نعمة الكهنوت
الأب هاني باخوم
فى لقاء قداسة البابا فرنسيس بكهنة إيبارشية فالنسيا فى 21 سبتمبر 2018، أكد قداسته على ثلاث كلمات: صلاة، طاعة للدعوة، حرية فى المسيح.
كلمات البابا تشجع الكهنة وتحفّز وتذكر من جديد ماهيّة الكهنوت. رغبة البابا تذكرنا بكلمات القديس بولس، متوجهاً إلى تلميذه طيموتاوس، الذى يدعوه أيضاً ابنى الحبيب: «أُنبهك على أن تذكّى هبة الله التى فيك بوضع يدى» (2 طيم 1: 6).
نفس النّعمة التى تلقاها إرميا النّبى، لكن بسبب الاضطهادات وصعوبة رسالته، يقرر ألا يذكر تلك النّعمة من بعد، وألا يتحدث باسم الرّبّ ثانية (ار 20: 9). إرميا فى صراع وتجربة كبيرة؛ يريد أن يترك رسالته ويعود إلى حياته السّابقة، حياة عادية كأى إنسان آخر بلا صعوبات، وهل من إنسان يحيا على الأرض بلا صعوبات أو مشاكل؟ فى التّجربة، يعتقد الإنسان أنّه المتألّم الوحيد على الأرض، فيظنّ أنّه إذا غيّر حالته ووضعه، وترك الرّسالة مثلاً، وعاد إلى الحياة العادية سوف يتخلص من آلامه. فالحلّ إذاً فى التّغيير، وفى أن يحصل على ما ليس لديه الآن، فيتخلّص من آلامه؛ هذا ما يحاول المجرب إقناعنا به وقت الأزمة، حين تبدأ شعلة تلك النّعمة بالخمود، يُظهر لنا شعلات أخرى وهمية قابلة للاشتعال. إرميا يدخل فى الصّراع، لكنّه لا يسقط، لأنّه يشعر بدعوة الرّبّ فى قلبه «كنارٍ مُحرقة حُبست فى عظامى، فأجهدنى احتمالها ولم أقوَ على ذلك» (ار 20: 9) يقول النبى. دعوة الرّبّ وإعلان اسمه، هى نعمة. والنّعمة ليست شيئاً نظرياً أو فكرياً. فى اللّغة العربية، كلمة «نعمة» تعنى الشّىء الذى يُعطى لشخص ما، ليس من المفروض أن يُعطى له، أو بالأحرى هو لا يستحقه. لكن بالرّغم من عدم استحقاقه لهذا الشّىء، المُنعِم ينعم عليه به. هذا المعنى رائع لكلمة «نعمة». مفهوم «النّعمة» يتخطى أيضاً ما سبق، فالنّعمة فى اللاهوت، أى «النّعمة الإلهية» لا تعنى فقط شيئاً مادياً أو ملموساً، لكنها حياة، مبدأ للحياة، مشاركة فى حياة الله ذاتها، قوة تدفع وتحقق ما تطلبه.
تلك هى النّعمة حسب المفهوم اللاهوتى، ومنها نفهم نعمة الكهنوت؛ فالرّبّ يختار أشخاصاً لا بفضل أعمالهم واستحقاقاتهم، بل كما يقول بولس «بفضل سابق تدبيره». يختارهم ويمنحهم تلك النّعمة، التى هى للأبد. حتّى إن ترك الكاهن رسالته، فتلك النّعمة لا تزول عنه.
أن يكون الكهنوت نعمة، هو خبر مفرح لمن بدأت تنطفئ فيه تلك الشّعلة. فليسمع صوت بولس الرّسول الذى يقول: «أُنبهك على أن تذكّى هبة الله التى فيك بوضع يدى» (2 طيم 1: 6).