كثيراً فى حياته، كان ولا بد أن يأخذ حقه، لأنه كان إنساناً طبياً وطيبته هى التى أدت إلى المشاكل والأزمات التى وقع فيها بنهاية حياته، فترة سفره خارج مصر أتعبته كثيراً وجعلته شخصاً آخر غير بليغ الذى أحببناه لأنه شعر بالانكسار، كما أنه شعر بأن عدداً كبيراً من المقربين له ابتعدوا عنه، ولذلك كان لا يريد شيئاً من أى شخص لأنه يمتلك كبرياء الكبار، وأتذكر أنه فى تلك الفترة الصعبة زرته أكثر من مرة خلال وجوده فى باريس، ووجدته شخصاً آخر غير بليغ الذى قدمت معه أجمل وأروع الأعمال».
جمع الفنان محمد الحلو مع الراحل بليغ حمدى علاقة صداقة رغم الفارق العمرى الكبير بينهما، فكان الأخير لا يدخر جهداً فى مد يد العون للشباب، إيماناً منه بحتمية تسليم راية الفن والموسيقى لجيل جديد قادر على استكمال مسيرة الإبداع.
استهل «الحلو» حديثه عن بليغ حمدى بما ألفه منه من مواقف إنسانية عظيمة، قائلا: «بليغ كان إنساناً مختلفاً عن باقى البشر الذين عرفتهم فى حياتى، فكان محباً للحياة بصورة مبالغ فيها، ولا يشغل باله أبداً بالمشاكل والأزمات، ووهب حياته وروحه من أجل الفن ربما يجلس لا يفكر فى الأكل والشرب بل فى إمكانية تأليف لحن وأغنية جيدة، فأحياناً نجلس معاً نتحدث فى أمور عادية فى حياتنا ونجده خرج من الجلسة لكى يدون فكرة أو لحناً خطر بباله، ولذلك ربما كان البعض يراه مجنوناً فهو كان أشبه تعبير على مقولة الفنون جنون».
أضاف: «بليغ كان محباً للناس جميعاً ويساعد أى فرد يطلب منه العون، وبالتحديد فى الفن، وأعتقد أن هذا الأمر يعود إلى بدايته حينما وقف الموسيقار والفنان محمد فوزى بجانبه فى بداية مشواره، رغم أن الاثنين ملحنان، وبليغ قد يكون سبباً فى إيقاف عمله، إلا أن فوزى لم يكن يفكر بهذه الطريقة وأوصله للعمل مع أم كلثوم، ولذلك كان بليغ دائماً ما يقول على فوزى إنه أطيب شخص فى العالم، وكلما تذكر مواقفه معه يبكى ويترحم عليه بشدة، فقد أراد أن يكون امتداداً له فى مساعدة الناس، وبناء عليه قدم جيلاً كبيراً من الشباب فى ذلك الوقت للساحة كنت أنا من بينهم».
وعن علاقته ببليغ، قال: «دائماً ما كان يقول لى: انت يا ولد نسخة منى فى كل حاجة، حيث كان يرانى مثله فى حب الحياة وعدم الاهتمام بمظاهرها الخادعة من النقود والشهرة وأيضاً الجنون والإقدام على فعل أشياء غريبة، فرغم الفارق العمرى الكبير بيننا إلا أننا كنا أصدقاء للغاية، ودائماً ما كنا نسهر معاً ونحكى مشاكلنا وأزماتنا، فبليغ العملاق الذى أحدث نقلة موسيقية كان يبكى ويكره الحياة لو وجد طفلاً صغيراً فى الشارع يشحت أو لا يجد قوت يومه».
وحول أبرز الأعمال التى جمعتهما، أوضح: «أول تعاون لى مع الموسيقار الراحل كان فى أغنية (صدفة)، وكنت ما زلت فى بداياتى الفنية، وقدمت معه أيضاً ألحان مسلسل (لعبة الفنجرى) الذى قام ببطولته عبدالمنعم مدبولى ومعالى زايد والفنان القدير جميل راتب، أما الانطلاقة القوية فكانت فى أغنية (أشكى لمين) التى حققت نجاحاً كبيراً، وبدأ اسمى ينتشر فى الأوساط الفنية والغنائية بشكل كبير على أثرها، وبناء على ذلك نصحنى بليغ بأهمية تصوير الأغنية كفيديو كليب، وحققت رغبته وقمت بتصويرها مع المخرج الكبير جميل المغازى، وظلت تحقق نجاحات وطلب منى محمد منير غناءها بطريقته، واستأذن منى أن أطلب من بليغ ذلك ووافق، كما قدمتها أنغام بصوتها أيضاً».
واختتم «الحلو» حديثه، بقوله: «فى ذكراه الحالية سأقدم على مسرح البالون (أوبريت غنائى) بعنوان (سيرة الحب)، مع المخرج عادل عبده وسأتشرف فيه بأن أقدم دور بليغ حمدى وسيشاركنى فيه الفنان مجدى صبحى».