"انسحاب" و"عدم نوم".. ذكريات مقاتلي معركة العلمين بلسان ذويهم
معركة العلمين
78 عامًا مرت على المعركة الكبرى، وما زال يتذكرها الأحياء ممن شاركوا فيها، ويحتفظ أبناء من مات منهم بذكريات آبائهم، التي سطروها على رمال الصحراء الغربية، وينقلونها للأحفاد الذين يتوارثون الحكايات والروايات ويستعيدونها بكل فخرٍ مع استعراض كل نشانٍ أو تكريمٍ ناله أجدادهم.
"جدي الحسن عبد الرحمن بابكر المشهور كان جندي في قوات دفاع السودان إبان فترة الاحتلال الانجليزي للسودان" بداياتٌ يرويها السوداني غسان جعفر لـ"الوطن" أدت لمشاركة جده في معركة العلمين، ضمن قوات الدفاع السوداني، التي انقسمت بين قوات الحلفاء لمواجهة قوات المحور.
بابكر تدرج في الجيش حتى وصل إلى رتبة "بقجاويش" وهي الرتبة قبل رتبة صول أو مساعد في سلم ترقيات ضباط الصف وبعد استقلال السودان صارت تسمي رتبة الرقيب أول، بينما شارك في الحرب ومعركة العلمين برتبة "أومباشي سرية"، حسبما يروي حفيده.
بابكر.. جندي اختلف مع قائده بسبب معاملته للرتب الأقل
ذكريات عديدة حكاها بابكر لأبنائه وأحفاده، ويحتفظ بها جعفر، حيث يتذكر حديث جده أنهم فور وصولهم إلى مصر تم دمج الجنود العرب القادمين من المستعمرات البريطانية في قوة واحدة أو تشكيل عسكري واحد، وكان شاويش السرية التي يندرج تحتها جده من فلسطين يسمي أحمد أبو داؤود، وكانت بينهما خلافات في نظام إدارة السرية والتعامل مع الجنود الأقل رتبة.
رحلة الجد في معركة العلمين يرويها حفيده حسبما يتذكر من روايات جده "بعد تجميع القوات التي جاءت من المستعمرات في شرق الأسكندرية أخضعوا لدورات تدريبية في قراءة الخرائط ومناورات عسكرية لمدة ستة أشهر ثم توجهوا غربا حتى وصلوا إلى الحدود الليبية ثم انسحبوا الى العلمين نتيجة لقوة الهجوم الألماني".
انسحاب بابكر ورفاقه إلى العلمين كان الانسحاب الأخير الذي سبق الهجوم، حيث أخبروهم هناك أنها آخر منطقة للدفاع عن مصر إما أن ينتصروا أو يموتوا وهم يدافعون عن خنادقهم، ليتعرضوا لقصف مدفعي متواصل من الألمان، واجهوه ببسالة منقطعة النظير، لدرجة أنه تسبب في حرمانهم من النوم، حتى أنهم بعد الفوز على الألمان وبدأت مطاردتهم، نام بعض الجنود في الطريق من شدة الإرهاق.
بابكر الذي ظل جنديًا في قوة دفاع السودان حتى حرب فلسطين عام 1948، حكى لأبنائه وأحفاده أن البريطانيين اختاروا منطقة العلمين لتكون نقطة دفاعهم عن مصر لسببين، أولهما بُعدها عن المطارات العسكرية لقوات المحور وبذلك لن تتعرض لقصف جوي بشكل متكرر، والثاني سهولة وصول الإمدادات إليها من مصر عبر البر.
عند بداية النكبة استقال بابكر من الخدمة ليتطوع مع المجاهدين ضد الاحتلال الصهيوني حتى عام 1953 الذي قرر فيه أن يعود لقريته الصغيرة المسماة السقاي في مركز مروى بالولاية الشمالية، ويعمل بالزراعة والتجارة حتى وفاته في 27 نوفمبر عام 1997، تاركًا خلفه مجموعةً من التكريمات والأوسمة والنياشين، التي يحتفظون بها في بيت العائلة الكبير، ومحرمٌ على أفراد العائلة لمسها "تاريخٌ يجب الحفاظ عليه".
محمد عيسى طيفور، جنديٌ سودانيٌ آخر، شارك في معركة العلمين، ضمن سلاح حرس الحدود المصري، حيث ينتمي للشمال السوداني، منطقة النوبة السودانية القريبة من حدود مصر، وهي المنطقة التي كانت تسمى منطقة التكامل بين مصر والسودان في عهد السادات والنميري.
عيسى.. السادات كان قائده في حرب فلسطين فأصبح صديقا شخصيا له
ماجد طيفور، نجل الجندي يحكي لـ"الوطن"، أن والده شارك في كل حروب مصر ضد إسرائيل من حرب 1948 وحتى العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956، ونال عدة نياشين و8 ميداليات أثناء حروبه ضد اليهود في فلسطين، وكان صديقًا شخصيًا للرئيس السادات، الذي كان قائده في حرب 48.
طيفور الذي عاد إلى السودن في عام 1956م والتحق بالعمل بمهنة ضابط تعاون حتى ترقى إلى مفتش تعاون، كان عمله في سلاح الحدود أثناء معركة العلمين على جهاز لاسلكي يرسل الإشارات ويستقبلها، رفقة أحد الجنود المصريين من كتيبته.