«الوطن» فى مسقط رأس «عشماوى» بمدينة نصر: من هنا خرج «الإرهابى»
الهدوء يحيط بالمنزل الذى خرج منه «عشماوى»
الهدوء يخيم على المكان، لدرجة تبدو معها المنطقة للوهلة الأولى، كأنها مهجورة إلا مع خروج أحدهم بعد فترة طويلة من الانتظار، هنا فى شارع يحمل اسم أبيه «على العشماوى»، وُلد وعاش الإرهابى هشام العشماوى بالمنطقة التاسعة بالحى العاشر بمدينة نصر، داخل عمارة مهجورة، أكل الصدأ أبوابها، كانت شاهدة على كثير من ذكرياته، حيث كان وأسرته من أوائل سكان تلك المنطقة، ليحمل الشارع بعدها اسم أبيه، الذى كان يُعرف بطيبته وحسن خلقه، وفقاً لـ«أبووحيد»، 37 عاماً، وأحد البوابين القدامى بالمنطقة، مؤكداً أن أهل بيت الإرهابى كانوا يرتدون النقاب جميعاً، فضلاً عن عدم اختلاطهم بجيرانهم، كما أن الإرهابى كان يندر وجوده بالمنطقة، إلا فى أوقات الصلاة بزاوية مسجد المغفرة، الذى خصصه والده لأهالى المنطقة، حسبما ذكر «أبووحيد»، مضيفاً: «كان بيصلى ويمشى، وأوقات يقعد فى الزاوية».
«أبووحيد»: «أهله كانوا يرتدون النقاب جميعاً ولا يختلطون بأحد».. و«ربيع»: كان يناقش طلاباً أجانب ويتحدث معهم كثيراً.. ومسجد المغفرة كان بلا خطيب تابع للأوقاف
«هشام» كان يسكن الطابق الثانى، فى مسكن مكون من ثلاثة طوابق يطل على مدرسة «نجيب محفوظ» التى قضى فترة تعليمه الأساسى بين جدرانها، حيث كان يهوى لعب كرة القدم، وكان مشجّعاً أهلاوياً متعصّباً، يتذكر ربيع على، المسئول عن المسجد، الذى يسكن بالعمارة المقابلة لمنزل الإرهابى، منذ ما يقرب من 20 عاماً، أن هشام نزل الشارع وقت فوز منتخب مصر ببطولة أفريقيا عام 2008، وعاش معهم لحظة الفوز.
فى مساحة لا تتعدّى المائة وخمسين متراً، تستقر زاوية بسيطة لم تصبها رفاهية مساجد مدينة نصر، بلا مكيفات، وميضأة للوضوء لا تضم سوى مكتبة صغيرة، ذات باب حديدى مثل أبواب المخازن أسفل العمارات، كانت تلك الزاوية شاهدة على كثير من الأحداث، أهمها مكوث «العشماوى» داخلها من صلاة الفجر وحتى شروق الشمس، وفقاً لـ«ربيع»، لخوضه نقاشات مع مجموعة من الطلاب الأجانب، والحديث معهم بكثرة وأوقات كانت تتطول من الفجر حتى شروق الشمس، خاصة أن المسجد كان بلا خطيب تابع للأوقاف، وكان «التكفيرى» دائماً ما يؤمّهم، فضلاً عن كون المسجد قبلة الطلاب الأجانب الذين أتوا من بلدانهم للدراسة.
وبنبرة حزن، يقول «شعبان محمد»، الرجل الأربعينى، وأحد الجيران، إن وفاة والد «الإرهابى» كانت بمثابة نقطة تحول فى حياته، فلم يكن حاضراً وقت دفنه بسبب ظروف عمله، وعندما ظهر من جديد كان متشدّداً، وكأنه شخص آخر، كان دائماً ما يغلق المسجد، ويمكث بالساعات بداخله هو وطلاب ليسوا مصريين، ولا أحد يدرى ماذا يفعلون بالداخل.
الزاوية لم تكن شاهدة على اجتماعات الإرهابى فقط، حسبما قال «شعبان»، لكنها كانت شاهدة على حادثة الاستغلال الجنسى للأطفال، حيث تستر فاعل تلك الجريمة وراء حائط تحفيظ القرآن، لكن الأمور ساءت عندما قام أحد الأطفال بالشكوى لوالده مما يفعله الشيخ «ياسر السعودى» معه، وقتها توجّهت الشرطة إلى الزاوية للقبض على محفظ القرآن، والغريب أن «عشماوى» هو الذى ساعدهم فى القبض على المتهم، الذى لم يكن موجوداً وقت حضور الشرطة، الأمر الذى دفع «هشام» للاتصال به وطلب حضوره، وفقاً للأهالى.
«حمدى حسن»، أحد الجيران، يقول إنه تفاجأ حين سمع أن «هشام» لم يعد ضابطاً، وذات يوم خرج هو وأسرته ومعهم حقائبهم، وما هى إلا دقائق حتى حضرت الشرطة حينها، لكنه كان قد اختفى، فقامت قوات الأمن بتشميع المنزل، ولم يستطع أحد السؤال عما حدث، فى اليوم التالى حضر أهل الإرهابى وأخذوا العفش: «كانت آخر مرة شُفناهم، ومن ساعتها البيت مقفول».
لم يكن «حمدى» يعلم أن هروب «هشام» سيكون سبباً فى توتر دائم يعيشونه فى المنطقة: «كل ما تحصل حاجة، الحكومة كانت تيجى، وتقلب الدنيا»، حياة صعبة عاشها أهالى المنطقة خلال الفترة الماضية، خاصة عند اغتيال النائب العام، عندما أكّدت التحريات أن مدبّر الحادث، هو الإرهابى هشام عشماوى، وأكدت أن طريقة تنفيذ العملية، تشبه محاولة اغتيال اللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية السابق، فى سبتمبر 2013، حسب «حمدى».