«الوطن» ترصد رحلة البحث عن كيس دم: «معاناة.. ونزيف أموال»
هنا يجلس الباحثون عن «أكياس الدم» بمستشفى المنيرة العام
وقف مهندس الكهرباء، عماد لبيب، بين مجموعة من أصدقائه داخل بنك الدم، التابع لمستشفى قصر العينى، وعلى وجهه تسيطر حالة من التوتر والقلق، تدل على شدة احتياجه لأكياس الدم، التى استعان بأصدقائه للتبرع بها، وإنقاذ زوجته، التى دخلت قسم الولادة الحرجة بالمستشفى، وهى فى حالة خطرة قبل يومين.
«لبيب»: زوجتى تحتاج 19 كيساً وأدفع 283 جنيهاً عن كل متبرع.. و«سعيد»: الصفائح بـ2400 جنيه والكيس بـ500 وضيق الوقت يجبرنى على الشراء.. و«أحمد»: لجأت إلى «فيس بوك» لجمع 85 كيساً.. ورئيس بنك دم: نفتقد ثقافة التبرع
«الوطن» التقت «لبيب»، خلال جولة على عدد من بنوك الدم فى محافظتى القاهرة والجيزة، لرصد معاناة المرضى وذويهم أثناء رحلة البحث عن متبرعين بين المستشفيات ودوائر الأهل والأصدقاء ومواقع التواصل الاجتماعى، وقال «بيطلبوا هنا دم كتير أوى»، مبدياً تعجبه من الموقف الذى يتعرض له للمرة الأولى فى حياته، حيث نصحه الطبيب المتابع لحالة زوجته بنقلها إلى قصر العينى.
وأضاف «منذ دخلت زوجتى المستشفى، ولم يتوقفوا عن طلب أكياس الدم، كانت المرة الأولى عندما تلقيت اتصالاً هاتفياً فى الثانية بعد منتصف الليل، يوم دخولها القصر، ليخبرونى أنهم فى حاجة إلى كيس دم، لتبدأ رحلتى فى البحث عنه، فذهبت إلى المستشفى الفرنساوى ووجدت ثمنه 350 جنيهاً، وبعدها ذهبت لبنك الدم الإقليمى واشتريته بـ175 جنيهاً».
«كمية كبيرة من أكياس الدم» طلبها المستشفى قبل أن تجرى زوجته العملية الجراحية، وصلت إلى 19 كيساً، اشترى منها 15 كيساً، وأحضر متبرعين للتبرع بالأربعة الأخرى، وقت إجراء العملية، ليكون الدم «فريش»، كما قال له الطبيب المعالج.
وأبدى «لبيب» استنكاره للسياسة المتبعة مع التبرع، موضحاً «سأدفع مع كل كيس دم نتبرع به، 240 جنيهاً، بخلاف 43 أخرى وقت العملية، ولا أفهم كيف نتبرع نحن بالدم وفى الوقت ذاته أدفع ثمنه؟».
وفى حال عدم رغبة أهل المريض فى دفع المبلغ المحدد، يُطلب منهم «مقابل كل كيس دم كيسين آخرين» وفقاً للزوج، الذى علق قائلاً «يعنى عشان أستخدم 4 أكياس، أجيب 12 واحد يتبرعوا».
تختلف أسباب التبرع فى بنك الدم بمستشفى قصر العينى من حالة إلى أخرى، فبين الوافدين للتبرع، جلس الشاب الثلاثينى صالح عطا، إلى جوار شقيقته فى الاستراحة المخصصة للمرضى وذويهم، وفى يديه بعض الأوراق يملأها كمرحلة سابقة للتبرع، الذى لم يكن فى حاجة إليه من الأساس، موضحاً «أنا لا أتبرع لأننا نحتاج الدم لمريضنا، لكنهم طلبوا منا ذلك الإجراء قبل حجز والدى فى قسم الباطنة».
طلب المستشفى من «صالح» بالتبرع كان مفاجئاً له، خاصة أن والده لا يحتاج ذلك «لكنه الروتين»، مبرراً الأمر بقوله «ربما يطلب المستشفى الدم، لأنه يقدم الخدمات العلاجية لمرضاه بالمجان، خاصة أن التبرع لم يكن مشروطاً بفصيلة معينة، طالبين كيساً واحداً من أى فصيلة، يا نتبرع به يا نشتريه».
