«الوطن» مع يحيى نجم فى مقرات «السحل والتعذيب»
أمام قصر الاتحادية وقف يحيى نجم، الدبلوماسى السابق بـ«الخارجية» المصرية، يحكى لـ«الوطن» تفاصيل ما حدث له يوم 5 ديسمبر من العام الماضى، والمعروف باسم «أحداث الاتحادية»، على أيدى أعضاء تنظيم الإخوان، الذين أشبعوه ضرباً وسحلوه ثم عذبوه لمدة 17 ساعة كاملة بباب رقم «4»، أو ما عرف فيما بعد باسم «سلخانة الإخوان» ومكان احتجاز رهائن وأسرى المعركة الدامية.
نظر يحيى نجم نحو فضاء شارع الميرغنى، وقال: «استقلت من منصبى الدبلوماسى بالسفارة المصرية فى فنزويلا عام 2005، احتجاجاً على ممارسات نظام مبارك، فتم سحب جواز السفر الدبلوماسى والعادى منى، وظللت مطارداً هناك لمدة 7 سنوات حتى قامت ثورة يناير، واستطعت بعدها العودة لمصر، ثم تظاهرت ضد المجلس العسكرى حتى سقط، وكانت الأمور على ما يرام حتى أصدر الرئيس المعزول محمد مرسى إعلاناً دستورياً مفاجئاً، ونصب نفسه إلهاً وزعيماً، غضبت جداً وقررت التظاهر مع الثوار لإسقاط الإعلان الدستورى المستبد».
بثقة كاملة يكمل الرجل حديثه بصوت مرتفع: «فى يوم الثلاثاء الموافق 4 ديسمبر 2012 حضرت إلى هنا ضمن آلاف المتظاهرين لرفض الإعلان، وعدت إلى بيتى فى حلمية الزيتون فى الليلة نفسها، تاركاً خلفى عدداً قليلاً من المتظاهرين فى مجموعة من الخيام عند سور القصر، معلنين اعتصامهم بالاتحادية، لكن مع عصر اليوم التالى صدر قرار مكتب الإرشاد بإعلان النفير العام والذهاب إلى قصر الاتحادية لحماية مرسى، بسرعة حضر الإخوان وأبعدوا المعتصمين عن المكان، واعتدوا عليهم وأغلقوا جميع الطرق المؤدية إلى القصر الرئاسى».
يشير الدبلوماسى السابق بيده نحو شارع يجاور مسجد عمر بن عبدالعزيز قائلاً: «عدت إلى قصر الاتحادية ودخلت مع الإخوان فى مناقشة ساخنة عندما اعترضت على الأسلوب الذى تعاملوا به مع المتظاهرين السلميين، ومع سيارات الإسعاف التى كانوا يفتشونها، وقالوا لى: مالكش دعوة إحنا نعمل اللى عاوزينه، ثم منعونى من دخول المكان فذهبت إلى شارع الخليفة المأمون وتقاطع الميرغنى ووقفت فى صفوف الثوار. بدأت الاشتباكات بين الإخوان والثوار بتبادُل قذف الحجارة فى معركة غير متكافئة العدد حيث بلغ عدد الإخوان حوالى 5 آلاف فرد مقابل ألف متظاهر معارض».
ينظر «نجم» نحو شارع الميرغنى ثم يقول: «أطلق الإخوان قنابل الغاز المسيل للدموع ولست أدرى كيف أتوا به! ثم سمعت صوت إطلاق الخرطوش، وفوجئت بإصابتى بعد أن سالت الدماء من جبهتى، وتوجهت إلى طبيب ميدانى فقال إن الإصابة بالخرطوش سطحية، حينذاك أيقنت أن العملية مش هزار، وأن الإخوان معاهم أسلحة، وأمام عددهم الكبير تراجعنا للخلف حتى منشية البكرى». يصمت مصاب حادث «الاتحادية» قليلاً ثم يكمل: «فى تمام التاسعة والنصف توجهت مجدداً إلى شارع الميرغنى واحتميت فى حاجز حديدى لمتابعة الأوضاع عن قرب، حتى هاجمنا عدد من الإخوان من الخلف، وأسقطونى على الأرض ثم انهالوا علىّ بالضرب بالأحذية والأيدى والأرجل، بل كانوا يقفزون فوق صدرى وبطنى عدة مرات بغرض كسر الأضلع».
