«عبدالفتاح».. بالتعليم تحول من عامل نظافة إلى مدير إدارة
عبدالفتاح أصبح مديراً بعد أن كان عاملاً
فى الرابعة والثلاثين من عمره، وطئت قدماه هيئة تعليم الكبار بفيصل بعدما تسلم قراراً بتعيينه كـ«عامل خدمات»، كان «عبدالفتاح يعقوب» يقضى يومه متنقلاً من مكتب لآخر ومعه «فوطة» مبللة يلمع بها أرضيات ومكاتب الهيئة، ورغم مشقة مهنته إلا أنه لم يمل منها لحظة، وفى يوم كان يعمل فيه كعادته سمع من أحد الموظفين عن وجود فرصة للالتحاق بفصول محو الأمية التابعة للهيئة.. هنا قرر «عبدالفتاح» أن يغير مسار حياته ويشق الطريق الذى كان يحلم به، فبعد مرور 7 أشهر حصل على شهادة محو الأمية، والتحق بالمرحلة الإعدادية التى اضطر فيها للحصول على دروس خصوصية ببعض المواد الدراسية لصعوبة المنهج وعدم قدرته على استيعابه بمفرده، وفقاً لكلامه: «كنت باخد دروس مع طلبة أصغر من ولادى بس كانوا كلهم بيحترمونى والمدرسين كانوا مقدرين ظروفى ولما باحتاج منهم معلومة ماحدش كان بيبخل عليا بيها»، ومن بعدها حصل على «دبلوم تجارة» الذى كان نقطة تحول فى مجال عمله، حيث جرت ترقيته لكاتب رابع بالهيئة ليصبح مسئولاً عن إدارة المخازن ورواتب المدرسين بفرع الهيئة بالفيوم، مما دفعه إلى الاستمرار فى مواصلة مسيرته التعليمية: «بعد نحو سنتين قدمت على ثانوى عام منازل لأنى كنت مع كل مرحلة بتخطاها بانجح فى شغلى أكتر، ده غير أنى كنت شايف أن التعليم بينور العقل وبيغير تفكيرى للأفضل».
والده فضل تعليمه «الفِلاحة» على القراءة.. وابنته ساعدته فى تبسيط المناهج
كان «عبدالفتاح» يستغل أوقات راحته بالعمل لمذاكرة دروسه ثم يواصل بعد عودته إلى منزله مع ابنته التى كانت تشرح له المنهج بشكل مبسط رغم صغر سنها، فهى كانت حينها فى المرحلة الإعدادية: «كنا بنكمل بعض، ولو فيه جزء مش فاهمه بخليها تذاكره ليا، وزى ما كنت باشجعها أنها تكون من الأوائل هى كانت بتحفزنى أنى أكمل تعليم»، وبعد نجاحه فى امتحانات الثانوية تمكن من الالتحاق بكلية الخدمة الاجتماعية التى كانت سبباً فى ترقيته إلى أخصائى تنمية إدارية بالهيئة، ورغم ما عاناه طوال فترة دراسته من قلة نوم ومجهود مضاعف، إلا أنه لم يكتفِ بذلك: «قدمت على الدبلومة العامة بكلية الدراسات العليا للتربية وبعد ما أخدتها قدمت على الدبلومة المهنية فى الإدارة المدرسية بقسم الدراسات العليا لأنى كنت حابب أنى أكبر فى مجالى وما أقفش عند نقطة معينة وبعد ما هاخد الدبلومة الخاصة هقدم على الماجستير»، مما دفع الهيئة إلى تكريمه وترقيته إلى مدير إدارة محو الأمية بمركز إطسا بالفيوم.
يروى الرجل الخمسينى، الذى يعول أسرة مكونة من 7 أبناء، الظروف التى أجبرته على عدم الالتحاق بالمدرسة فى طفولته، قائلاً: «والدى اكتفى بتعليمى فلاحة الأرض لأنه كان شايف أن ده مستقبلنا بجانب أنها مصدر دخلنا الوحيد وماكانش مهتم بأننا ندخل مدارس لكن موضوع التعليم ماكانش بيغيب عن بالى، وخصوصاً لما كنت باشوف زمايلى رايحين المدرسة»، لذلك لم يتردد لحظة فى تحقيق حلمه حين أتيحت له الفرصة: «التعليم مافيهوش حرج والرسول قال لنا اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد».
لم تتوقف مسيرة «عبدالفتاح» عند هذا الحد، بحسب كلامه، حيث قام بشراء سبورة صغيرة ووضعها داخل منزله ليعلم عليها جيرانه القراءة والكتابة، فهى أصبحت بالنسبة له واجباً وطنياً، على حد تعبيره: «لما بعرف أن فى بيت فيه سيدة أو رجل أمى بروح له وأقنعه إنه يروح فصل محو الأمية ولما حد بيجى لى الهيئة باخد بإيده زى ما لقيت اللى ياخد بإيدى ويخرجنى من الظلمة للنور».