مخرج مغربى يكرم والدته بتجسيد قصة حياتها فى فيلم «لعزيزة»
مشهد من الفيلم المغربى «لعزيزة»
تخطو إلى ذلك المكان الذى خرجت منه مكسورة منذ سنوات، تعود بكامل إرادتها التى تتناقض مع خطواتها الثقيلة الرافضة للعودة، ورغم انهمار الدموع تستجمع قواها وتصعد برفقة ابنها درجات السلم نفسها التى نزلتها قبل سنوات وهو جنين لم يتجاوز الأشهر السبعة فى رحمها، تناول مختلف اختاره المخرج المغربى محسن بصرى فى فيلمه الروائى «لعزيزة» المشارك فى مسابقة «آفاق السينما العربية» ضمن فعاليات الدورة الـ40 من مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، الذى يعد تجربة شخصية جمعته بوالدته التى انفصلت عن والده وهو لا يزال جنيناً، وعند بلوغه سن المدرسة وافقت والدته على طلب والده ذهابه للعيش معه، رغم صعوبة القرار ورفض أشقائها، فمستقبل ابنها لديها فوق أى اعتبارات أخرى.
وتدور أحداث الفيلم فى 79 دقيقة عن «عزيزة»، التى يطاردها شبح طفولتها وحرمانها من التعليم، وفى الوقت نفسه تتولى بمفردها رعاية ابنها «إحسان» بعد علاقة زوجية فاشلة، لكن بعد سنوات تقرر وضع مشاعرها جانباً واتخاذ القرار الصعب بالموافقة على إرسال ابنها الوحيد إلى والده ليتلقى تعليماً أفضل، وبيديها تقوده فى رحلة إلى الرباط لتودعه منزل والده يوم عيد ميلاده، لتسرق اللحظات الأخيرة برفقته.
محسن بصرى: العمل مفاجأة أسعدت أمى.. ورسالتى لها: «أطلقى سراح الفتاة التى بداخلك»
«الدخول فى تفاصيل شخصية وتقديمها فى فيلم أمر يحتاج إلى جرأة، لكنه كان أفضل هدية من الممكن أن أقدمها لوالدتى»، قالها المخرج محسن بصرى عن تقديم تجربة والدته فى ثالث أفلامه الروائية الطويلة «لعزيزة»، موضحاً: «بعد فيلمى الأول لم يكن فى بالى تقديم فيلم عن هذا الموضوع، أو بمعنى أدق لم تكن لدى الجرأة الكافية، الحياة التى عشتها مع أمى بها الكثير من التفاصيل التى يمكن تقديمها فى فيلم، أخذ القرار بمفردى كان صعباً لكن زوجتى شجعتنى، وقالت لى: إذا لم ترغب فى تقديم الحكاية بأكملها على الأقل قدم جزء الرحلة التى خضتها مع والدتك من مدينتها إلى أبيك فى الرباط»، معتبراً أنه من الناحية السينمائية قد يكون الأمر مخاطرة، «ولم أكن متأكداً إذا كنت ما أفعله صحيحاً أم لا، وكان القرار النهائى بتقديم الفيلم العام الماضى عندما مرضت والدتى وشعرت وقتها أن الوقت مناسب، لأنها إذا توفيت سوف أندم على عدم تقديمه، لذلك قررت أن أقدم لها تلك الهدية لتراها فى حياتها، لكنها لم تشاهد الفيلم حتى الآن».
وحكى «بصرى» أن والدته لم تعلم بأمر الفيلم إلا عندما بدأ العمل عليه، وكان ذلك محض صدفة، عندما كان برفقة زوجته خارج البيت وكان ابنه يقرأ السيناريو، وسألته جدته عن أحداث الفيلم ليخبرها أنه يتناول حياتها، وكانت مفاجأة سعيدة بالنسبة لها، «حتى إنها طالبت بتقديم كل التفاصيل»، وفقاً للمخرج، متابعاً: «أثناء وجودهم فى الغابة كانت تصنع له سيفاً ليلعب به، كان المقصود به التعليم الذى سيصبح سلاحه فى الحياة، وفى رجوعهم يصنع السيف المتدلى من يده خطاً فى الرمال بينه وبين والدته؛ ليكون السيف هو سبب الفراق بينهما، وبالتالى لم أستخدم الحوار بصورة كبيرة فى الفيلم، واكتفيت بتقديم الكلام بينهما بطريقة غير مباشرة، وحرصت أن تكون طريقة سرد سينمائية مختلفة ليس ميلودرامية تقدم قصة شخصية لكن من مسافة، والدى لم يظهر فى الفيلم، بالنسبة لى أول خيانة لوالدتى أنى أحببت أبى لأنه كان رجلاً جميلاً على المستوى الإنسانى، الفيلم ليس ضد والدى لكنه لوالدتى».
الدخول فى تفاصيل شخصية يتطلب جرأة.. وقدمت الفيلم بطريقة سرد مختلفة.. وفوجئت بتفاعل الحضور
«رسالتى فى الفيلم لوالدتى أن تطلق سراح الفتاة الصغيرة داخلها»، قالها مخرج فيلم «لعزيزة»، موضحاً أن والدته ظلت تعانى روح الفتاة التى حرمت من التعليم ولا تزال تحمل تلك الطفلة داخلها حتى الآن، «أريد أن أقول لها أنت نجحتِ فى مهمة تعليمى، وحان الوقت أن تطلقى سراح الفتاة التى لا تزال تعذبك، حيث جرح عدم ذهابها للمدرسة لم تتقبله حتى الآن، وفى كل موقف تظهر تلك الفتاة داخلها، فهى فى حاجة إلى تخطيها».
عن اختيار الفنانة فاطمة الزهراء بناصر لتقديم دور «عزيزة»، أوضح المخرج: «هى واحدة من أفضل الممثلات فى المغرب والوطن العربى، والعمل معها كان من أجمل الأشياء التى حدثت لى، فكانت أقرب إلى آلة موسيقية يمكن عزف أى لحن عليها، وللأسف انشغالها بالتصوير حال دون حضورها عرض الفيلم فى المهرجان، هى لم تقرأ السيناريو لكنها جلست مع والدتى دون حضورى، وكان لديها تفاصيل دقيقة حول كل شىء بالرغم أنى أقدم جزءاً بسيطاً من القصة، وساعدها ذلك فى أن تكون مشحونة بالمشاعر، ووفقاً لها كانت ترى من الصعب تقديم قصة لسيدة مرت بمعاناة شديدة، وأنا أطلب منها الاحتفاظ بتلك المشاعر داخلها حتى قربت على الانفجار، بالفعل أنا ضغطت عليها وهى كانت ترى أن ذلك غير طبيعى حتى عندما تبدأ فى البكاء أقول لها: العزيزة عمرها ما بكت، لترد علىّ: كانت تبكى فى عدم وجودك».
وعبر محسن بصرى عن سعادته بردود فعل جمهور «القاهرة السينمائى» بعد عرض الفيلم، موضحاً: «كنت سعيداً وفوجئت أن الحضور تفاعل مع الفيلم بطريقة مذهلة، هناك من شعروا بالفيلم وفهموه واستقبلوه بشكل رائع، خاصة أنه من نوعية الأفلام التى إما تحبها أو تكرهها».