فى ربوع القاهرة الكبرى، تنتشر بنوك الدم، ومن بينها البنك التابع للشركة القابضة للمستحضرات الحيوية واللقاحات «فاكسيرا»، الذى جلس فى استراحته الباحثون عن متبرعين أو أكياس يشترونها، ومن بينهم الرجل الخمسينى سعيد نصار، الذى جاء بزوجته من مركز منيا القمح، التابع لمحافظة الشرقية، لإجراء عملية جراحية لاستئصال الطحال بمستشفى سيد جلال.
فوجئ «نصار» بالمستشفى يطلبون منه أكياس الدم، بالإضافة إلى صفائح دموية ستحتاجها زوجته يوم إجراء العملية، فجاء إلى «فاكسيرا» لشرائها، إلا أنه صُدم بالأسعار، التى بدت مرتفعة بالنسبة له «الصفائح بـ2400 جنيه، وكيس الدم بـ500 جنيه».
لم يكن هناك مفر من الشراء، فزوجته ستجرى العملية فى صبيحة اليوم التالى، ولن يتمكن من جمع متبرعين لضيق الوقت، ورغم اضطراره للشراء لم يجد ما يطلبه متوفراً، وطلب منه المسئولون فى بنك الدم أن يحضر فى الغد، فتمتم قائلاً «على الله آجى بكرة ألاقيها عشان مفيش وقت».
أمام بنك الدم بمستشفى المنيرة العام، بمنطقة السيدة زينب، وقفت «أم بلال»، وهى سيدة أربعينية جاءت من مركز العياط بالجيزة، تحمل طفلها بلال عادل، الذى أحضرته أكثر من مرة لإجراء عملية استئصال لوزتين. وعلى الرغم من انتهائها من جميع الإجراءات المطلوبة، إلا أن المستشفى اشترط التبرع بكيس دم، قبل الجراحة، كإجراء روتينى، وهو ما لم تتمكن منه، قائلة «حاولت أتبرع قالوا لى عندك أنيميا، وزوجى مريض فى البيت لا يستطيع التبرع، وأنا واقفة من الصبح أمام المستشفى وليس بيدى أى شىء».
لا تملك «أم بلال» 150 جنيهاً ثمن كيس الدم فى مستشفى المنيرة، كما أنها لا تعرف أحداً يتبرع لها به، لبعد محل سكنها عن المستشفى، ما جعلها تنتظر أمام بنك الدم لعلها تلتقى الطبيب المسئول عن نجلها، عله يجد لها حلاً، خاصة أنه من المفترض أن يخضع طفلها للجراحة فى اليوم التالى»، مؤكدة «لن أترك المستشفى قبل مقابلة الطبيب، قالوا لى يمكن يعطينا إعفاء من كيس الدم».
تنتقل عملية البحث عن متبرعين من أمام بنوك الدم فى المستشفيات إلى مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة عندما تكون الكمية المطلوبة كبيرة، مثل حالة أحمد أشرف، 24 عاماً، الذى كان فى حاجة إلى 85 كيساً، لإجراء عملية فصل بلازما فى مستشفى «الناريمان» بالإسكندرية.
ولم تفلح عملية حشد الأقارب والمعارف فى توفير الكمية، فاضطر أصدقاؤه إلى اللجوء لرواد موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك». وقال أحمد «الخير لسه موجود فى الناس، والحمد لله جمعت العدد المطلوب فى أقل من يومين، وناقص عدد بسيط، وأجريت الجلسة الأولى من 5 جلسات أمس».
ومن جانبه شدد الدكتور خالد عبدالحميد، رئيس قسم بنك الدم بمستشفى المنيرة العام، على ضرورة رفع الوعى لدى المواطنين وتنمية ثقافة التبرع بالدم بينهم، خاصة أن التبرع بالدم يكون فى صالح المتبرع قبل المريض، حيث يمكن للفرد أن يتبرع 3 مرات فى العام، مرة كل 4 أشهر.
وقال إن أسعار أكياس الدم فى وزارة الصحة موحدة، فسعر الكيس 150 جنيهاً، والأسعار المرتفعة تكون فى القطاع الخاص، حيث يصل إلى 600 جنيه فى بعض الأحيان، مضيفاً «القطاع الخاص لازم يكسب، إنما نحن فى الحكومة ندعم الكيس بالكثير».
وأضاف أن إجراء العمليات الجراحية فى المستشفيات العامة، يكون مجانياً أو بأجور رمزية مقابل التبرع بكيس دم، مشيراً إلى أن غالبية المرضى لا يتفهمون ذلك.
أحمد
عماد