«تعميق التصنيع المحلى».. الورقة الأخيرة للحكومة لمواجهة العجز التجارى والسياسات الحمائية العالمية
مشروع تصنيع اللمبات
«دون إرادة صناعية.. لن تحقق الدول أهدافها» ذلك ما خلصت إليه جميع التجارب العالمية لتحقيق التنمية الاقتصادية، حيث يعد القطاع الصناعى القاطرة الإنتاجية الكبرى التى تعول عليها الدول فى إدارة المنظومة الاقتصادية التى تشمل ضمن مكوناتها خلق فرص عمل وصيانة رأس المال البشرى، فضلاً عن تحقيق الأهداف الأخرى مثل توفير السلع والمنتجات التى تحتاجها السوق، مع الحفاظ على التوجه التصديرى لتحسين مؤشرات الميزان التجارى التى تعكس مدى قوة تلك الدول من عدمها. واتخذت الحكومة خطوات عديدة خلال الفترة الأخيرة نحو تحفيز الصناعة الوطنية من خلال إطلاقها البرنامج القومى لتعميق التصنيع المحلى، لتستكمل بها سلسلة السياسات التى انتهجتها مؤخراً والتى تحمل توجهاً واضحاً نحو فرض عدة ضوابط لترشيد استيراد السلع ذات البديل المحلى، وذلك فى محاولة منها لتعظيم قدرات الصناعة الوطنية نحو النفاذية بشكل أكثر فاعلية سواء بالسوق المحلية أو خارجياً فى ظل السياسات الحمائية التى تتبعها أغلب الدول الصناعية خلال الفترة الراهنة.
ومن ناحيته قال حسام فريد، مستشار وزير الصناعة للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ورئيس لجنة تعميق التصنيع المحلى باتحاد الصناعات المصرية، إن السبيل الوحيد لتحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تنعكس على حياة المواطنين هو عمل تنمية صناعية حقيقية تقوم على تشجيع الإنتاج والتصدير، بما سيعظم من عائد الدولة من العملة الصعبة، فى ظل امتلاك مصر نحو 214 مدينة صناعية متنوعة، مشيراً إلى أن نسبة مساهمة القطاع الصناعى فى الناتج المحلى الإجمالى لا تتجاوز 18% وهو الأمر الذى يتطلب تضافر الجهود من الحكومة والقطاع الخاص لمضاعفته خلال الفترة المقبلة.
حسام فريد: نعمل لتعزيز مساهمة المشروعات المحلية فى توفير مدخلات الصناعة.. و20% انخفاضاً مستهدفاً فى العجز التجارى 2019
وأشار «فريد» إلى أن الحكومة تتطلع لأن يسهم البرنامج فى خفض عجز الميزان التجارى بنسبة 20% خلال العام المقبل 2019 فى ظل وجود خلل واضح به، حيث تشير أحدث البيانات الحكومية إلى تزايد فاتورة الواردات بقيمة 5 مليارات دولار بنهاية أغسطس الماضى لتسجل نحو 43 مليار دولار فى مقابل 38 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضى، فى حين زادت الصادرات بنحو 1.5 مليار دولار لتسجل 16.5 مليار دولار فى مقابل 15 مليار دولار، بما يعنى وجود فجوة تصل حالياً لـ4.5 مليار دولار. ونوه بأن البرنامج يتضمن التركيز على 3 قطاعات رئيسية هى «الكيماويات» و«مواد البناء» و«الصناعات الهندسية» ذات المساهمة بشكل كبير فى الميزان التجارى المصرى، والتى تستحوذ أيضاً على هيكل الواردات بشكل كبير حيث تستحوذ هذه القطاعات الثلاثة على 63% من إجمالى واردات الدولة بواقع 27% للصناعات الهندسية، والكيماوية بنسبة 16%، ومواد البناء بنسبة 20%، متوقعاً وصول حجم الفجوة فى الميزان بين الواردات والصادرات لنحو 7 مليارات دولار بنهاية 2018.
وتابع أن البرنامج يعتمد فى المقام الأول على تنمية سلاسل الموردين من الصناعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر والتى تمثل الشريحة الأكبر فى هيكل الصناعة المصرية، وتنمية هذه النوعية من الصناعات وتمكينها من الحصول على التمويل، خاصة فى ظل التنسيق مع البنك المركزى على إتاحة التمويلات اللازمة عبر مبادرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وأضاف «فريد» أنه يجرى خلال الفترة الراهنة دراسة آليات إنشاء نحو 5 مجمعات للمشروعات الصغيرة والمتوسطة ضمن البرنامج فى ظل أهمية تلك المجمعات لتحقيق التكامل المطلوب للتنمية الصناعية.
وقال محمد المهندس، رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، إن برنامج تحديث الصناعة استطاع دراسة السوق وبدأ فى التفاوض والتشبيك بين 7 منشآت صناعية فى قطاعى الصناعات الهندسية ومستحضرات التجميل و8 موردين محليين لإحلال 10 مدخلات إنتاج مستوردة تستهدف توفير 68 مليون جنيه من إجمالى قيمة الاستيراد لهذه المنشآت الصناعية كتجربة مبدئية.
