فنانون يروون ذكرياتهم: سجل ملىء بالبطولات والتضحيات
أحمد بدير
ترتيبات منظمة محسوبة بعقارب الساعة، أبطال يتأهبون للخروج من أجل الله والوطن، تاركين ذويهم وأحباءهم وما يملكونه ولو كان حلماً صغيراً وراء ظهورهم، دفاعاً عن قضية أسمى من كل شىء، الفنانون كبقية طوائف المجتمع، كانوا فى الصفوف الأمامية عندما انطلقت ساعة الصفر، إيذاناً ببدء معركة التحرير والكرامة، فمنهم من فاضت روحه وآخرون سالت دماؤهم ومنهم من فقد صديق عمره، أهل الفن لم يكتفوا بالذود عن مقدساتهم بالدم فحسب، بل قدم العديد منهم الأغنيات والمواويل والمال لشحذ طاقات الجنود وحثهم على الثأر ممن اغتصب أرضهم.
أحمد بدير ومحمود الجندى كانا من الفنانين الذين شاركوا فى حرب أكتوبر، بالإضافة إلى الفنان لطفى لبيب الذى التحق بالتجنيد بالقوات المسلحة عام 1970 بإدارة الشئون المعنوية فى الجيش الثالث الميدانى، علاوة على أحمد فؤاد سليم ومحمود قابيل، وعدد آخر من الفنانين توفاهم الله منهم الفنانون حسن العدل، وسامى عبدالحليم وعبدالله حفنى ومصطفى الدمرداش وأحمد عبدالوارث ومحمود عبدالغفار والمخرج عاطف الطيب والمؤلف محسن زايد، وغيرهم من الكتاب والمؤلفين.
وقال الفنان أحمد فؤاد سليم لـ«الوطن»: «أتذكر جيداً صديقى سيد راشد الذى تم استدعاؤه قبل بدء الحرب بأيام، رغم أنه قضى فترة الخدمة العسكرية، وكنت أنا مسئولاً حينها عن غرفة عمليات، وحضر سيد إلى الجيش ووجد أن التدريبات مختلفة، وكان لدينا شعور بأن الحرب على الأبواب، فطلب أن ينقل زوجته من الإسكندرية إلى شبين كوم مع أهلها ويعود مرة أخرى، وبالفعل جاء فى اليوم التالى وهو صباح 6 أكتوبر، وأعطوا له جهاز تشويش لكى يشوش على طيران العدو، وذهب إلى الضفة واستشهد، ومن عجائب القدر أنه لم ينجب قبل رحيله، وبعد فترة جاء شقيق زوجته ليخبره بأنها كانت حامل ليتفاجأ بنبأ استشهاده، وكانت لحظة تراجيدية صعبة»، وتابع: «لم يتسلل الخوف إلى قلبى أبداً أثناء المعركة، رغم أننا كنا معرضين للخطر والموت فى أى لحظة».
«بدير»: فقدت صديق عمرى وأوصلت وصيته لأهله.. «الجندى»: كنت أحد رجال القوات الجوية ولم أصدق انتصار قواتنا فى بادئ الأمر.. «فؤاد»: الخوف لم يتسلل إلى قلبى أبداً.. «المرشدى»: غامرت بحياتى لتقديم العون لمصابى العمليات الحربية
وقال الفنان أحمد بدير: بإرادة الجيش المصرى استطعنا أن نعبر فى 6 أكتوبر ونحقق انتصاراً ومعجزة عسكرية بكل المستويات، فمع صيحات «الله أكبر» أعدنا أرضنا مرة أخرى، وأضاف لـ«الوطن»: «استشهد أحد زملائى وحملت وصيته وأرسلتها إلى أهله، وهى ألا يأخذ أحد منهم عزاءه إلا بعد تحرير مصر من الأعداء، وكانت هذه من أكثر اللحظات حزناً وألماً فى حياتى وهو فراق صديق عمرى».
ومن جانبه، قال الفنان محمود الجندى: «الحرب كانت بالنسبة لى حلماً وتحقق، فقد أعادت لنا الحياة مرة أخرى، فبعدما تخرجت فى معهد السينما، كان لدىّ حلم بأن أكون فناناً كبيراً، ولكن وقتها قامت الحرب ودخلت الجيش»، وأضاف: «فقدت الكثير من أصدقائى أثناء الحرب أتذكرهم جيداً، فقد كنت مسئولاً فى القوات الجوية وقتها، وكنا نخرج فى سرب من الطائرات كمجموعة من الأصدقاء، ونعود فى كل مرة فاقدين شخصاً مقرباً، وأثناء المعركة لم أصدق أننا انتصرنا، فكنت وقتها فى مطار فايد، والعدو كاد يقترب من طريق مصر السويس، ولكنى تيقنت من عبور قواتنا وانتصارنا».
الفنانة سهير المرشدى لها ذكريات مع معركة العبور، حكت عنها قائلة: «كنت أعيش فرحة الوطن وفرحتى كمواطنة مصرية، ولكن بداخلى وشم على صدرى وجرح غائر، وهو استشهاد صلاح المرشدى، فأنا «شقيقة الشهيد» وهذا اختيار الله، وأنا خادمة لكل شهيد أو جريح بذل دماءه من أجل الوطن، أما أنا فقد غامرت بحياتى أثناء الزيارات التى كنا نجريها لزيارة المصابين وتقديم العون لهم فى المستشفيات الميدانية». بعيداً عن حكايات الفنانين الذين شاركوا فى الحرب، فهناك الكثير من الفنانات اللائى دعمن الجيش المصرى معنوياً، منهن الفنانة نادية لطفى التى كانت دوماً تذهب إلى الجبهة وتخاطر بحياتها لرفع معنويات الجنود، بالإضافة إلى تطوعها ضمن طاقم التمريض، كما تبرعت الفنانة شادية بإيرادات معظم أفلامها لدعم تسليح الجيش، الفنانة العظيمة أم كلثوم وتحية كاريوكا وعزيزة حلمى وإسماعيل يس، من أبرز الذين حولوا عائدات حفلاتهم الفنية وإيرادات أعمالهم، إلى خزينة المجهود الحربى أثناء حرب أكتوبر.