"على الأرض ما يستحق الحياة".. حكايات معاقين فلسطينيين بمسيرات العودة
معاقيين فلسطينيين مشاركين بمسيرات العودة الكبرى
الإعاقة لم تمنعهم عن المشاركة في مسيرات العودة الكبرى التي انطلقت في مارس الماضي، احتجاجا على نقل السفارة الأمريكية لمدينة القدس المحتلة، بل كانت حافزا لهم في تصدر الصفوف الأولى، لاسيما وأنهم لم يهابوا الموت في سبيل القضية رغم سهولة قنصهم من قبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، لتكتم صيحاتهم أصوات رصاص الغدر.
يوسف عثمان، شاب فلسطيني فقد قدمه اليمنى جراء إصابته أثناء قصف طائرات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة الفلسطيني عام 2009، ليستعيض عنها بعكازه الذي يرافقه منذ 9 سنوات، ويسير على قدم واحدة من مخيم جباليا حوالي ثلاثة كيلو متر للمشاركة في مسيرة العودة الكبرى، رفضا لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، معتبرا مشاركته بمثابة مساندة للاجئين الفلسطينيين الذين يواجهون خطط صهيونية لسرقة حقهم في العودة لمنازلهم التي هجروا منها قسريا على يد العصابات منذ عام 1948.
ويقول عثمان لـ"الوطن": "لن أتوقف عن المشاركة في مسيرات العودة الكبرى حتى تحرير أرضنا من الاحتلال الإسرائيلي أو أنال الشهادة في سبيل قضيتنا، فحق العودة تكفله جميع المواثيق والأعراف الدولية ولن نتنازل عن حقنا".
"نحن شعب مسالم ينادي بحقه، لكن الاحتلال لا يكف عن الجرائم ضدنا و لا يفرق بين أطفال أو نساء أو شيوخ، ويستهدف المتظاهرين السلميين الذي يتوجوا أسبوعيا تجاه الجدار العازل مع الأراضي المحتلة عام 1948"، حسب حديث إبراهيم أبو ثريا، شاب فلسطيني آخر لم تمنعه قدماه المبتورتان من زحفه، إلى خطوط التماس مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في المواجهات التي اندلعت شرق مدينة غزة، قبيل استشهاده، برصاص الغدر ليلحق نصف جسده بقدميه اللتان فقدهما إثر قصف لطائرات الاحتلال على قطاع غزة الفلسطيني.
ويقول محمود علي، جار إبراهيم أبو ثريا، والذي أوضح أن الشهيد إبراهيم كان يعيش مع والده المريض ووالدته وشقيقه وأربعة أخوات، حيث فقد قدميه نتيجه قصف طائرة تابعة لسلاح جو الاحتلال في عام 2008، واستشهد خلال أول مسيرة رافضة لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالاعتراف الرسمي بأن مدينة القدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف علي لـ"الوطن": "الشهيد إبراهيم كان يشارك في كل الفعاليات والمظاهرات ضد الاحتلال الإسرائيلي ولم يتوان يوما عن أي مواجهة حدودية في شرق قطاع غزة بل كان قائدًا للمتظاهرين، وحينما كان يتراجع الشباب نتيجة استهداف الاحتلال لهم بالرصاص الحي كان يحمسهم بشدة".
وتابع جار الشهيد الفلسطيني: "صديقي أبو ثريا، كان محبوبا جدا من جميع جيرانه بالحارة وجميع سكان القطاع كانوا يعرفونه، وكانت تجمعه علاقة متميزة بالأطفال الذين اعتبروه أخا كبيرا لهم، ويمتلك إصرارا وعزيمة لا يمتلكها الأصحاء، ولم يعتاد على الشكوى من الحالة التي يمر بها وكان يخرج منها عبر التجول بكرسيه المتحرك في جميع أنحاء غزة يوميا".
وعن وضع أسرة الشهيد إبراهيم أبو ثريا، يقول جاره "ليس جيدا بالمرة فهو ينتمي لعائلة بسيطة للغاية، وعمل بمهن كثيرة لمساعدة أسرته، فعمل ببيع العطور في فترة من الفترات وبيع الدخان وفي بعض الأحيان كان يقوم بغسيل السيارات، وكان إبراهيم يستلم كل شهر راتب جريح فلسطيني لا يكفي لسد حاجته وحاجة عائلته أكثره يخرج للإيجار والباقي لمصاريف الكهرباء، ما جعل شقيقاته لا يستكملن دراستهن الجامعية، وكان يسكن مع عائلته بمنزل متواضع بمخيم الشاطئ قبل الانتقال منذ 6 أشهر لخان يونس".
أشهر كثيرة مرت على استشهاد إبراهيم أبو ثريا، وما يزال في ذاكرة جاره الذي اختتم حديثه لـ"الوطن": "لم يشعرنا في يوم من الأيام أنه معاق، ورفض جميع المساعدات لدرجة انه كان يتذمر حينما كنا نحاول دفع كرسيه المتحرك، وعند صعوده لمكان مرتفع كان ينزل من على كرسيه ليحركه بنفسه، أتذكر حينما كان يستيقظ مبكرا ويلقي السلام علي وهو ذاهب إلى عمله، أنا أفتقده كثيرا".
ويقول عرفات أبو زايد، عضو الهيئة التنسيقية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار، إن مسيرات العودة تشهد مشاركة من جميع طوائف الشعب الفلسطيني، مشيرا إلى أن متحدي الإعاقة المشاركين في المسيرات لا يقلون عن الأصحاء، بل لديهم قدرات قد تفوقهم، فكل منهم لديه قصة بطولته الخاصة.
ويؤكد أبو زايد لـ"الوطن": "هذا هو الشعب الفلسطيني، يقاوم بكافة الطرق وشتى الطرق، فلا فرق بين من يقاوم بالعكاز أو الكرسي المتحرك وبين من يجري على قدميه لإلقاء حجر على جندي بقوات الاحتلال".