«فهمى»: أقترح استبدال معاشات الوزراء بمكافأة نهاية خدمة
«فهمى» فى حوار لـ«الوطن»
قال الدكتور خالد فهمى، وزير البيئة السابق، إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يتعامل مع الوزراء بأدب جم و«حسم باتر كالسيف»، ويكون لديه خلال الاجتماعات علم بتفاصيل كل الموضوعات من قبل أن تُعرض عليه من الوزراء، مؤكداً أنه لا يتكلم فى «العموميات» أبداً، بل يناقشهم فى «أدق التفاصيل»، وأضاف «فهمى» فى حوار لـ«الوطن» أن حياة الوزير شاقة ومليئة بالضغوط النفسية والعملية.. مع ضرورة «التضحية» بالعلاقات الاجتماعية لعدم وجود «وقت فراغ»، مشيراً إلى أن الوزير فى مصر هو من يعرض المشكلة ويناقشها ويتابعها ويصحح القرار فنياً بعد «تجريف» كوادر النظام الإدارى للدولة.. وإلى نص الحوار:
توليتم منصب وزير البيئة لمدة 4 أعوام.. إلى أين اتجهت بعدما تركت «المنصب الوزارى»؟
- كنت أستاذاً فى معهد التخطيط القومى، واستشارياً لعدة مشروعات دولية، وذلك قبل أن أكون وزيراً، لأعود أستاذاً فى «المعهد»، ثم أمضيت «فترة الحظر القانونية» عقب مغادرة منصبى الوزارى، لأعود حالياً لأعمل مستشاراً للأمم المتحدة فى مهام خاصة بها، وهذه هى حياتى المهنية الطبيعية.
وزير البيئة السابق: الرئيس يتعامل مع أعضاء الحكومة بأدب جم و«حسم»
وتميزت السنوات السبع الأخيرة بقصر فترات تولى الوزراء لمهام مناصبهم، لفترات تتراوح بين 6 أشهر وعام ونصف، إلا أننى أشرف أننى ظللت وزيراً للبيئة طوال الفترة الأولى لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، ومن ثم فإنه من السهل أن أقيّم نفسى فى إطار عملى كوزير ضمن حكومتى المهندس إبراهيم محلب، والمهندس شريف إسماعيل، السابقتين، وأعتقد أن هذه الفترة جزء من «الذاكرة المؤسسية» لوزارة البيئة.
وكيف تقيّم حياة «الوزراء» فى مصر؟
- هى حياة شاقة لا شك، وهى تكليف؛ فأنت لا تقدم الـ«سى فى» الخاص بك للالتحاق بالمنصب، ولكنك تُكلف بمهمة معينة فى أوقات حرجة البلد يمر بها، ونواجه تحديات عضالاً، وبالتالى هى عملية شاقة وصعبة مليئة بضغوط العمل، والضغوط النفسية، والتضحية بالعلاقات الاجتماعية لعدم وجود وقت فراغ، وعليك كرجل دولة مسئول أن تتصرف بشكل معين لأنك لا تمثل نفسك ولكن حكومة مصر، وكانت الوزارة فترة مميزة جداً من حياتى، واستفدت منها للغاية عملياً، وأرجو أن أكون قد نجحت فى تحقيق شىء لبلدى.
«السيسى» قال لى: «عايز الوزير يبقى عارف تفاصيل شغله.. ولو عنده مناقصة يعرف هى رسيت على الشركة دى ليه».. والنظام الإدارى جُرف من الكفاءات
ولماذا مهمة الوزراء «شاقة» فى مصر؟
- لأنهم يواجهون مشاكل متراكمة، والبلاد فى مرحلة انتقالية، وتحت ضغوط داخلية وخارجية كبيرة جداً، وهناك سباق مع الزمن؛ فأنت لا تعرف الزمن الخاص بك؛ وأنت تريد أن تعمل بأداء معين لحل مشاكل معينة؛ ففى التخطيط يكون هناك مجال زمنى لحل كل مشكلة، وأنت كوزير لا تعلم الفترة التى ستظل بها فى منصب الوزير، وبالتالى تكون تحت ضغط «عايز أخلص بسرعة» رغم أن المشاكل قد تأخذ سنوات لحلها، مثل المشاكل البيئية.
