«بم بم» نموذجاً: الاسم مدرسة.. والعمل «بيت عيلة»
معلمة تدرب إحدى الطالبات فى المدرسة
توقفت بعض المهام العقلية لـ«محمد سيد عبداللطيف»، الطالب بالصف السادس الابتدائى فى المدرسة، فتسببت فى تأخره عن أبناء جيله الذين التحقوا بسنوات دراسية أعلى منه، ومنعته من بعض التعاملات المجتمعية، وبالرغم من ذلك بقى حلمه الذى لا يزال يتشبث به وينتظر تحقيقه، وهو لعب كرة القدم فى دورى المحترفين، حيث يقول: «أنا لعيب كورة كويس جداً، وحلم حياتى أشوف لعيبة النادى الأهلى وأقابلهم وأنزل التمرين معاهم، وساعتها هما هيمسكوا فيّا وهيلعّبونى معاهم كل يوم».
اعتاد ابن الرابعة عشرة من عمره المجىء إلى المدرسة متأخراً يومياً، نظرا لأن محل سكنه فى منطقة الوايلى، بينما توجد المدرسة فى حى السيدة زينب، وبالرغم من ذلك يحرص على الحضور بشكل يومى للعب الكرة بين أقرانه ومعلميه نظراً لعدم موافقة أبناء منطقته على إشراكه فى اللعب معهم، ويضيف: «أصحابى فى الحتة مبيرضوش يلعّبونى معاهم، وبيقولوا لى إنت تعبان واحنا خايفين عليك، إنما هنا اخواتى بيلعّبونى وبجيب فيهم أجوان، والمديرة بتدينى هدايا».
«عبداللطيف» طالب بالصف السادس الابتدائى يحلم بـ«اللعب فى الأهلى».. و«علاء» أنهى دراسته منذ 6 سنوات ويواظب على الحضور يومياً: «بحب اخواتى اللى هنا»
أصبحت حيلة والدة «محمد» لإقناعه بالمجىء إلى المدرسة هى تبشيره بلعب الكرة، ومن ثم استخدمها معلموه لدفعه لحضور الحصص الدراسية وتحصيل دروسه، بينما ينتظر هو من يحقق حلمه ويأخذ بيديه.
أنهى علاء محمد دراسته بالمدرسة منذ 6 سنوات، وعلى الرغم من ذلك يأتى يومياً لقضاء يومه وسط معلميه وزملائه من صغار السن، وسط ترحاب منهم، نظراً لقدرته على التواصل معهم وتوصيل المعلومات والنصائح التى يصعب على المعلمين توصيلها لهم، نظراً «لأنه منهم وهم يثقون فيه»، طبقاً لحديث بعض المعلمين.
حصل ابن الرابعة والعشرين من عمره على بطولة العالم فى الهوكى للمعاقين العام الماضى، وهو يعشق الموسيقى وترديد الأغانى الوطنية، ويحظى بحب وثقة طلاب المدرسة، ويقول: «أنا اتربيت هنا فى المدرسة، وبحب الناس اللى هنا أوى، أكتر من الناس اللى بقابلهم فى الشارع، عشان كده باجى المدرسة كل يوم، وبفضل قاعد معاهم فى الفصل لحد ما الجرس يضرب».
تعلم «علاء» الغزل والنسيج فى «التربية المهنية»، وحصل على شهادة اعتماد وجودة تفيد بقدرته على العمل والإنتاج، وبالرغم من ذلك لم تسعه ورش النسيج ولم يعثر على مكان له بداخلها، وهو ما يقول عنه: «معرفش أصحاب الورش مش بيشغلونى ليه».
على يسار طريق يتسع بضعة أمتار فى حى السيدة زينب، موازٍ لشريط مترو الأنفاق، ترتفع الطوابق الأربعة لمدرسة «بم بم» للتربية الفكرية، وتُغلق بوابتها الحديدية على فناء بداخله مناطق خضراء تحوى بعض أشجار الفاكهة «التين والجوافة والمانجو»، مع ملعب للأطفال لـ«السلة والطائرة».
بين جدران فصل يتسع لعشرة تلاميذ، تقف سماح أحمد، معلم أول أ، تخصص تربية خاصة، لتدريس مادتى اللغة عربية والحساب. تقول «سماح» إنها قبل أن تشرع فى الدراسة الفعلية، تعقد تقييماً غير رسمى للطلاب لمعرفة مستوى الذين جاءوا إليها من فصول التهيئة، حيث يسير التعليم بالنظام الفردى «كل حسب قدراته واستيعابه وذكائه»، بعد ذلك تقوم بالتدريس لكل طالب حسب مستواه.
