«حبه الأخير» تروى ذكريات الألم والفرح: رافقته فى لحظاته الأخيرة.. وقبل موته صرخ: «قتلونى»
نانسى فاروق مع بليغ حمدى فى جلسة عمل
4 سنوات هى عمر العلاقة الإنسانية التى جمعت الموسيقار الراحل بليغ حمدى، بنانسى فاروق عازفة البيانو، التى عايشت التفاصيل الأخيرة فى حياته بعد عودته إلى مصر من باريس عام 1989، وتبرئة ذمته من قضية «سميرة مليان».
تروى «نانسى» لـ«الوطن» كواليس أسطورتها الخاصة، والعلاقة التى جمعتها بالموسيقار الراحل بدايتها وتطورها، ولحظات الفرح والألم والانتصار والهزيمة الأخيرة أمام المرض وانقضاء الأجل: «ما كان بيننا علاقة خاصة جداً، لا أحب التطرق إلى تفاصيلها، ويكفينى أن بليغ كان يقول لى: ربنا طبطب علىّ بيكى آخر أيام حياتى».
«أنا عايشة مع بليغ وألحانه، أقول لألحانه صباح الخير، الأمر ليس هيناً، فحياتى تنشطر إلى قسمين، أولهما الفترة التى قضيتها قبل أن أعرفه والأخرى بعدما دخل حياتى»، بتلقائية تتحدث «نانسى» عن ذكرياتها مع الموسيقار الراحل، قائلة: «ارتباطنا لم يكن يخطر ببالى فى يوم من الأيام، رغم أنى مغرمة منذ صغرى بموسيقاه، فهو كان أكبر من والدى بسنتين».
تتذكر «نانسى» اللقاء الأول الذى جمع بينهما وكأنها تراه اليوم: «قابلته أول مرة عام 1989 عند مكتب الأستاذ ميشيل المصرى فهو كان من أصدقائه، وكنت أسجل لحناً له، وحينها كنت طالبة فى كلية التربية الموسيقية ومجرد عازفة بيانو صغيرة، وكان قد عاد إلى مصر منذ يوم واحد، ونادانى ميشيل لأسلم عليه فارتبكت وكنت أود الترحيب الشديد به، بعد تبرئته وعودته من الغربة والظلم الذى تعرض له، فقلت له بعفوية: (كل حتة فيا بتقولك حمد الله على السلامة)، فقد كنت وقتها خجولة جداً، فرد علىّ: (ناس كتير قالوا لى حمد الله على السلامة، بس أنا صدقت لخبطتك!).
نانسى فاروق: التقيته بعد عودته إلى مصر.. وباريس كانت محطتنا الأخيرة.. وقال لى: «ربنا طبطب علىّ بيكى آخر أيام حياتى»
«التقينا على فترات عند الأستاذ ميشيل وكان معجباً بآرائى فى المزيكا»، هكذا كانت الموسيقى القاسم المشترك بين «بليغ» ومحبوبته، التى أكملت حديثها عنه: «فى إحدى المرات قال لى: (ابقى كلمينى بالتليفون)، وكتب لى رقم تليفونه فى أحد الكتب الخاصة بميشيل، ولكنى لم أكلمه، فعندما قابلنى باستديو 46 بالإذاعة، عاتبنى قائلاً (مابتكلمنيش ليه تسألى عنى؟) فقلت له: (وانت ماكلمتنيش ليه؟!) فأجاب: (مش عارف تليفونك).. فأخبرته برقم تليفونى شفوياً فحفظه، واتصل بى فى اليوم نفسه.. وتطور الأمر إلى صداقة عميقة من نوع خاص، بليغ شخص غير متوقع فى كل ما يصدر عنه، ربما لا يتخيل أحد أنه كان شديد الخجل».