يشير يحيى نجم إلى بوابة نادى هليوبوليس ويحكى: «فى هذا المكان تشهدت على روحى مرتين، بعد أن أيقنت أن الموت قد اقترب، وبالأخص عندما رش أعضاء التنظيم مبيداً حشرياً فى أعيننا لإغمائنا، ثم انتزعوا كل متعلقاتنا الشخصية، وسحبونا على الأرض لمسافة 150 متراً فى مدة استغرقت 10 دقائق، عملوا علينا حفلة ضرب كانوا بيقفوا عشان التانيين يضربونا، وطبعاً كنت انهرت تماماً»، هكذا يتحدث مصاب «الاتحادية».
يسير «نجم» ببطء نحو باب «4» بقصر الاتحادية المحاط بقطع أسمنتية كبيرة من الجانبين وبجوارها مدرعات الجيش المتأهبة لصد أى مظاهرة لجماعة الإخوان، يقترب الرجل من القصر ويصمت للحظات ثم يقول فى حزن: «جرجرونى إلى هنا قدام البوابة أو كما نسميها سلخانة الإخوان، وقيدونى بطريقة احترافية يبدو أنهم كانوا مدربين عليها جيداً، كنا حوالى 50 فرداً من مختلف الفئات العمرية، وإحنا المجموعة التانية فى التعذيب، أما المجموعة الأولى فكان بها مينا فيليب، كانوا محظوظين عنا بكثير لأن الإخوان احتجزوهم لمدة ساعة واحدة فقط ثم سلموهم للشرطة، أما مجموعتنا فاستمرت فى السلخانة لمدة 17 ساعة، ذقنا فيها عذاباً أليماً وتعرضنا للضرب والسباب والشتائم والاتهامات بالعمالة والخيانة، واتهمونى تحديداً بالجاسوسية عندما قرأوا وظيفتى بالبطاقة الشخصية، وكانوا ينادوننى بالجاسوس، دماؤنا كانت تنزف وبعضنا كان مصاباً بجروح قطعية فى الجسم والرأس بسبب استخدامهم سلاحاً أبيض وخرطوشاً، واكتشفت لاحقاً أن هناك 7 أضلع من ضلوعى قد كسرت». ينخفض صوت الدبلوماسى السابق ويدير ظهره للقصر ويكمل حزيناً: «كتَّر خيرهم جابوا لنا دكتور إخوانى يكشف علينا كان معاه مطهر بس، ورفض يعالج جرح فى رأسى وقال: مش هعالجك لأن المرشد منبّه علينا إننا ما نعالجكش إنت بالذات وتعجبت لقوله، بعدها بفترة حضرت طبيبة إخوانية أخرى، تعجبت من تصرفاتها جداً فكانت تسبنا وتتهمنا بالعمالة عندما كانت تعالج بعض الجرحى بل كانت تضربهم بكل قسوة ولم تراعِ إصاباتهم». يتنهد الرجل وينظر فى الفراغ، ويقول: «تركونا فى الهواء الطلق وجراحنا تنزف وسط طقس شديد البرودة دون غطاء حتى عصر اليوم التالى حتى سلمونا للشرطة وحملونا فى سيارة مساجين ووصلنا إلى قسم مصر الجديدة، عاملنا ضباط القسم بلطف لكن طبقاً للوائح احتجزونا فى سجن القسم حتى 11 مساءً، ثم نقلونا إلى النيابة العامة للتحقيق معنا، خارج محكمة مصر الجديدة، وقعت اشتباكات بين الأهالى وبين الشرطة بعد مطالبتهم بالإفراج عن متهمى الدفعة الأولى، أصابتنا قنابل الغاز المسيل للدموع داخل غرفة الحجز الضيقة ببدروم المحكمة وأُصبنا بالاختناق، ثم حقق وكيل النيابة معنا، وقصصنا عليه ما حدث، لكن ضغوطاً مورست عليه لحبسنا، بعد أن علمنا أن النيابة كانت تنوى الإفراج عنا».
«الإخوان» من «فيرمونت» إلى «القصر»: عهد.. فخيانة .. وقتل
الحسينى أبوضيف.. «شموع الذكرى» تكشف «الإخوان القاتلين»
«كرانشى».. الحياة أصبحت على «كرسى متحرك»
النائب «الخصوصى» والمستشار خاطر.. الحق ينتصر
كواليس «الإعلان الدستورى».. «الرئاسة» آخر من يعلم
آلة «التحريض الإخوانية»: أنصار «مرسى» يمثلون «الشعب الحقيقى».. والمتظاهرون «بلطجية»
الرئيس «مسجون».. وبقية المتهمين هاربون من «العدالة»
عنف الإخوان ضد المرأة.. تكميم وضرب وتحرش