المصريون يتقربون إلى الله بالصدقات.. و«المقامات» الأكثر حظاً
عدلى - مصطفي
دخل من الباب الصغير المؤدى إلى مقام سيدنا الحسين، فى المسجد الذى يحمل اسمه، وإلى جواره كان ابنه «حسين»، صاحب الـ14 عاماً، فى زيارة هى الثانية مع أبيه الستينى «عدلى السمان»، حيث كانت الزيارة الأولى قبل 10 أعوام مضت.
بمجرد دخولهما، وضع الأب يده فى أحد جيوبه لتخرج قابضة على عملة ورقية حاول إخفاءها، قبل أن ينقلها فى يد طفله الصغير مشيراً إليه بعينيه ناحية هذا الصندوق الكبير فى إحدى زوايا المقام، فيذهب الطفل متفحصاً تلك الفتحة الصغيرة أعلى الصندوق، ليمرر من خلالها النقود ويعود إلى أبيه وعلى وجهه ابتسامة عريضة، ليقفا معاً إلى جوار المقام يقرآن الفاتحة ويلتقطان بعض الصور التذكارية. «بتبرع ومابركزش الفلوس ممكن تروح فين، المهم إنى نيتى أتبرع بيها لله عشان ربنا يباركلى فى ابنى ده»، كانت هذه جملة قالها «عدلى» عندما سألناه عن السبب وراء تبرعه فى صندوق المقام، ومجيئه من منطقة المعادى، وإغلاق ورشته للنجارة خصيصاً من أجل هذه الزيارة، التى تتكرر بين الحين والآخر لمقام سيدنا الحسين، حيث يكون حريصاً كل الحرص على «أخذ بركة المقام» بما قد يضعه فى صندوق التبرعات من جنيهات قليلة، تختلف باختلاف وضعه المادى كل زيارة: «فى الأول والآخر الواحد بيحكمه إمكانياته لما بييجى يتبرع». عادة التبرع فى صناديق المساجد، لا سيما صناديق مقامات آل البيت، اكتسبها «عدلى» من والده عندما كان يأخذه معه وهو صغير فى مثل هذه الزيارات، الأمر الذى أراد أن يزرعه هو الآخر فى طفله، لأن التبرع فى صناديق المقامات بالنسبة له ذو أهمية خاصة: «التبرع فى حاجة زى دى قيمتها أكبر بالنسبة لى لأنها محطوطة فى مكان طاهر». مشهد التبرع فى صناديق المقامات لم يقتصر على مقام سيدنا الحسين فحسب، وإنما كان حاضراً أيضاً فى مقام السيدة زينب، الذى وُضع أمامه صندوق حديدى كبير يترك فيه الزائرون ما يجودون به.
«عدلى» عرف طفله طريق «صندوق الحسين»: «مابركزش الفلوس ممكن تروح فين.. المهم إن نيتى أتبرع بيها لله»
من باب المقام الداخلى، خرج الرجل الخمسينى بظهره رافعاً يديه لأعلى كما لو كان يحيى أحداً، بعد أن وضع ما فى يده من نقود فى ذلك الصندوق، وشفتاه لم تتوقفا عن الهمهمة بكلمات وسلامات يلقيها على صاحبة المقام الشريف حتى خرج من الباب الرئيسى للمقام فاستدار وسار معتدلاً: «زيارتى لمقام السيدة زينب أو غيره من المقامات تكون من باب المحبة مش أكتر»، يقولها محمد عبدالراضى، الرجل القنائى الذى جاء إلى القاهرة منذ ما يقارب الشهر من أجل العمل، ليؤكد أنه يعلم أن «الرحال فى ديننا لا تُشد إلا للمسجد الحرام والمسجد النبوى والمسجد الأقصى»، ويقول أيضاً إنه يعلم أن المقام لا ينفع ولا يضر، ولكن زيارته فقط تأتى حباً فى آل بيت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو ما يدفعه إلى التبرع فى صناديق هذه المقامات: «بحط فى الصندوق اللى فيه النصيب، والله أعلم مين بياخده، لأن اللى بيدفع بيدفع لوجه الله تعالى».
وفى جانب آخر من مقام السيدة زينب، كان يجلس الخمسينى علاء عبدالجابر، الذى جاء فى زيارة إلى المقام، إلا أنه لم يكن راضياً عن مشهد التبرع فى صندوق المقام أو غيره من الصناديق فى مقامات آل البيت، ليعبر عن ذلك قائلاً: «مقام زى مقام السيدة زينب ده، مفروض يبقى من أعظم المقامات فى العالم، لكنه للأسف مابيتنضفش كويس ولا بيغيروا السجاد ولا بيعملوا حمامات نضيفة للناس، والله أعلم التبرعات دى بتروح فين».
فى الجامع الأزهر، كان يجلس السبعينى مصطفى روبى، الذى جاء من منطقة الدويقة، «الواحد فى حاجة زى دى مابيقدرش يتأخر، وبحط فى الصندوق وأنا خارج من المسجد على قدر استطاعتى». وفى ركن آخر من أركان المسجد، جلس عزت حافظ، فى بداية عقده السادس، يستريح من جولة فى القاهرة انتهت به إلى الجامع الأزهر، قبل أن يعود ثانية إلى أثينا، التى جاء منها قبل أيام فى إجازة عمل، وبعد زيارة أهله فى مسقط رأسه أسيوط، جاء إلى القاهرة استعداداً للرحيل، ورغم أنه خارج البلاد منذ نحو 30 عاماً، إلا أنه ما زال يعى جيداً تقاليد قريته فى التبرع لبيوت الله، حسب قوله: «فى الأرياف عادة الناس بتكون شايفة إن أهم أنواع التبرع ممكن تكون فى الجامع، خاصة لو عايز يعمل صدقة جارية أو حاجة من النوع ده، وبيكون المسجد هو الباب الأول بالنسبة له».