"يوسف" تلميذ الصبح وبائع ترمس بالليل.. قصة كفاح طفل "كبر قبل الآوان"
الطفل يوسف بائع الترمس
يحمل صينية صغيرة داخل كيس، وكمية كبيرة من الترمس، ينطلق بهما يوميا من قرية "كفر أبو ناصر" إلى مدينة دكرنس بالدقهلية، وما أن يصل إلى شارع الكنيسة حتى يجلس ويخرج أدوات عمله، فيضع كميات متساوية من الترمس في أطباق من الفوم ليبيع الطبق بسعر 3 جنيهات، هذا هو حال الطفل "يوسف محمد محمد عبد العزيز"، بالصف الرابع الابتدائي بمدرسة أحمد إبراهيم الابتدائية بقريته.
يجلس يوسف أمام بضاعته، وما أن يشعر بالملل حتى يحملها ويطوف بها على المحلات المنتشرة في الشارع وما أن يدخل على أحدهم في محله حتى يستقبله بابتسامة عريضة، ويشتري منه، حبا في الطفل وأدبه والذي يثني عليه الجميع من ذكائه ولباقته.
"أنا ببيع الترمس، منذ أن كنت في الصف الثاني الابتدائي، أحاول مساعدة أمي وأبي، الذي كان يأتي معي كل يوم، وحاليا يقود توك توك وتركني أبيع الترمس لوحدي" هكذا حكى الطفل يوسف عن عمله قائلا "أنا بذهب لمدرستي كل يوم، وبعد انتهاء اليوم الدراسي أحضر دروس التقوية بالمدرسة، وأعود للبيت تكون أمي قد جهزت لي عدة الشغل من ترمس وأطباق، وأركب سيارة وأذهب إلى دكرنس، وأصل هناك حوالي الساعة 4 عصرا، وأستمر في العمل حتى الساعة 12 أو الواحدة صباحا، وبعدها أعود للبيت للنوم وأعطي كل الإيراد لأمي".
وعن أمنية الصغير يقول يوسف إنه يتمى أن يصبح طبيبا مشهورا حتى يعالج الناس بـ"بلاش" لافتا إلى أنه يذاكر دروسه أولا بأول حتى لا تتراكم عليه ويترك العمل أثناء فترة الامتحانات للتفرغ للمذاكرة.
ظل يوسف في عمله طوال عامين لا يعرف أحد سره، فعمله يبعد عن قريته حوالي 10 كيلو مترات، حتى تصادف وجود أحمد الدسوقي، مدير المدرسة، في شارع الكنيسة، فلفت أحد الموجودين نظر المدير إلى أن هذا الطفل من قريتهم، وما أن رآه يوسف، حتى جرى نحوه وارتمى في أحضانه مرحبا بمدير مدرسته، ليحكي له بعدها كيف يحاول مساعدة أبيه وأمه في الحياة الصعبة وأن يساهم في سداد ديون والده الذي اشتري توك توك ليعمل عليه.
وفي طابور صباح اليوم التالي وقف مدير المدرسة ممسكا الميكرفون ليعلن لتلاميذها كيف أن زميلهم يوسف تلميذ يستحق التكريم والإشادة لمساعدته أبواه، وكيف أنه في نفس الوقت متفوق في دراسته، وسلم له شهادة تقدير، وصفق له جميع تلاميذ ومعلمي المدرسة، وأعلن المدير عن تحمل المدرسة تكاليف دراسة يوسف، وألا يدفع أي مقابل لدروس التقوية، وأنه خصص له مصروف يومي يحصل به ما يشاء مجانا من مقصف المدرسة.
"غصب عننا، المعيشة صعبة، وزي ما أنت شايف حالنا على قدنا، وهو يساعدنا في المعيشة" هكذا تحدثت أم يوسف عن ابنها، قائلة، "أصبحنا نعتمد عليه وهو ابننا الوحيد ويشعر بحالنا، ولولا أن والده لا يجد فرصة عمل وأنا ربة منزل، ولا يوجد لنا أي دخل سوى عمله وعمل والده ما جعلته يخرج من البيت، وجعلته يركز في مذكرته، لكن ربنا عوضه أنه يفهم من المدرسين، ويعود من المدرسة فيعمل واجبه ويذهب بعدها للعمل".