العازف وسط النيران.. "عوّاد فلسطيني" يهزم رصاص الاحتلال
العزف وسط النيران
دوي طلقات رصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي في شرق مخيم "البريج" يتعالى بقوة، كقافته لم ترهب المرابطين الفلسطينين احتجاجا على حصار غزة واحتلال أراضيهم، وحده دخان أسود خلفته نيران تأكل إطارات السيارات حال بين مغتصب وصاحب حق، كر وفر على الحدود المتاخمة لمخيم "البريج"، قطعه هدوء نسبي ولحن آت من بعيد، يظهر من سواد الدخان شاب لا بندقية في يده ولا حجر، فقط "عوده" وألحان غزتها آمال بالعودة إلى أرضه.
"حبيت أوصل رسالة أمل، إننا شعب بنحب الحياة، ولسه الأغاني ممكنة رغم الحرب"، كان الدافع الرئيسي لمشاركة الشاب الفلسطيني وسام شاهين بالعود لمواجهة الاحتلال، السليمة في مقابل البطش والقهر والإرهاب.
في الجمعة الـ 32 لمسيرات العودة، كما يروي العازف لـ"الوطن"، جذبت دقائق من عزفه 10 متظاهرين التفوا حوله، مرددين: "يلا أمشو معانا على فلسطين.. درب الأقصى نادانا متى راجعين"، التي غُنت في إحدى الأناشيد التراثية الفلسطينية، يستمر في ملامسة أوتار عوده بحماس لمدة 4 ساعات متواصلة، صارخا بأغاني وطنية، لا تردعه نيران أو المناوشات المتبادلة، دون خوف من طلقات الاحتلال.
شعور مختلف بالسعادة والتميز، تملك صاحب الـ24 عاما، لتعبيره عن حبه لوطنه بطريقة "خارج الصندوق"، ناجحًا في مهاجمة بطش الاحتلال دون نطق الهتافات المعتادة في الاحتجاجات، معتزمًا على المشاركة في المسيرات الاحتجاجية بـ"سلاحه الجديد".
فكرة العزف على خط النار، خطرت للشباب في أثناء تمرينه المنزلي على أغنية وطنية بالآلة الوترية، قبل ساعات من انطلاق الفعالية الثورية: "قولت لنفسي ليش ما أروح أكمل لعب على العود في المسيرات النضالية، بدل ما أنا بغني لحالي".
العلاقة بين وسام والعود بدأت منذ أسابيع، متأثرًا بالعزف الاحترافي لأحد أصدقائه على الآلة أثناء لقائهما المعتاد، ليقرر شرائها وإتقان اللعب على أوتارها، رغم عدم تعامله مسبقًا مع أدوات موسيقية، للتعبير عن مشاعره وحبه لوطنه.
"المشاركة في الاحتجاجات" عادة الأسبوعية لـ"العازف وسط النيران"، منذ اصطحاب صديقه له في مظاهرة 8 ديسمبر العام الماضي، كاسرًا حظر والدته المفروض عليه بالتواجد في الفعاليات السياسية، خوفا من وقوع ضرر، لتغير وجهة نظرها بعد عودته سالما من المسيرة، معجبة بسرده تفاصيل مساهتمه في الحدث الوطني الذي حرم منه، سامحة له بتكرار التجربة، وبعد أسبوع صدقت مخاوفها، وتحققت نبؤتها بإصابته بقنبلة غار في رأسه، خلال تواجده على الحدود الفاصلة بالقرب من جنود الاحتلال، أدت لإصابته بفقدان الوعي.
6 ساعات قضاها الشاب العشريني بالعناية المركزة، في وضع صحي حرج، نتيجة تفتت أجزاء بالجمجمة، وتسرب نقطتين سائلتين على المخ، أدى لنقل 4 وحدات من الدم، وظل لمدة 3 أشهر يعاني من فقدان القدرة على التوازن وصعوبة الحركة، فضلا عن ضعف الذاكرة، موضحا أن زميلين له بالغرفة نفسها استشهدوا بعد ساعات من إصابتهم برصاص وغازات الجنود الإسرائيلين، ما زاد من إصراره على الثأر لهم، مشاركًا في جميع الاحتجاجات المناهضة لجرائم الاحتلال، رغم إصابته كثيرا باختناقات بسبب الغاز الكثيف.
الإصابة منعت الحاصل على شهادة "التوجيهي"، من الحصول على وظيفة ثابتة، تغنيه عن عدم إكمال تعليمه بسبب الأعباء الاقتصادية على الأب العامل في مجال البناء، متحملًا مصاريف 4 أبناء آخرين، ليختتم المناضل الشاب حديثه، أنه يحلم بعمل كريم وتكوين أسرة سعيدة، والسفر حول العالم للتعرف على ثقافات مختلفة، ونشر قضية بلده بالمناقشة والحوار مع أناس من كل بلدان العالم.