أموال التبرعات.. سكة خير أم مال سايب؟
أموال التبرعات.. سكة خير أم مال سايب؟
«تبرعوا لعلاج مريض، تبرعوا لإطعام فقير، تبرعوا لإيواء يتيم».. شعارات كثيرة تدعو إلى التضامن والمساعدة فى مجتمع يحتاج أفراده إلى أن يمدوا يد العون إلى بعضهم، لكن كماً من شعارات براقة قد يكون ستاراً فى بعض الأوقات للتحايل والخداع وارتكاب أعظم الجرائم، فصناديق التبرعات المنتشرة فى ربوع مصر باتت تحمل أكثر من وجه، فبعضها يعد نوعاً من المساندة والدعم ودليلاً على التكافل المجتمعى الواسع، لكن بعضها الآخر مجرد واجهة جميلة لأبواب خلفية تمرر منها الكثير من الأنشطة غير المشروعة، حيث يستغلها أصحابها كوسيلة للتربّح الحرام، أو ستار لتنفيذ أجندات داخلية وخارجية مدفوعة الأجر. ووسط هذا الجدل الدائر تسارع الدولة من خطواتها حالياً لتشديد رقابتها وإحكام قبضتها ووضع يدها على صناديق «المال السايب» لمعرفة مصادرها وتحديد أوجه صرفها فى ما يفيد الناس ولا يضرهم. وتأتى منظمات المجتمع المدنى على رأس قائمة طويلة من الجهات التى تتلقى تبرعات وتمويلات، بعضها من الداخل وبعضها من الخارج، ومع زيادة علامات الاستفهام فى السنوات الأخيرة حول طبيعة عملها وأهدافها وأجندات الجهات المانحة والممولة لها، أصدر مجلس النواب مؤخراً قانون الجمعيات الأهلية الذى يُخضع أموال هذه الجمعيات لجهاز مستقل تابع لمجلس الوزراء، وأكد برلمانيون أنه سوف يغلق «حنفية» ما وصفوها بـ«فوضى التبرعات والتمويلات»، وسينظم عمل الجمعيات والمنظمات بمختلف أنواعها.
من «الجمعيات» إلى «بيوت الله».. «الوطن» تجدد فتح الملف الخطير حتى لا تتحول «فلوس الخير» إلى «قنابل موقوتة»
لكن الأمر لا يتوقف عند الجمعيات ذات النشاط الحقوقى أو السياسى فقط، فمساحة الجدل تتسع أيضاً لتشمل المئات من الجمعيات الأهلية التى تعتمد على جمع التبرعات لتمويل أنشطتها الخيرية والمجتمعية، فبعضها يلعب دوراً حقيقياً فى خدمة المجتمع، لكن فريقاً آخر منها يقع فى قبضة الإخوان والسلفيين، حيث ظل الكثير من صناديق التبرعات سنوات طويلة مصدراً مهماً من مصادر تمويل الجماعات الدينية التى ترفع شعار «نحمل الخير لمصر»، بينما فى حقيقة الأمر هى تحمل التطرف والشر، وتكون هى المستفيد الوحيد من أموال التبرعات لتمويل أنشطتها ونشر دعوتها.
وبعيداً عن منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية، لا تزال أموال النذور والصدقات فى صناديق المساجد والكنائس على حدٍّ سواء، تطرح علامات استفهام عديدة حول حجمها ومخصصاتها وأوجه الرقابة عليها، الأمر الذى دفع بعض أعضاء مجلس النواب لتقديم أكثر من طلب إحاطة حول هذه الصناديق، فيما حدّدت وزارة «الأوقاف» إجراءات عديدة لتشديد السيطرة عليها، ووجّهت الكنيسة تحذيرات كثيرة من النصب باسمها.
«الوطن» قررت أن تفتح هذا الملف المسكوت عنه على كل المستويات، من أجل وضع النقاط فوق الحروف، وتوجيه التحية إلى أهل الخير الحقيقيين الذين يخدمون المجتمع وتوجيه أصابع الاتهام إلى من يقفون بالجانب الآخر من الصورة لخدمة أغراضهم الشخصية، لذلك قررنا أن ندق جرس إنذار شديد الخطورة، حتى لا تتحول صناديق التبرعات إلى قنوات خفية لجمع الثروات السريعة، أو تمويل أنشطة تهدم ولا تبنى، تضر ولا تفيد.