سيدة «القرن» تلضم الخرز عقوداً لتربى أبناءها وأحفادها
«هانم» تواصل عملها رغم ضعف جسدها
ترتدى جلباباً رجالياً وقبّعة تحميها من أشعة الشمس، تنهمك فى «لضم» الإبرة بالخيط، المهمة التى تقوم بها على مدار 18 عاماً، وتصعب عليها بمرور الزمن وتعاقب السنين، لكن اليأس لا يعرف لقلبها سبيلاً.
هانم إبراهيم، حالها يختلف كثيراً عن اسمها، فحكايتها مليئة بالمآسى، يعرفها جيرانها من الباعة بالقرب من كوبرى النفق بإمبابة، ويعتبرونها أما لهم.
«بشتغل علشان أساعد ابنى اللى عنده جلطة، والتانى اللى لسه مش عارف يتجوز، وبنتى اللى عايشة معايا بولادها الـ3»، مسئولية ملقاة على كاهل «هانم» تتصدى لها بها بالجنيهات القليلة التى تجنيها من بيع الملابس القديمة والحلى البدائية التى تصنعها، وتبيعها بـ10 جنيهات للقطعة.
يسألها أحد الزبائن عن عمرها مازحاً، فترد بصوت خافت: «عندى 100»، السنين التى لا تتناسب مع المهمة اليومية التى تقوم بها، حيث تترك بيتها فى الجيزة باكراً، وتتوجه إلى فرشتها المعتادة بمنطقة إمبابة، منذ أن توفى زوجها الذى كان يعمل موظفاً فى شركة خاصة، ويحميها من الجلوس فى الشارع: «كان شغال فى شركة اسمها...»، تصمت قليلاً فى محاولة لتذكر الاسم، ثم تتجاوز الأمر وتقول: «والله ما فاكرة اسم الشركة.. بس أنا ماليش معاش، وعايزة عيالى يعيشوا مستورين لحد ما أموت».
شعورها دائماً بالمسئولية، واقتصار أحلامها على المحيطين بها، جعلها تتعجب من دعوة أحد الباعة لها لأداء فريضة الحج: «أروح أحج واسيب العيال لمين؟»، تقولها وتحاول مجدداً «لضم» الإبرة والخيط بمساعدة أحد المعارف، لعمل «عُقد» جديد: «بلضمها بالعافية. معلش بقى الزمن مابيسيبش حد فى حاله».
يلتف شباب المنطقة حولها، ويحرصون على السؤال عنها ومساعدتها، خاصة «محسن»، الذى لا ينسى جميلها عليه عندما أعطته بعض بضاعتها بثمن أقل كثيراً مما تستحقه: «ربنا يكرمها»، أما جارتها «زينب» فتعتبرها أمها: «ست جدعة بتشتغل لآخر نفس».