«مذكرات الدفاع»: المشرف على التنظيم الخاص لـ«النهضة» كان ضابطاً بالجيش التونسى أدين فى محاولة «انقلاب 91»
وقفة منددة باغتيال محمد البراهمى
كانت البداية لكشف الجهاز الخاص لحركة «النهضة»، حسب ما رصدته هيئة الدفاع بقضية اغتيال المعارضين التونسيين البارزين شكرى بلعيد ومحمد البراهمى، فى 19 ديسمبر 2013 تقدمت سيدة تدعى ألفة بن «ب»، المقيمة فى ولاية «سوسة» التونسية إلى مركز للأمن الوطنى بأن لديها محلاً كائناً فى منطقة «المروج» يستأجره منها شخص يدعى مصطفى خضر لاستغلاله كمدرسة لتعليم قيادة السيارات. ويتكون هذا العقار من مدرج يؤدى إلى شقة يستغلها المذكور، كما يؤدى إلى سطح شاغر رفض مصطفى خضر بتاريخ 19 ديسمبر من عام 2013 أن يعطى للسيدة مفاتيح الباب الرئيسى للدخول إلى السطح مما دفعها إلى اللجوء إلى الشرطة. عندما اتصلت السيدة بمركز الأمن ولاحظت عدم اهتمامهم بالموضوع ذكرت لهم أنه يخفى ببهو المدرج آلة كبيرة الحجم مثبت بها محرك ميكانيكى يستعملها لإتلاف الوثائق ليلاً، مما دفع الشرطة لاستدعائه فوراً عن طريق هاتفه الجوال.
وبحسب التحقيقات فإن مصطفى بن بلقاسم بن ساسى خضر عمل عام 1984 برتبة ملازم بالجيش الوطنى وأدين فى قضية خلال سنة 1991 عرفت باسم براكة الساحل وحكم عليه بأربع سنوات سجن وخمس سنوات مراقبة إدارية، وهى القضية التى اتهم فيها ضباط بالجيش بالترتيب لانقلاب على الرئيس التونسى الأسبق زين العابدين بن على.
وبحضور «خضر» إلى مركز الأمن وباستفساره عن تلك الآلة بدت عليه ملامح الريبة والخوف محاولاً الخروج من المركز بأى طريقة دون التخلى عن المفاتيح التى تؤدى إلى السطح كما أجرى عدة اتصالات هاتفية بغرض التدخل ومساعدته. ومع جمع مزيد من التحريات عنه ذكر أنه تولى صنع تلك الآلة مع صديق له يدعى عبدالعزيز الدغزنى، لاستغلالها فى مجال تصفية الغازات المحترقة، رافضاً التنقل معهم لمعاينتها أول الأمر، إلا أنه اضطر لاحقاً للموافقة.
غرفة العمليات كانت مبنى استأجره المشرف عليه كمدرسة لتعليم قيادة السيارات.. وصاحبة العقار تقدمت ببلاغ ضده للشرطة
وبدخول مكتبه تمت ملاحظة مجموعة أكياس كبيرة الحجم موجود بداخلها: وثائق مختلفة تهم وزارة الداخلية، ومجموعة آلات إلكترونية مختلفة، وكاميرا حديثة الصنع فى شكل أقلام حبر، وساعة يدوية فى شكل كاميرا حديثة الصنع، وكاميرا فى شكل ميدالية مفاتيح للتسجيل والتصوير، أيضاً آلات نسخ ضوئية، وآلة لقياس الطاقة الكهربائية، وآلة لقراءة شفرات بطاقات مغناطيسية، وعدد 2 حواسب محمولة بها دراسات أمنية وعسكرية مختلفة، وحقيبة يدوية بها عدة وثائق إدارية خاصة ببعض الوزارات، ومجموعة صناديق كرتونية تحتوى على أرشيف لوزارة الداخلية، ورابطة عنق بها جهاز تنصت مثبت بداخلها، وميدالية بها ميكروفون وكاميرا، ومجموعة أقراص مضغوطة بها معلقات لحركة النهضة، وصور شمسية لجنود وأسلحة حربية، وشفرة تليفون خط فودافون، وآلة تصوير صغيرة الحجم، ووثيقة مؤرخة فى 27/04/2013 بها ترشيح أسماء بالإدارة الأمنية.
وعندما تنقل أفراد الشرطة فى منطقة «المروج» إلى مدرسة تعليم القيادة الخاصة بمصطفى خضر قاموا بحجز: 14 كرتونة ممتلئة تحتوى على وثائق سرية تابعة لوزارة الداخلية وكرتونة تحتوى على مزودات حاشدات هواتف جوالة، وبدلة عسكرية، ومجموعة بقايا هواتف معطبة عددها 27، ووحدة مركزية نوع 3.5 ساتا ووحدة مركزية لجهات إعلامية، وصندوق أخضر اللون لذخيرة حية عيار 7.62مم. وكل تلك المعدات والوثائق كانت مسجلة فى محضر الحجز الذى أعدته تلك الفرقة الأمنية بتاريخ 19 ديسمبر 2013.