«المناهج مخففة، وتم تصميمها خصيصاً لطلاب القدرات الخاصة»، تضيف «سماح»، مشيرة إلى أن المادة العلمية المطبوعة فى الكتب المدرسية استرشادية فقط، تأخذ منها ما يناسب قدرات الطالب، ولا تزيد عليه إلا إذا أبدى الطالب رغبته فى الزيادة، دون أن يخضع الطالب لامتحانات رسمية فى نصف العام ونهاية العام، فقط يتم عمل تقييمات لمعرفة مدى تحصيل الطالب لما أخذه من دروس علمية، بعدها تُقرر إذا ما كانت ستنقله إلى مرحلة أخرى أم ستعيد عليه الدروس السابقة مرة أخرى.
مُعلمة «العربى والحساب»: إجراء تقييم غير رسمى للطلاب لمعرفة مستواهم.. والتعليم يسير بنظام «كل حسب قدراته العقلية»
وأشارت «المعلم الأول» إلى أن المواد التى يدرسها الطلاب عبارة عن «لغة عربية، اقتصاد منزلى، عادات وسلوكيات، تربية خُلقية، سور قصيرة من القرآن الكريم، أحاديث وقصص، وألعاب مختلفة»، مؤكدة أن تفاعل الطلاب مختلف إلى درجة كبيرة، حيث يوجد بعض الطلاب المتفوقين الذين لديهم قدرة كبيرة على التحصيل والفهم، فى الوقت نفسه الذى يقف فيه مستوى بعض الطلاب عند «البدايات»، معللة ذلك بأن درجات التأخر مختلفة، بجانب اختلاف الأمزجة من وقت لآخر نظراً لطبيعة ظروفهم الصحية، وفى كل الأحوال تسعى المدرسة لتخريج الطالب من الصف الأول الابتدائى وبحوزته بعض الدروس، مثل «اسمه، الألوان، ثلاثة أشكال هندسية، بعض المهارات الحياتية البسيطة».
تقف منى سعد، مدرس اقتصاد منزلى، بين جدران «غرفة الاقتصاد المنزلى» التى تنبعث منها روائح الطعام الذى يتم تجهيزه للطلاب، وتقول: «العامل الغذائى أساسى جداً لطلاب التربية الخاصة، لأنه لا توجد مرحلة شبع لديهم، الأمر الذى يتطلب توفير غذاء يومى صحى وسليم، طبقاً لجدول وزارة التربية والتعليم، ويتم توجيههم للسلوك الصحيح أثناء تناوله».
وأضافت أن الطلاب يحصلون على وجبة جافة يومياً عبارة عن «بيضة، ورغيف عيش، ومربى، وثمرة فاكهة، وقطعة جبنة مثلثات»، بجانب الأطعمة التى يتم طهيها فى الدروس العملية، والتى تتم بطريقة صحية أيضاً تناسب الأطفال.
وأكدت أن سلوكيات الأطفال فى الأكل تتطور بشكل ملحوظ مع التعلم والتوجيه اللحظى، نظراً لنسيانهم المتواصل، الأمر الذى يتطلب تكاتف الأسرة مع المدرسة من أجل الحفاظ على سلوكهم المنضبط.
تتجاور «غرفة التربية الفنية» مع سابقتها فى الطابق الثانى للمدرسة، بداخلها معلمتان، إحداهما لتعليم الطلاب مبادئ الرسم، والأخرى للنحت.
تقول سحر عباس، معلمة التربية الفنية، إن أولى خطوات تعلم الطلاب فى غرفة التربية الفنية تتمثل فى تعريفهم بالكمبيوتر، وتدريبهم على استخدام الماوس فى التلوين، بعدها يتم تدريبهم على تركيب الصور وتعريفهم بطبيعة الأشياء، وفى المرحلة الثالثة يتم تدريبهم على عمل أشكال بالصلصال لتقوية أعصاب أيديهم، وفى كل تلك الحالات لا بد من وضع الصور أمامهم للاستعانة بها، نظراً لضعف ذاكرتهم وعدم قدرتهم على تذكر الأشياء.
وتضيف «سحر» أن غالبية الطلاب يتجاوبون بشكل سريع ويقلدون ما يرونه من صور ورسومات، والقليل منهم الذى تمنعه قدراته العقلية من التفاعل يتم الاكتفاء بتدريبهم على السلوكيات الحياتية، لحين قدرتهم على الاندماج والتفاعل مثل باقى زملائه، مشيرة إلى أن طلاب التهيئة يحصلون على حصة تربية فنية بشكل يومى، وطلاب الصف الرابع وحتى السادس يحصلون على حصتين فقط.
حركة مستمرة لبعض الطلاب فى طرقات وجنبات المدرسة، تحت حراسة أعين المعلمين والمشرفين، وسط انبعاث أصوات الموسيقى وحركة الأدوات الرياضية من بعض الغرف المغلقة، بجانب أصوات ترديد الحروف الأبجدية والأرقام الرياضية من الفصول.