الوزير فى مصر هو من يعرض المشكلة ويناقشها ويتابعها ويصحح القرار فنياً.. ويعانى من مشاكل روتينية ومؤسسية
تتحدث عن الوزير كأنه يفعل كل شىء.. ألم يكن لك معاونون يساعدونك فى تنفيذ قراراتك؟
- الانطباع السائد هو أن الوزير يوجه ثم يعرض عليه التكليف جاهزاً ثم «يُؤشر» عليه، وهو ما لم أره فى مدتى كوزير؛ فأنت من تعرض المشكلة، وتولد زخماً لها، وتستمع للآراء، ثم تخرج بتوجيهات، ثم يأتى لك القرار لتراجعه وتصححه فنياً، لتتخذ القرار، أو تعرضه على رئيس الوزراء، ثم تتابع هذا القرار، وذلك بعد «تجريف» النظام الإدارى للدولة من كفاءاته.
ولكن ما وظيفة المعاونين والقيادات فى الوزارات إذن؟!
- المشكلة ليست فى الأشخاص كما قد يتصور البعض، ولكن المشكلة فى النظام الإدارى؛ فهناك تراجع كبير فى أداء الجهاز الإدارى للدولة، وهو الوسيلة الأساسية للعمل؛ فنحن لم نهتم بالاستثمار فى البشر لفترة طويلة، والقدرات والإمكانيات ليست الموجودة من 10 أو 15 سنة؛ فأنت مواجه كوزير بمشاكل مؤسسية، مثل عدد البشر والتوزيع المتكافئ للتخصصات؛ فالإداريون أكثر عدداً من الفنيين، وهى مشكلة؛ فالكوادر الفنية فى مصر تم «تجريف» جزء كبير جداً منها طوال السنوات الماضية؛ فلم توجد خطط تدريبية أو استثمار فى العنصر البشرى، أو سياسات تُساعد على الاستثمار فى البشر.
حياة الوزير شاقة ومليئة بالضغوط النفسية والعملية.. مع ضرورة «التضحية» بالعلاقات الاجتماعية لعدم وجود «وقت فراغ»
وكيف يتعامل الرئيس عبدالفتاح السيسى مع الوزراء فى مصر من واقع تجربتك؟
- الرئيس يتعامل بأدب جم مع الوزراء، وحسم باتر مثل السيف؛ فلا يأخذ قرارات أو توجيهات غامضة، كلها تكون واضحة، ولديه علم بتفاصيل الموضوعات من قبل أن تعرض عليه من الوزراء، ويناقشك فى أدق التفاصيل؛ فالرئيس لا يتكلم فى العموميات، ولكن فى التفاصيل، وهذا أول طلب له فى اجتماعه مع حكومة المهندس إبراهيم محلب فى أول اجتماع لها، وقال: «عايز الوزير يبقى عارف تفاصيل شغله، ولو عنده مناقصة يبقى عارف هى رسيت على الشركة دى ليه».
وكيف يكون العرض على الرئيس من قبل الوزراء؟
- الرئيس السيسى «بيسمع كويس قوى»، ولا يكون لديه حكم مسبق، ولكنه يستمع إليك وللآخرين، كل فيما يخصه ثم يأخذ قرارات، ويتابعها عبر أجهزة الدولة، وفى بعض الأحيان يتابعها بنفسه، وأنا رأيت ذلك بعينى فى بداية تكليفى كوزير.