أما عندما تم تحرير محضر التسليم إلى وزارة الداخلية قبل حتى أن يتم إحالة الملف إلى القضاء، فقد تضمن المحضر تسليم وإرجاع عدد 4 صناديق تحتوى على مجموعة من الوثائق الإدارية تسلمها ممثل عن وزارة الداخلية تابع لمصلحة التوثيق وهو ضابط الشرطة المساعد محمد الزواوى الذى وقع على محضر التسليم. والغريب، بحسب البيانات التى حصلت «الوطن» عليها من فريق الدفاع، أن الحجز تعلق بأربعة عشر صندوقاً والتسليم تعلق بأربعة صناديق فقط، وبالتالى فهناك 10 صناديق اختفت بعد الضبط، وهذا الاختفاء أو السرقة تم أثناء وجود المحتجزات بالوحدة الوطنية للبحث فى جرائم الإرهاب وقبل إحالة الملف إلى المحكمة الابتدائية الأولى فى تونس فى الفترة المتراوحة بين 19/12/2013 تاريخ الحجز والضبط و25/12/2013 تاريخ التسليم ولم يتم إحالة إلا 30 وثيقة إدارية على سبيل النماذج إلى القضاء.
وقبل الحجز وقبل أن تتحرك فرقة الشرطة القضائية فى منطقة «المروجات»، وعندما كان مصطفى خضر لا يزال موجوداً بالمركز وبعد أن قام بجملة من الاتصالات الهاتفية، تنقلت أربع سيارات إدارية تابعة لوزارة الداخلية بتعليمات من المدير العام للمصالح المختصة آنذاك عاطف العمرانى إلى مقر مدرسة القيادة التابعة للمدعو مصطفى خضر، وتمكن سائقو السيارات الإدارية من الدخول إلى الشقة وقاموا بنقل عشرات الأكياس الكبيرة المملوءة بالوثائق إلى مقر وزارة الداخلية دون إذن قضائى.
استمعت الشرطة التونسية إلى مقدمة البلاغ ضد مصطفى خضر، فعندما تمسك رئيس مركز الأمن بالانتقال إلى العقار الموجود فى العنوان المذكور وتمت الإشارة إليه بالانتقال من المركز إلى العقار، وصلت مقدمة البلاغ قبل وصولهم ووجدت فى المكان سيارات إدارية رست أمام المحل تقوم بإخراج العديد من الأكياس الممتلئة التى تجهل ما بداخلها. وفى تاريخ 19/12/2013 تم تصنيف المحجوزات إلى أربعة أصناف، الصنف الأول: متمثل فى جزء من الوثائق وعددها 30 وهى من المعدات التقنية والتسجيلات الصوتية والصور ومحتوى الحواسب تم إيداعها على ذمة القضية بخزينة المحكمة الابتدائية فى تونس، حيث تمكنت هيئة الدفاع من الحصول عليها كاملة. والصنف الثانى وهو بقية الوثائق التى تمت سرقتها قبل وصول فرقة الشرطة القضائية إلى منطقة «المروجات» والتى تم نقلها بسيارات إدارية تابعة لوزارة الداخلية بعد إذن من المدير العام للمصالح المختصة آنذاك عاطف العمرانى. الصنف الثالث: المحجوز الذى تم تسليمه من قبل الوحدة الوطنية فى جرائم الإرهاب والمتمثل فى 4 صناديق تحتوى على مجموعة من الوثائق وقد تسلمها ضابط الشرطة المساعد محمد الزواوى بتاريخ 25/12/2013 قبل إحالة الملف إلى القضاء وتم وضعها بإدارة التوثيق التابعة لوزارة الداخلية دون أن يتمكن القضاء من الاطلاع عليها. والصنف الرابع: يتمثل فى 10 كراتين كبيرة الحجم ممتلئة بالوثائق تمثل الفارق بين ما تم حجزه بتاريخ 19 ديسمبر 2013 من قبل الشرطة فى «المروجات» وما تم تسليمه إلى ضابط الشرطة المساعد محمد الزواوى والذى أعادها إلى إدارة التوثيق بوزارة الداخلية وذلك بتاريخ 25/12/2013. وبحسب فريق الدفاع، مما تقدم يتضح أن الوثائق الإدارية والتقارير السرية الموجودة لدى مصطفى خضر قد تمت سرقتها مرتين الأولى من قبل سيارات إدارية من قبل عاطف العمرانى والثانية من قبل الوحدة الوطنية للبحث فى جرائم الإرهاب والتى كان يرأسها آنذاك محمد الخريجى.