تسلمت هدى مصطفى رزق موقعها كمدير للمدرسة، بنفس غير راضية، «نظراً للحالة السيئة التى كانت عليها من ناحية، وانخفاض أعداد الطلاب بها من ناحية أخرى، بجانب شيوع فكر عدم الاهتمام بالطلاب المعاقين لدى البعض»، وهى تقول: «نقطة البداية كانت تهيئة المدرسة لوجود الأطفال بها، فقمنا بإعادة تأهيل دورات المياه، وإنشاء حديقة خاصة بالمدرسة، وغرفة لتنمية المهارات، واستبدال السبورات العادية بأخرى وبرية، ووضع «وايت بورد» فى الفصول، بجانب عمل ندوة أسبوعية للطلاب وأولياء الأمور، لبحث موضوعات خاصة بهم، مثل التنمر والإرشاد النفسى، بالإضافة لاستقبال وفود من قصور الثقافة للمساهمة فى تعديل سلوك الأهالى».
تضم «بم بم» 8 فصول دراسية، 2 للتهيئة، وتعادل رياض الأطفال فى التعليم العام، و6 فصول تعليمية للطلاب من الصف الأول وحتى السادس، بإجمالى 92 طالباً، طبقاً لـ«هدى»، التى أكدت أن أعمار الطلاب فى المدرسة تتراوح من 6 سنوات وحتى 18 سنة، بعدها يلتحق الطلاب بالدراسة فى مدرسة أخرى، الأمر الذى دفعنى لمحاولة إنشاء فصول «مهنى تعليمى»، والتى تعادل المرحلة الإعدادية بالتعليم العام، من أجل الاستفادة بالأطفال، وبالفعل بدأت فى إنشاء ورشة نجارة، ونسعى حالياً لتجهيز نشاط يدوى آخر، وتم توفير 3 غرف لذلك بالمدرسة.
وتسرد مديرة المدرسة أبرز المعوقات التى تواجه خطة التطوير التى تنشدها، والتى تتمثل فى عدم وجود أخصائى تخاطب أو نفسى، وغياب الوعى لدى بعض أولياء الأمور الذين يحتاجون إلى معاملة خاصة ونوع من الحزم، بجانب بعض القوانين واللوائح التى تُحجم بعض أفكارنا، مضيفة أن شروط الالتحاق بالمدرسة تتمثل فى اجتياز الطالب لاختبار الذكاء الذى يتم فى هيئة التأمين الصحى، أو أى من المستشفيات الحكومية، ويشترط تخطى الطفل نسبة 53% وحتى 70%.
خمس مدارس للإعاقة فى حى السيدة زينب، تخدم أهالى الحى والمناطق القريبة منه، طبقاً لما ذكره خالد عبده، مدير عام الإدارة التعليمية، الذى أكد أنه منذ تسلمه مهام عمله، وهو يولى أهمية خاصة لذوى الإعاقة، نظراً لما يحتاجونه من رعاية خاصة واهتمام متواصل.
ويرى مدير الإدارة التعليمية أن الحل الأمثل لرعاية الطلاب ذوى الإعاقة هو البحث عن أفكار غير تقليدية، تساعدهم فى التواصل مع المجتمع وتوفر لهم الإمكانيات التى يحتاجون إليها، والتى يفشل الروتين فى إنجازها، مشيراً إلى أن «السيدة زينب بها 133 مدرسة، موزعة على 80 مبنى مدرسياً، ضربهم العجز فى أعداد المعلمين مثلما هو الحال فى غالبية المديريات التعليمية، الأمر الذى دفعنا للبحث عن حل لأزمة العجز من خلال دمج الفصول التى يوجد بها عدد طلاب قليل. وأضاف: «غياب المدرس المتخصص يعد أكثر الأزمات التى تواجه مدارس التربية الخاصة، لذا سمحنا بندب المعلمين إليها من قطاع التعليم العام، والعكس».
«تطوير المدارس يستلزم مخاطبة أولياء الأمور أولاً»، طبقاً لرؤية «عبده»، الذى أكد أن ولى الأمر يشعر بأن الجميع ضده ولا أحد يسانده، ويضيف: «لذا قمت بتجميع أولياء أمور طلاب مدارس التربية الخاصة على إفطار رمضانى وناقشتهم وبحثت معهم ما يعانون منه»، مشيراً إلى أنه من أهم الأزمات التى تواجه العاملين فى التربية والتعليم تتمثل فى محاربة البعض لمن يعمل بجد واجتهاد ويرغب فى خدمة الأهالى، بجانب وجود ضوابط عديدة على مشاركة المجتمع المدنى والمتبرعين للمدارس والطلاب على حد سواء.
مديرة المدرسة خلال لقائها مع محرر «الوطن»