«عم سمير» صاحب أقدم محل عطارة فى مصر القديمة: «اقدر أجيب للزبون طلبه من أى درج.. وانا مغمض»
كانت المركبات المذهبة «التختروان» والخيالة تسير بتؤدة بالقرب من قصر عابدين الذى فُرشت أرضيته بالرمال.. وعُلقت الزينات فى كل مكان. بعد قليل انطلقت الأبواق العسكرية بصوت عال ليعلم سكان القاهرة بداية تدشين عصر جديد، بعد إعلان الملك فؤاد الأول ملكاً على مصر.. لكنهم شهدوا أيضاً ظهور أقدم محل عطارة فى القاهرة بعد ذلك وهو «عطارة الحكمة».. مشهد يحب دوماً عم سمير زكى أن يذكّر به زبائنه، فهم لا يشترون أعشاباً طبية فقط ولكنهم يشترون أيضاً تاريخاً يعود إلى أواخر القرن التاسع عشر. ديكور محل العطارة، الذى لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار فى باب اللوق، يظهر قِدَمُه فى الأدراج الكثيرة التى تغطى جدرانه، والتى يحفظ عم سمير محتويات كل منها عن ظهر قلب.. «أستطيع وأنا مغمض عينى أن آتى للزبون بما طلبه من أى درج»، يقولها عم سمير، 60 عاماً، بفخر. مصباح أبيض كبير رُسم عليه بحروف ملونة حمراء.. «الله محبة.. الله نور السموات والأرض»، بجانبه لوحة كبيرة كُتب عليها بخط عربى أصيل: «إذا دعتك قدرتك إلى ظلم الناس فتذكر قدرة الناس عليك».. كلمات اختارها عم سمير لتصافح عين الزائر.. «مش ربنا واحد! يبقى مفيش فرق بين مسلم ومسيحى»، صمت يعقبه إعلان من جانب عم سمير القبطى بأن التدين لدى المصريين لم يعد كما كان قديماً، فالمسلمون كانوا يحفظون توقيت أعياد جيرانهم المسيحيين وأحياناً يشاركونهم صنع الأطعمة الخاصة بتلك الأعياد: «كانت جارة أمى المسلمة ترسل ابنها دوماً لنا بطبق الطعمية الشهير فى الجمعة العظيمة، كما كانت العائلات تجتمع فى بيتنا المسيحى لتستمع لتلاوة القرآن من أشهر شيوخ المنطقة آنذاك.. اختفت قيم التسامح وسيطرت المادة على تعاملاتنا». وعلى الرغم من حب عم سمير لمهنته، فإنه يراها فى طريقها للانقراض، فكبار المهنة فى السوق المصرية يتوفى منهم الواحد تلو الآخر ومعهم تموت أسرار المهنة.. «اللى موجود الآن أشخاص كل ما يهمهم المكسب فقط».. قصبة من بخور عود الخشب النادر يحضرها عم سمير من أحد الأدراج قائلاً: «ما زالت عائلتنا تحتفظ بها بالرغم من الأسعار الخيالية التى عُرضت علينا، فما يهمنا القيمة وليس الثروة».