وثقتها أرواحهم قبل القلم.. "أكتوبر" بعيون مثقفين عشقوا جبهة الحرب
نصر أكتوبر
"القلم يجرح غالبا أكثر من السيف" هذه الحكمة المتدوالة لم تكفِ أبطال القلم فبحثوا عن السلاح وقت الحرب، فكما للقلم وقت آمنت مصر أن للسلاح أيضا وقت "فما أخذ بالقوة لا بد وأن يسترد بالقوة"، ترك المثقفون أقلامهم والتحقوا كل بسلاحه في الجيش المصري فحققنا نصر أكتوبر المجيد وخرجوا لنا يسردون تجاربهم من أرض المعركة.
"لم نمر بحدث عظيم مثل هذا منذ سنوات طويلة، فهذا الحدث الأكبر الذي نعيش عليه منذ سنوات" يقول الكاتب والروائي يوسف القعيد الكاتب الروائي في حديثه وذكرياته عن حرب السادس من أكتوبر 1973، مستثنيا ثورة 30 يونيو و25 يناير.
كان القعيد مجندا بمستشفى غمرة العسكري في أثناء حرب أكتوبر، يقول في حديثه لـ"الوطن": "لست بطلا ولا أحب الكلمات الرنانة أنا شاركت مجندا بوحدة في القاهرة، كانت جثامين الشهداء تأتي إلينا ومصابي الحرب ينقلون للوحدة، كنا نقوم بواجبنا".
ويؤكد القعيد في حديثه لـ"الوطن" أنه شارك تجربته في حرب أكتوبر من خلال ثلاث روايات ولعله أبرز روايته "الحرب في بر مصر" خلال حديثه، حيث تتحدث الرواية الحاصلة على المرتبة الرابعة ضمن قائمة أفضل 100 رواية عربية عن المجند ابن الخفير الذي ذهب إلى الحرب باسم ابن العمدة قريته حيث استخرجت له أوراق إثبات جديدة ولما استشهد أخذ العمدة عزاءه والثناء والتمجيد لبطولة ابنه المزعوم، ورفض تسليم الجثمان إلى والده الحقيقي.
"القعيد" وثقت تجربتي في "أكتوبر" من خلال رواية "الحب في بر مصر"
ويقول القعيد، إن هذه التجربة خاضها شخصيا في وقت تجنيده، ورغم مرور الوقت لا تزال ذكريات الحرب والنصر محتفظة بنفس البريق في الذاكرة، موضحا الفرق بين التأريخ والكتابة الأدبية للأحداث التاريخية، فالتأريخ لا يرصد إلا الوقائع أما الأدب فيحتفظ بجوهر الحدث خالقنا شخصيات حوله.
ويوضح أن الكثير من الروايات وقصائد الشعر والمسرحيات تناولت حرب أكتوبر، لكن هذه الجهود لم تبرز ولم يلقَ عليها الضوء كما ينبغي، ويشير إلى أنه على الجانب الآخر نجد نحو 11 أو 13 عملا سينمائيا عن الحرب وهو عدد قليل جدا نظرا لضخامة الحدث فـ"الحرب العالمية الثانية حتى الآن ينتجون عنها أفلاما".
أما عن احتفالات أكتوبر يقول القعيد إنها تحتفظ بالطابع الرسمي، متمنيا أن تأخذ الطابع الشعبي وتحظى باهتمام الجهات المدنية فنحن ندين بالعرفان للشهداء والأبطال، هؤلاء هم الأبطال الحقيقيون الذين يجب ذكرهم وتكريمهم والاهتمام بذويهم.
"من ذاق عرف ومن لم يذق لم يعرف فمن جرب الأمر يستطيع أن يشعر بهذه التجربة"، يقول الشاعر أحمد سويلم، الذي خاض حرب أكتوبر كضابط احتياط بسلاح الوقود في الإسماعيلية، وكان على الجبهة منذ اليوم الثاني بمجرد استدعاء كتبيته من القاهرة، حيث كانوا في المستودع الميداني "غزبة النخل".
"سويلم": القدرة على الحوار كانت أهم مميزات عبدالمنعم رياض.. ولن أنسى موقف نجاتي من الشهادة
ويقول سويلم في حديثه لـ"الوطن" إنه خدم في القوات المسلحة كضابط احتياط من 68 وحتى 74 معاصرا حربي الاستنزاف وأكتوبر، ويتابع في هذه الفترة كان هناك عدد كبير من المؤهلات العليا مجندين في الجيش "وأتذكر حديث الفريق عبد المنعم رياض حين جلس في منطقة التجنيد وتحدث معنا قال منتظر منكم أن تغيروا التركيبة الاجتماعية للقوات المسلحة" وكان العقل هو السائد في الأحاديث دائما.
ويتابع سويلم، كان يسمح لنا بالحوار والدليل على نجاح هذه الاستراتيجية أن فكرة اختراع المواسير التي اخترها اللواء باقي زي كانت نتجة للحوار الذي وصل من ضابط صغير إلى القيادات العليا، ويشير إلى تجربة أخرى لأحد خريجي كلية العلوم الذي اخترع جهازا بما متاح عنده لتقطير المياه للضباط لتحويل المياه المالحة لعذبة.
"كنا مستعدين 100%" هكذا عبر عن حال كتيبته، حيث كان مسؤولا عن كتيبة الوقود بالإسماعيلية، حيث كان هناك 3 مستودعات وقود بالسويس وبورسعيد وإسماعيليلة وتم إبلاغهم بالتحرك من القاهرة بمجرد نشوب الحرب وبالفعل ذهبوا في الحال بمجرد تأمين العبور للسيارات.
"الرصاصة مكتوب عليها اسمك" كان رده على أخطر المواقف التي مر بها، فهم كانوا معرضين بشكل دائم للغارات وفي ذات مرة كانت هناك واحدة قريبة وسقطت على مخزن الذخيرة في وقت عبرنا داخل العربة أنا والسائق خلال الحرب فخرجنا من العربة فورا وطرحنا أرضا أنا والسائق، ونحن على استعداد للشهادة، لكنا نجونا.
أما بعد الحرب ترك سلاحه ومسك قلمه، ويقول: "عملت نوعين من الكتاب المذكرات النثرية والنوع الآخر الكتابة الشعرية والذي انقسم لنوعين الأول كان حماسي بسبب انفعالات الحرب وتأثيرها عليّ كشاعر وهذا النوع نشر في المجلات والجرائد بالتزامن مع النصر ولم أجمعه في ديوان، أما الثاني فكان أكثر نضوجا واكتمالا حيث بدأت أستوعب التجربة، وهناك فرق بين الكتابتين الأولى انفعالية حماسية اقتضتها الظروف والأخرى كانت إشارية في مضامين القصائد بعد استيعاب التجربة".