جيران منزل «حكر السكاكينى» المنهار: عايشين فى علبة سردين.. واشتكينا كتير ومحدش رد.. وننتظر الموت
أسرة تجلس أمام عقارها الذى تآكلت جدرانه
حوائط أكلتها الرطوبة والأملاح، ومبانٍ تتمايل على بعضها البعض، ينقسم كل عقار من الداخل إلى غرف منفصلة، كل واحدة تسكنها أسرة كاملة، يستأجرونها لعدم قدرتهم على استئجار شقة كاملة.
تجمعهم حمامات مشتركة فى بداية كل مبنى، تبرز الشقوق من كل غرفة رغم محاولات السكان الدائمة تغطيتها بوسائط مختلفة، أملاً فى إخفائها.. هكذا بدت منطقة حكر السكاكينى، بالشرابية، التى شهدت سقوط منزل أمس الأول، راح ضحيته 4 من المواطنين جميعهم من أسرة واحدة، بينهم عروس تُدعى نعمة إبراهيم، 18 عاماً، كانت تعمل خادمة مع والدتها حتى تستطيع دفع الأقساط الشهرية للأجهزة الخاصة بزواجها منتصف الشهر المقبل، لكنها لفظت أنفاسها الأخيرة بجانب والدتها واثنين من أخواتها تحت أنقاض العقار المنهار.
تروى نجلاء إبراهيم، 36 عاماً، شاهد عيان على ما حدث: «فى السابعة صباح أمس الأول، استيقظت على صوت أحد الجيران بالدور الأرضى بالمبنى رقم 5 بشارع عثمان حجازى، المتفرع من محمد رزق، دقائق قليلة وهرول الجميع للمساعدة فى رفع الأنقاض وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من السكان المضارين».
وبدا الغضب على فوزية أحمد حزناً على وفاة جارتها التى عاشت معها أكثر من 25 عاماً: «الساعة 10 الصبح الحماية المدنية وصلت، وماكنتش متوقعة تكون نهايتها كدا»، ولم تتوقف عن التعبير عن الغضب من طبيعة المكان الذى تعيش فيه والذى لا تستطيع أن تغيره: «هنروح فين واحنا مالناش مكان غير هنا؟ الكل جه وشاف ومحدش اتكلم، وحقنا هيروح وهنفضل فى الشارع». لا يملك الأهالى حلاً آخر سوى البقاء فى منازلهم المعرّضة للانهيار، خاصة بعد ترددهم على الحى، دون أى استجابة، على حد تعبيرهم.
«عمر»: الأوضة هتقع وأنا خايف على عيالى.. و«أشرف»: تعبنا ومش عارفين نروح لمين.. وحياتنا هتنتهى فى البيوت دى
على عتبة غرفتها التى تقع فى حارة ناصر، المتفرعة من شارع محمد رزق، جلست أم ماجد، 55 عاماً، بجلبابها الأسود، تتذكر هى وجيرانها ذلك المنزل الذى سقط، تقول: «إحنا عايشين هنا بقالنا سنين، من ساعة ما جينا والكل بيستغلنا، أصحاب البيوت ييجوا ياخدوا الإيجار وكل شوية يرفعوا الأجرة، ويقولوا اللى مش عاجبه يمشى، واحنا علشان مالناش مكان تانى بنسكت ونرضى»، مشيرة إلى أنها تخشى أن يكون مصيرها كأقرانها ممن فقدوا حياتهم: «فين المسئولين والحكومة، بيطلعوا يقولوا هنعمل، واحنا بقالنا سنين هنا ومحدش سأل فينا».
وتؤكد «أم ماجد» أنه لا يمر شهر عليهم إلا ويحدث تصدُّع فى أحد المنازل، ويقومون بترميمه، خوفاً من أن يحدث مثل ما حدث لجيرانهم.
على بُعد أمتار قليلة من المنزل المنهار وقف عمر محمد، 33 عاماً، يتحدث مع أحد أقاربه بصوت مرتفع: «الأوضة هتقع خلاص، وأنا خايف على عيالى»، مشيراً بيده إلى أحد التصدعات التى يخفيها خلف دولابه، حتى لا يفزع أبناؤه الصغار الذين لا تتجاوز أعمارهم الثانية عشرة: «مش حرام أطفال زى كدا تنام فى رعب، ذنبهم ايه؟»، موضحاً أنه قام أكثر من مرة بالذهاب إلى الحى وجاء الرد عليه: «هنبقى نشوف حل».
«أنا مابعرفش أنام من الخوف على عيالى».. تقولها زوجة «عمر»، التى طلبت عدم نشر اسمها، مضيفة أنها منذ انهيار منزل أحد جيرانهم منذ 9 شهور مضت، لا تستطيع النوم، خاصة بعد ظهور تصدعات جديدة فى غرفتها، بسبب المنزل المنهار: «بفضل صاحية ومخلية عيالى نايمين جنبى، علشان لو حصلت حاجة أعرف آخدهم وأجرى»، مشيرة إلى أن ابنها سألها: «ماما، هو احنا هنموت زى الناس دى كدا؟»، فصمتت ولم ترد.
وبالقرب من المبنى رقم 8 بحارة ناصر، جلست مارينا ناجح، 18 سنة، تتذكر ما حدث يوم انهيار منزلهم وإقامتهم عند أحد الأقارب، قائلة: «الناس دى كلها دلوقت هتعمل زينا، ومش هيلاقوا مكان يقعدوا فيه، وكلها كام ساعة ومحدش هيسأل عننا». وتروى أحداث ذلك اليوم الذى حدث به الانهيار: «كانت الساعة 6 الصبح واحنا نايمين، البيت اتقسم نصين، كل الناس طلعت تجرى، ونزلنا بسرعة، وبعدها جه ناس من الحى وقالولنا فيه حد مات؟ ولما عرفوا إن مفيش حد مات، هدوا البيت ومشيوا ومحدش حتى خد أسماءنا».
«إحنا عايشين فى علبة سردين».. هكذا وصف أشرف صبحى، 37 عاماً، المنطقة التى يسكنون بها، ملوحاً بيده ناحية السقف الذى قسمته الشقوق نصفين: «أنا حاسس إننا عايشين آخر أيامنا، إحنا تعبنا ومش عارفين نروح لمين»، موضحاً أنه ليس أمامهم سوى الرضا بالأمر الواقع، وعدم التفكير فى ما حدث لغيرهم، ليُنهى حديثه بكلمات غاضبة: «إحنا عرفنا إن حياتنا هتنتهى فى البيوت دى».