الطائفية والفساد والعنصرية فى لبنان على مائدة «غداء العيد»
مشهد من الفيلم اللبنانى «غداء العيد»
بعد مجموعة من العروض الناجحة فى المهرجانات العالمية، وحصد عدد من الجوائز، أولاها جائزة لجنة التحكيم الخاصة بالدورة السابقة من مهرجان دبى السينمائى، ينافس الفيلم اللبنانى «غداء العيد» للمخرج لوسيان بورجيلى، على جائزة أفضل فيلم فى مسابقة «آفاق السينما العربية» ضمن فعاليات الدورة الـ40 من مهرجان القاهرة السينمائى.
على مدار 91 دقيقة، مدة الفيلم، يحل المشاهد ضيفاً على طاولة السيدة «جوزفين»، التى تنجح للمرة الأولى منذ سنوات فى جمع عائلتها المتفرقة على الغداء يوم العيد، فمن الخارج الوضع يبدو مثالياً حتى مع اختلاف وتضارب الآراء والتوجهات السياسية والدينية والاجتماعية، لكن شرارة صغيرة كانت كافية لتقلب الأمور رأساً على عقب ويتحول الجو الهادئ إلى فوضى عارمة، ورغم أن الفيلم يناقش قضايا يعانى منها المجتمع اللبنانى، فإنها تقترب فى حساسيتها وتتقاطع مع مجتمعات عربية عديدة، منها الفساد الحكومى، العنصرية والطائفية، الزواج المدنى وغيرها من القضايا.
«بورجيلى»: السلطات اللبنانية لا ترغب فى التطلع بالمرآة ومشاهدة الواقع.. وأنتجت الفيلم مستقلاً لأحظى بحرية كاملة
«غداء العيد» التجربة السينمائية الأولى لمخرجه لوسيان بورجيلى، وفريق العمل بالكامل أيضاً، إذ استعان بمجموعة من الممثلين غير المحترفين الذين يخوض أغلبهم تجاربهم الأولى فى التمثيل، وقال: «فريق مكون من 13 ممثلاً يخوضون تجاربهم الأولى أمام الكاميرا قد يكون صعباً، لكنى اعتدت ذلك، لأننى مدرب تمثيل وأعد ورش عمل للممثلين الجدد»، مضيفاً: «أراهم نجحوا فى تقديم أداء جيد حصلوا به على جائزة أفضل فريق عمل فى فرنسا، واحتجنا وقتاً طويلاً للتمرن على الأداء ليخرج بهذه الصورة العفوية، لكن التصوير الفعلى استغرق 9 أيام تقريباً».
وعن الجرأة فى تناول قضايا سياسية ودينية خلال الأحداث، أوضح المخرج: «لم نضع ضوابط، لكن فكرنا فى ما نحتاجه لتكون القصة حقيقية قدر المستطاع، ويكون هناك انغماس كلى فى الأحداث، الأشياء التى تحدث خلف الأبواب المغلقة لا تتداول خارجها، الأحاديث التى تدور داخل المنازل بمجرد عرضها على الشاشة الكبيرة نشعر بالجرأة لأنها تكون بمثابة مرآة لحياتنا اليومية وعلاقتنا بالآخرين والعائلة، إضافة إلى العلاقة بالمجتمع والوطن، وهذا يمنح المشاهد فرصة لرؤية الواقع المنغمس فيه لكن من مسافة أبعد».
لم يعرض الفيلم فى لبنان بشكل كامل، إذ حذفت الرقابة بعض المشاهد، لكن هذا لم يكن الاصطدام الأول لـ«بورجيلى» مع الرقابة، فسبق ومنعت مسرحيتين له من العرض، وأرجع المخرج ذلك إلى رغبته فى الكتابة بحرية حتى يكون لدى المشاهد قصة حقيقية مقنعة، متابعاً: «أنا أتعامل مع الأمر بمنظور فنى، لكن للأسف الرقيب يعمل بطريقة مختلفة، فسبق ومنع مسرحية تتناول الفساد السياسى، لأنه لا يرغب فى تقديم ذلك، القمع فى هذه الموضوعات ليس لأن الجمهور لن يتقبلها لكن لأن السلطات لن تتقبلها».
«فرح»: «ريتا» ثورة على تقاليد المجتمع.. وخروج الأداء بهذا الشكل تحدً ّ
واستطرد: «المشكلة هنا أنهم لا يرغبون فى التطلع بالمرآة ومشاهدة أنفسهم، ولا يرغبون أن يطرح المشاهدون تساؤلات عن دور تلك السلطات فى الوضع اليوم، رغم أنه شىء ضرورى لأى مجتمع حتى يتقدم، لكن القمع يؤدى إلى مسار انحدارى»، مشيراً إلى أنه قرر إنتاج الفيلم بشكل مستقل لتقديمه بحرية كاملة بعيداً عن تدخل المنتجين، خاصة أن العمل لا يعتبر تجارياً بشكل كبير، مؤكداً أنه لم يعتبر الأمر مخاطرة، خاصة أن التكلفة لم تتجاوز 100 ألف دولار.