وشدد على ضرورة تعزيز دور المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى خطة تعميق التصنيع المحلى، نظراً لأهمية الدور الذى تلعبه فى مكافحة البطالة، وزيادة القيمة المضافة الصناعية، ودعم الصناعات الوطنية الكبيرة، وتحسين تنافسية القطاع الإنتاجى، وتوفير السلع والخدمات. وأشار «المهندس» إلى أن نسبة تعميق المكون المحلى بالصناعات الهندسية وصلت إلى 72% حتى الآن مقابل نسبة 65% بنهاية عام 2017، لافتاً إلى أن الغرفة تستهدف الوصول بالنسبة إلى 75% حتى نهاية عام 2018.
محمد المهندس: رفع مساهمة المكون المحلى فى الصناعات الهندسية إلى 75% بنهاية 2018.. والاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة «الخطوة الأهم»
وأضاف أن الأعباء المفروضة على المصانع زادت من مخاطر الخروج للاقتصاد الموازى غير الرسمى، مطالباً الدولة بضرورة المسارعة فى تحفيز المنظومة غير الرسمية مثل إعفائهم من الضرائب لمدة عشر سنوات وتوفير معدات حديثة لهم لتحفيزهم على الإنتاج المحلى بصورة رسمية.
وتابع أن الغرفة تسعى لاستئناف جولاتها بمحافظات الصعيد فى النصف الثانى من شهر ديسمبر الحالى، لكشف المشاكل التى تواجه المصانع وربط ورش ومصانع الصعيد الصغيرة التى يمكنها إنتاج مكونات تدخل فى صناعات كبرى مع المصانع المنتجة لتحقيق التكامل الصناعى، وسيتم البدء بمحافظتى سوهاج وأسيوط.
وأكد خالد أبوالمكارم، رئيس المجلس التصديرى للصناعات الكيماوية والأسمدة، أن نسبة المكون المحلى فى قطاع الكيماويات تصل حالياً إلى 30%، مفسراً ذلك بوجود مشكلة تكمن فى عدم التعارف بين الشركات وبعضها البعض، فبالرغم من إمكانية توفير هذه المنتجات محلياً لكن دون وجود تواصل جيد بين مختلف الصناعات لمكان تصنيعها وإنتاجها، مضيفاً أن السبب الآخر وجود بعض المصانع تحتاج إلى تطوير لتعويض ما يتم استيراده من المواد الخام.
وأشار إلى أن الخطة التى تعمل عليها وزارة التجارة والصناعة لتعريف الشركات ببعضها البعض بما هو موجود ومتوافر، بجانب استعاضة ما يتم استيراده من مواد خام من الخارج بتطوير بعض المصانع وضخ استثمارات لإنتاجها داخلياً، متوقعاً تخفيض فاتورة ما يتم استيراده من مواد خام خاصة بالقطاعات الكيماوية بنسبة تتراوح بين 15 و20% قبل نهاية 2020، وبالتالى زيادة نسبة المكون المحلى فى المنتجات المصرية بنسبة 15%.
وقال «أبوالمكارم» إنه على الرغم من أن حجم فاتورة الواردات فى القطاع ما زال كبيراً، ولكن يتم تعويض ذلك من حجم الصادرات، حيث وصلت خلال أول 8 شهور من العام الحالى لأكثر من 4 مليارات دولار بنسبة زيادة 26% عن نفس الفترة للعام الماضى، منوهاً بأن ذلك لم يشهده أى قطاع آخر، مضيفاً أن قطاع الصناعات الكيماوية من أكثر القطاعات تطوراً وتصديراً وأعلى نسبة نمو، وذلك يرجع إلى زيادة حجم تصنيع البتروكيماويات، وزيادة بعض المدخلات الخاصة فى صناعة البلاستيك.
وتابع أنه تم افتتاح مصنع «إيثيدكو» لإنتاج الإيثيلين ومشتقاته بمنطقة العامرية بالإسكندرية العام الماضى، وهى من الخامات المهمة فى صناعة البلاستيك، مضيفاً أنه جارٍ إنشاء مصنع فى السويس لإنتاج خامات البولى بروبيلين والبولى إيثيلين الذى تقوم به الشركة القابضة للبتروكيماويات التابعة لوزارة البترول، بالإضافة إلى إنشاء وحدة جديدة بمصنع سيدى كرير للبتروكيماويات (سيدبك) لإنتاج البولى بروبيلين والذى كان ينتج البولى إيثيلين فقط، مشيراً إلى أنه من المخطط أن يبدأ إنتاج المشروع خلال عام 2020، مؤكداً أن الإنتاج المحلى من خام «البولى بروبيلين»، يعد من الخامات الأساسية بصناعة البلاستيك. وقال أحمد عبدالحميد، رئيس غرفة مواد البناء باتحاد الصناعات المصرية، إن الاهتمام بتعميق الصناعة المحلية يعد أهم دعائم الاقتصاد بما يحققه من خفض للواردات وزيادة الصادرات والذى يخفض عجز الميزان التجارى، مؤكداً أن الصناعة هى قاطرة التنمية الوحيدة، خاصة قطاع مواد البناء الذى يحتاج إلى تعميق التصنيع المحلى فى صناعة مستلزمات الإنتاج.
وأشار إلى إطلاق مركز تحديث الصناعة للبرنامج القومى لتعميق التصنيع المحلى مطلع شهر أكتوبر الماضى، سعياً لتطوير قاعدة صناعية متنوعة من الموردين المحليين، ورفع معدلات الاستفادة من الاستثمارات الصناعية، وتحقيق الاستغلال الأمثل للطاقات الإنتاجية المتاحة، بما يسهم فى زيادة القيمة المضافة للمنتج المحلى.