وعن تطور صداقتهما، تقول: «اتصل بى أحد أفراد أسرته ذات مرة، بناءً على طلبه لأساعدهم فى حجز موعد لدخوله المستشفى، وبالفعل قمت بذلك، واكتشف إصابته بفيروس «سى»، وكان وقتها قد تعاقد على تلحين أغانى مسلسل «بوابة الحلوانى»، فلما ساءت حالته، اتصل بمنتج المسلسل للاعتذار عن عدم تلحين الأغانى، لكنى أصررت على ألا يعتذر عنه، وأحضرت العود الخاص به إلى المستشفى، وقمت بتأجيل التزاماتى كى أكون بجواره فى فترة مرضه، فكنت أتابع تسجيل الألحان فى الاستديو ومع الموزع، ثم أعود إلى منزلى للراحة بعض الوقت، وأذهب بعدها إلى بليغ فى المستشفى وأطلعه على آخر الأخبار، فكانت حالته النفسية تتحسن، وعندما أحس ببعض التحسن فى صحته ذهب معى فى إحدى المرات إلى الاستديو ليباشر التسجيل بنفسه».
وأكملت: «شعر أن هناك شخصاً يحبه ويسانده بلا غرض، فلم يكن لى مصلحة معه، فأنا لست مطربة أرغب فى الغناء أو الشهرة، ولا أريد منه مالاً، ولا هو الرجل الثرى الذى يبحث عن فتاة صغيرة، فكان يصف علاقتنا بقوله: (أنا اتخبطت بيكى) و(لما اتخبطنا فى بعض) فكان يختار كلمات عبقرية مثل مزيكته، لكن ما كان بيننا أكثر عمقاً وصدقاً من مجرد الاختزال فى علاقة رجل بامرأة، ربما لا أعرف حتى تقديم وصف دقيق له، لكنه وصفنى فى إهداء كتبه لى بخط يده على ظهر صورة فوتوغرافية بتاريخ 7/2/1992»: (إلى ابنتى الكبيرة، إلى أختى الصغيرة، إلى صديقتى الصادقة، إلى الحساسية المطْلقة، إلى المشاعر الذكية، إلى نانسى الغالية)، ومن محبته لى كتب لى ورقة يوصينى فيها على نفسى، وهناك من يعرف تفاصيل علاقتنا، فالفنانة «ذكرى» كانت صديقتى وكانت تردد ما أطلقه علىّ أحد الكتاب فى موضوع نشر بإحدى الصحف (الجملة الموسيقية الأخيرة فى حياة بليغ حمدى).
وتابعت: «بعد شعوره بالتعافى بدأ يعود إلى التلحين وتعاقد على عدد من الأعمال منها (الحلم الضائع) وغيرها، وفى إحدى المرات كان بالسعودية، وأجرى بعض الفحوصات الطبية فعرف أن نسبة التليف فى الكبد وصلت إلى 70%، مع انتشار المرض الخبيث، وطلب منه الأطباء عينة من الكبد، فاتصل بى للرجوع إلى طبيبه فى مصر، ليستشيره فى خطواته المقبلة، فاقترح عليه السفر إلى باريس لتلقى العلاج هناك».
بصوت هادئ موجوع، تقول: «عاد إلى القاهرة وليرتب نفسه للسفر إلى باريس، وسافر، على أن أجهز أوراقى وألحق به، ثم توالت اتصالاته التليفونية بى من هناك يستعجلنى للحاق به، وبالفعل سافرت إليه فى أقرب وقت، وكنت معه فى آخر أيام حياته بشكل مستمر، وتابعت معه رحلة العلاج الأخيرة، والتى كانت تتطلب نوعاً معيناً من الحقن على مراحل، وخضع للحقنة الأولى، وبدأ جسده يستجيب بعض الشىء للعلاج، وأخبره الطبيب أن عليه البقاء فى باريس عدة أسابيع للمتابعة ولاستكمال العلاج، وبالفعل بقينا هناك، وتجولنا فى باريس، بل وأعدنا اكتشافها معاً بشكل مختلف وعشنا أجمل الأيام».
وبحزن وحسرة واصلت الحديث عنه: «جاء موعد الخطوة التالية فى العلاج وهى عملية تستغرق ساعتين، لكنها استغرقت وقتاً يقترب من الـ4 ساعات، ليخرج بعدها فى حالة شديدة السوء، وصرخ يومها قائلاً: (قتلونى) وساءت حالته فى الأيام التالية وراح فى غيبوبة، وفقدته إلى الأبد، لأعود من باريس بمفردى، ولم أكن أعرف من أين أبدأ، ولا إلى أى شىء سأعود إليه بعد ذلك».