دماء على أيدى المرضى: اللى أوله «وسواس قهرى».. آخره «جريمة بشعة»
دماء على أيدي المرضى النفسيين
جرائم يشيب لها الولدان انتشرت فى الفترة الأخيرة، شغلت الرأى العام منذ وقوعها، لا لبشاعة تفاصيلها وغموض أحداثها، إنما لاكتشاف أن مرتكبها مريض نفسى، فالأب يقتل أبناءه بدم بارد والزوج يُمثل بجسد زوجته والأخ يلتهم أحشاء أخيه فى غفلة من الزمن، وبدون مقدمات ومؤشرات أولية تنذر أن فى بيوتنا قنابل موقوتة.
هل تفشى المرض النفسى فى المجتمع؟ هل الضغوط الحياتية كفيلة بذهاب العقل وارتكاب أفظع الجرائم؟ هل أقرب الأقربين يمكن أن يصبح فجأة ألد الأعداء بسبب اضطراب نفسى؟ أسئلة عديدة تتبادر على الأذهان بتتبع الجرائم التى وقعت فى الفترة الأخيرة، فلم يتصور أحد أن وراء حادث فيلا مدينة الرحاب الشهير أباً يعانى من اكتئاب عقلى!
الجريمة التى شغلت الرأى العام لفترة طويلة، بمقتل مقاول وزوجته وأبنائه الثلاثة داخل مسكنهم، أثبتت التحريات إقدام الأب «عماد. س» على الانتحار بعد قتلهم جميعاً، حيث كان يعانى من ضائقة مادية، وتراكمت عليه الديون، ما أصابه بخلل عقلى دفعه للتخلص من أسرته، ولم تمض سوى شهور قليلة على الحادث وظهرت على الساحة جريمة أشد إيلاماً، بإقدام أب على قتل طفليه، وإلقائهما داخل ترعة بناحية مدينة فارسكور بدمياط.
محمود أبوالعزايم: ضلالات اضطهادية تصيب البعض وتُشعرهم أن الجميع يتآمر عليهم فيرتكبون الجرائم
حالة التبلد الحسى التى ظهر بها المتهم «محمود نظمى» خلال شريط الفيديو الذى يعترف خلاله بتفاصيل الجريمة، فسرها أطباء نفسيون بأنها ناتجة عن اضطرابات نفسية ذللت له ارتكاب الحادث، بخلاف تعاطيه للمخدرات.
فى مسكنه بمنطقة بولاق الدكرور، قتل نجل الفنان المرسى أبوالعباس زوجته وابنتيه، وتبين أنه مريض نفسى ويتناول علاجاً منذ 6 أشهر، إثر أصابته بخسائر مادية فى البورصة، بحسب التحريات الأمنية، بخلاف قيام مريض نفسى فى قرية الحصايتة، التابعة لمدينة السنبلاوين، بالدقهلية بالاعتداء على والدته بالضرب المبرح وتهشيم رأسها بفأس حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، كما أقدم طالب ثانوى مريض نفسياً على قتل شقيقه الأصغر بآلة حادة، وأكل أجزاء من جسده.
«الضغوط الحياتية تؤثر على الشخصية الهشة، وتكون عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، وقد تدفعها لارتكاب الجرائم والأفعال المشينة»، هكذا يفسر الدكتور محمود أبوالعزايم، مستشار الطب النفسى وعلاج الإدمان، إقدام مرضى نفسيين على ارتكاب جرائم مدوية فى الفترة الأخيرة، موضحاً أن المريض يكون على الأرجح يعانى من ضلالات اضطهادية، ويشعر أن الجيران والأقارب يتآمرون عليه، ويخططون لإيذائه، فيلجأ إلى ارتكاب فعل خاطئ قبل أن يضره أحد، ولكى يتخلص من تلك الأفكار والظنون، وهنا يأتى دور الطب النفسى والمختصين فى المجتمع، بالتقاط الشخصيات الهشة، وإخضاعها لبرامج تساعدها على التحكم فى انفعالاتها، وينصح «أبوالعزايم» كل شخص بزيارة الإخصائى النفسى، للتحدث فى المشاكل الأسرية والاجتماعية، لتخفيف الضغوط والمشكلات التى يعانى منها.
يرى الدكتور كريم درويش، أخصائى الطب النفسى، أن المريض النفسى ليس خطراً مقارنةً بالإنسان الطبيعى، إنما تسليط الأضواء على تلك النوعية من الجرائم وانتشارها على الساحة يأتى لغرابتها عن المعتاد وليس لمعدل انتشارها: «ابن يقتل أمه لأنها لم تعمل له شاى أو مريض يقتل الطبيب لأن العلاج غير فعال».
هناك بعض الاضطرابات والأمراض النفسية قد تدفع الشخص لارتكاب جريمة، بحسب «درويش»، لكن شكل الجريمة يختلف عن جرائم الأشخاص الطبيعيين، فتكون غير منظمة ومخطط لها سلفاً، لأن التفكير نفسه غير منتظم والسلوك والقرار المترتب عليه غير عقلانى، مشيراً إلى أنه يندر أن يتحول شخص سوى إلى مريض نفسى فجأة نتيجة ضغوط حياتية.
كريم درويش: المريض النفسى ليس خطراً.. وجرائمه غير منظمة
على جانب آخر، يفسر الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى بالأكاديمية الطبية، انتشار جرائم المرض النفسى بمعضلة لا يزال يعانى منها المجتمع تتمثل فى وصمة الذهاب للطبيب النفسى، وبالتالى المريض النفسى يكون حراً طليقاً، ويرتكب الجرائم: «زيارة الطبيب النفسى هامة فى حياة كل شخص ولو لمرة واحدة».
يعدد «فرويز» الأمراض النفسية التى قد تنتهى بجريمة، بداية من مريض الفصام التشككى، الذى يعانى من ضلالات، فيقدم هو على إيذاء الآخرين دفاعاً عن نفسه، وقد يكون الفصام مصحوباً بهلاوس بصرية وسمعية تأمره بقتل وإيذاء من حوله، مريض الهوس يقتل أيضاً، ولكن دون تخطيط، فيكون فى حالة هياج شديد ويؤذى الآخرين دون عمد.
مريض الاكتئاب العقلى أو السودوى يعانى من ضلالات أيضاً تدفعه أحياناً لقتل نفسه، أو أحد المقربين، فيشعر مثلاً أن أبناءه ملائكة وبقاءهم فى الدنيا خطر عليهم فيقتلهم، كما أن مريض الصرع تنتابه نوبات قد تؤذى من حوله، وبعد انقضاء النوبة يكون تائهاً ويمكن أن يرتكب أى جريمة دون وعى.