أنت كوزير لا تعلم الفترة التى ستظل خلالها فى المنصب وبالتالى تكون تحت ضغط «عايز أخلص كل المشاكل بسرعة»
وما الذى حدث وقتها؟
- أتذكر أن الرئيس لأول مرة يخص وزير البيئة بملف تلوث نهر النيل، وكان بجوارى الدكتور حسام المغازى وزير الموارد المائية والرى، ونظرت إليه، ليقول الرئيس إن «وزير البيئة مكلف بهذا الملف»، ثم أتى المهندس «محلب» بمجموعة عمل من الوزارات لنعمل معاً، وثانى يوم وجدت الرئيس السيسى يتصل ويقول لى: «عملت إيه فى اللى قلت عليه امبارح؟»، لأقول إن الوضع فى الحصر المبدئى كذا، وسننجز كذا، ثم أجرينا جولة تفتيشية، وكانت هناك تغطية من قناة تليفزيونية، لأجد اتصالاً من الرئيس يقول فيه: «موفق يا دكتور خالد»؛ فالمتابعة كانت موجودة سواء من الرئيس أو رئيس مجلس الوزراء، وقد أنشأنا إدارة عامة للمتابعة، خصوصاً لمتابعة تكليفات الرئيس ورئيس الوزراء والتكليفات الوزارية.
وما تقييمك لفترة عمل الحكومتين اللتين عملت فيهما وزيراً للبيئة فى عهد الرئيس السيسى؟
- حكومتا إبراهيم محلب وشريف إسماعيل كانتا حكومتى «القرارات الصعبة» لتثبيت دعائم الدولة المصرية بشكل صحيح ؛ فقبل تقلد الرئيس السيسى لمنصبه، انظر للتحديات، والشارع، والحالة الراهنة للمجتمع؛ وهو أمر لم يتم بسهولة، بل تم بـ«قرارات صعبة».
زاملت الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء وزير الإسكان لفترة طويلة فى الحكومة.. كيف تراه؟
- لى الشرف أنى عملت معه لفترة طويلة قبل ثورة 25 يناير، عبر مشروع لـ«اللامركزية»، وكان يهمنا وقتها أن نعرف دور المحليات، كما عملنا معاً فى حكومة «محلب»، والحقيقة أن «مدبولى» على درجة عالية جداً من الخلق، ومجتهد جداً بمعنى أن «الشغل كل حياته»، وملتزم جداً، ومتابع جيد جداً، وكان يعرف ملفاته «كويس جداً» فى وزارة الإسكان.
وما رأيك فى زيادة أجور ومعاشات الوزراء؟
- الوزراء فى مصر يحتاجون بلا شك لتحسين أجورهم، ومكافآتهم المالية ومستحقاتهم شأنهم شأن أى موظف فى الدولة، ولكن الإتاحة المالية للدولة قد لا تسمح، كما أن تطبيق المعاشات والأجور ليس بأثر رجعى، وستجد أناساً يقولون لك: «اشمعنى أنا»، كما أن صياغة القانون لم تكن واضحة، وستجد لديك قرارات كثيرة بمناصب بأنهم يعاملون مالياً معاملة الوزراء، وستجد مجموعة لم تكن تستهدفها تحاول الدخول فى نطاق القانون، وكنت من الناس الذين وافقوا على القانون بشأن زيادة الأجور والمعاشات، ووافقت كذلك على تعديله، ولكن لدىّ اقتراح.
وما هذا الاقتراح؟
- الوزراء يجب أن يعاملوا بطريقة أخرى غير «المعاش»؛ ونحن كوزراء كنا نعمل فى القطاع الخاص أو القطاع الحكومى أو الجامعات؛ وحين كنا نعمل فى جهات دولية بعقود، كان العقد يتضمن وجود «مكافأة نهاية الخدمة»، وتنتهى العلاقة على ذلك؛ فالمعاش يتطلب أن أكون أعمل لديك، ودفعت تأمينات ومعاشات؛ فلماذا لا أستبدل بمعاش الوزراء مكافأة «نهاية الخدمة».
«فهمى» فى حوار لـ«الوطن»