تؤدى الممثلة اللبنانية فرح الشاعر، خلال الفيلم، شخصية «ريتا»، الشابة المنفتحة المتمردة التى تقرر الهجرة إلى كندا بحثاً عن حياة أفضل، بسبب اعتراضها على الوضع فى لبنان، وقالت: «هذه التجربة السينمائية الأولى بالنسبة لى، لكن كانت لى تجارب مسرحية سابقة مع المخرج لوسيان بورجيلى، والتمثيل فى الفيلم كان أقرب إلى نوع المسرح التفاعلى الذى يقدمه».
وأضافت «الشاعر»، لـ«الوطن»: «الهدف الأكبر كان خروج أدائنا بشكل عفوى، واستغرقنا وقتاً يقرب من شهرين فى العمل على الشخصيات والتقريب بيننا وبين الأدوار التى نؤديها، وعلاقات شخصياتنا ببعضها حتى نظهر على الشاشة فى شكل عائلة حقيقية، حيث إنه بمثابة تحدٍ حلو لنا»، مشيرة إلى أن التناقض الشديد بين الشخصيات كان مقصوداً، فهناك اختلاف كبير بينى وبين زوجى، وبين أختى وزوجها، أنا أقوى من زوجى وأتعامل معه بندية، عكس شقيقتى المنسحقة أمام زوجها حاد الطباع، ما أدى إلى تناغم فى القصة والتمثيل، خاصة فى المشهد الذى يجمعنى بزوج أختى.
وتابعت: «شخصيتى فى الفيلم تشبه فتيات كثيرات فى لبنان والوطن العربى، أصبحنا نخرج على القيود التى تربى عليها الجيل القديم، فيما يتعلق بأن البنت دائماً صوتها منخفض، ولا تتلفظ بكلمات خارجة، وتقبُّل ذلك من الرجال، وفى الوقت الحالى السيدات أصبحن أكثر قوة يدافعن عن حقوقهن، ويبدين آراءهن فى كل القضايا المطروحة مهما كانت، الفيلم بمثابة بانوراما لشخصيات مكونة للمجتمع، و(ريتا) جزء من تلك الشخصيات، وتمثل شريحة من إناث المجتمع، ولسن فقط تابعات للرجال، هى تمثل ثورة على التقاليد التى تربينا عليها بالعادة».
بينما تؤدى جينى جبارة شخصية «نهى» التى تعيش بمفردها مع ابنها المراهق وتواجه مشكلات فى تقويم سلوكه، بعد سفر زوجها للعمل فى الخارج، وتعتبر شخصية قريبة من سيدات عربيات كثر، وتحدثت الممثلة عن طبيعة دورها، موضحة: «كان من المهم إلقاء الضوء على معاناة عدد من الأمهات فى التعامل مع الأبناء فى هذه السن، خاصة فى ظل غياب الأب، فهى تريد الحفاظ عليه وفى الوقت نفسه ينتظر منها الجميع أن تكون الأم المثالية لكنها فى النهاية إنسانة، وعملت على الجزء الآخر فى الشخصية المتعلق بالعنصرية رغم كونها شخصية متعلمة وواعية، حتى إن عنصريتها وصلت للسخرية من رجال الدين المسيحى، وفى الوقت الحالى العنصرية أصبحت آفة العصر والناس تمارسها ضد بعضها البعض، والوضع أصبح أسوأ، خاصة مع الانفجارات التى تحدث فى الفترة الأخيرة».
ويعتبر الفيلم التجربة التمثيلية الأولى لـ«جينى»، إذ كانت تعمل مديرة مدرسة فى لبنان، وكشفت: «طوال الوقت أريد خوض تجارب جديدة لكنى كنت أخجل من الدخول إلى التمثيل بعمرى الذى قارب من الخمسين، أرسلت صورتى إلى تجارب الأداء، وفوجئت بقبولى، وجلست للمرة الأولى مع المخرج لوسيان بورجيلى، ووجد أن أدائى جيد وطبيعى للمشاركة فى الفيلم، وعند حضور العرض الأول للفيلم فى «دبى السينمائى» مع أولادى بكيت، لأنها أول مرة أشاهد نفسى على الشاشة، وجاءتنا ردود فعل جيدة، إذ لم يتخيل أحد أنها تجربتنا الأولى فى التمثيل.. كنا بمثابة عائلة حقيقية».