معاناة المرضى تبدأ بـ«وخز» وتنتهى بـ«عكاز»: لا نوم ولا حركة
مصاب بأحد أمراض العظام
عيناها امتلأتا بالدموع وكأنها لم تعرف للبكاء طريقاً من قبل، ليس لتذكرها سخرية أصدقائها من وزنها الزائد، إنما لعدم استمتاعها بجمالها وشبابها، ٣٠ عاماً والكل يناديها بكلمة «يا حاجة»، تمشى دقيقة وترتاح ٥ دقائق، لا تستطيع أن تلتقط أنفاسها بسهولة، وتحاول جاهدة أن تخفى عن العيون حولها عرج قدمها الملحوظ مع كل خطوة تخطوها.
«ياسر»: الألم حوّل حياتى إلى جحيم.. و«فريدة»: أخذت أدوية كثيرة لا فائدة منها وكل يوم أشعر بعجز أكبر.. و«منى»: حالتى تستدعى تغيير المفصل ولارتفاع تكلفة العملية «صرفت نظر»
على عكاز خشبى يتكئ رجل ستينى، حاله لا يقل سوءاً عن سابقته، خوفاً من الانبطاح أرضاً وزيادة آلامه التى يحاول كتمها عمن حوله ويفشل، فبسبب إصابة لحقت بركبته حُرم من الاستمتاع بأحفاده واللعب معهم مثلما تمنى، ومع كل صرخة يطلقها يشرد بخياله ويعود ١٥ عاماً للوراء، حين أهمل علاج مرض النقرس، وضرب بنصائح الطبيب وتحذيراتهم عرض الحائط، فجنى من الألم والعذاب ما أقعده.
الخشونة، تمزق الأربطة وآلام الغضروف، إصابات عديدة تلحق بالركبة أصبحت بمثابة الضيف الثقيل على معظم البيوت، لا تفرق بين كبير وصغير، سمين أو نحيف، فحركة خاطئة كفيلة بتكبد عناء كبير ورحلة طويلة من العلاج يقطعها المريض على أمل أن يظفر بلحظات من الراحة ولو مؤقتة.
عادة بسيطة كان يمارسها يومياً ياسر يونس، 54 عاماً، خلال فصل الصيف، بتسليط المروحة على جسده مباشرة لفترات طويلة من اليوم، ما أثر على ركبتيه وأضعفهما، ومنذ 3 أشهر، تحولت حياته إلى معاناة حقيقية وأصبح غير قادر على الحركة لمسافات قصيرة: «حتى النوم بقى بصعوبة، وطبعاً طلوع ونزول السلم بالنسبة لى مميت، لو قدرت عليه مرة فى اليوم، لا يمكن أكررها».
فى بداية شعور «ياسر» بالألم، كان يعتقد أن ذلك حدث عرضى، سيزول بعد فترة وفور ارتداء الركبة الطبية لعدة أيام: «شوية بشوية بقيت أرفع رجلى وأدعك ركبتى ومفيش فايدة، ولما سألت وكشفت عرفت إن السبب كان المروحة»، لتتحول حياته إلى جحيم، فيجلس طوال الوقت، ولا يميل إلى الحركة، خشيةً من الشعور بألم مضاعف.
بخطوات محسوبة وبطء شديد تسير فريدة حسنى، صاحبة الـ58 عاماً، سواء داخل المنزل أو خارجه، بعد أن أصيبت بخشونة حادة فى ركبتيها منذ 4 أعوام، وفوجئت بعدم قدرتها على الحركة كما عهدت سابقاً، وأصبحت أسيرة ألم يباغتها بين الحين والآخر، وينغص عليها جلستها وسط أسرتها، ويوقظها ليلاً، حتى يهدأ للحظات.
أكثر من 3 أطباء متخصصين فى العظام، عرضت «فريدة» حالتها عليهم، ورغم كمية الأدوية والمسكنات التى تناولتها تشعر بوخزة دائمة فى ركبتيها: «كنت متعودة أخرج وأزور أهلى مبقتش أتحرك، ومن وجع رجلى بقيت أعيط وأنا قاعدة لوحدى، وآخد علاج كتير مفيش منه فايدة، كل يوم بحس بعجز أكبر، ونسيت حياتى الأولى»، مع زيادة الألم، فوجئت «فريدة» بحاجتها إلى تغيير مفصل، حتى تتمكن من الحركة مرة أخرى، وأصيبت بإحباط شديد بسبب تكاليف العملية.
تخلت «فريدة» عن كثير من روتينها اليومى، بالخروج للتسوق وزيارة أقربائها وحتى أعمالها المنزلية: «بقيت أحط كرسى صغير فى المطبخ، ولما آجى أعمل الأكل أطبخ وأنا قاعدة». صوت مزعج يلازم حركتها باستمرار، كلما غادرت فرشتها للذهاب إلى الحمام أو الانتقال من غرفة إلى أخرى، وأقل حركة لها تصيبها بإرهاق مضاعف، منى، صاحبة الـ59 عاماً، تعانى من خشونة فى الركبة، وتدهورت حالتها الصحية مؤخراً، وأصبحت فى حاجة ماسة إلى تغيير مفصل كلى، نظراً لوزنها الذى يتعدى الـ110 كيلوجرامات.
الشتاء أكثر فصول السنة رعباً لـ«منى»، حيث تؤثر البرودة على ركبتيها، المعاناة التى بدأتها منذ 7 أعوام، وتفاقمت أكثر بعد اكتسابها لوزن زائد نتيجة قلة الحركة والالتزام بالراحة التامة كما نصحها الأطباء، حتى تتجنب مزيداً من التعب والألم: «بحس كأن ركبتى مخلوعة، مقدرش أحطها على الأرض ولا أفردها أو أتنيها، لو حد اتهز جنبى وأنا قاعدة بيسّمع فى رجلى، أحياناً ببقى عايزة أصرخ من الوجع، وأفضل أعيط وأدعى ربنا أخف».
تدهورت حالة «منى» بمرور الوقت، وقلت حركتها، وفوجئت بطبيبها يؤكد لها حاجتها إلى تغيير مفصل الركبة، فصرفت نظر عن طلبه بسبب التكاليف المادية: «أسمع إن العملية صعبة، وخايفة منها، علاوة على فلوسها الغالية»، وتتذكر أوضاعها السابقة، وتقول: «كنت عادية جداً، بروح وآجى، من كام سنة اشتكيت، وقلت ألبس الركبة عشان لو عندى وجع ولا إرهاق يروح، واحدة واحدة الوجع زاد، ومفيش مسكنات نافعة معايا، رحت للدكتور واكتشفت إنها خشونة والتهاب مفاصل، والموضوع اطور معايا جداً، لحد مابقيتش قادرة أمشى وبتسند زى العواجيز».