قبطيان يعيدان «صوت الأذان» إلى المساجد الأثرية
«رامز وعماد»
على عكازه الخشبى يتكئ الشيخ عبدالله منصور، ليصعد الدرج الكبير المؤدى إلى المسجد الطينى ذى المئذنة التى تستقبل زوار مدينة «شالى» الأثرية، وعلى منبر بسيط من خشب الزيتون يقف الرجل السبعينى الضرير الذى قضى 49 سنة من عمره فى خدمة المسجد الذى يتجاوز عمره 1000 عام، وهو لا يفارق المسجد حتى بعد انقضاء الصلاة،
غير أن صوتاً جاء من بعيد جعله ينتفض مسرعاً نحو الباب ليرحب بصاحبى الصوت، وهما المهندسان عماد فريد ورامز عزمى القبطيان اللذان عشقا الواحة وأهلها منذ أن وطأت أقدامهما أرضها فى نهاية الثمانينات من القرن الماضى.
راح «عماد» و«رامز» يعمران كل أرجاء الواحة، ويحاولان إنقاذ ما يمكن إنقاذه من تراث كان على وشك الانقراض، وخاض المهندسان معارك من أجل الحفاظ على الهوية الحضارية للواحة، فأقاما متحف التراث لإعادة إحياء البناء السيوى، كما أنشأ الصديقان 4 فنادق فريدة من نوعها على مستوى العالم، تتخذ من جريد النخل وكتل الملح أسرة، ومن الطين والزيتون والنخيل حوائط، وهما يحاولان الخروج بالثقافة السيوية ونشرها، فضلاً عن أنهما صمما مدينة كاملة فى الصحراء كديكور لتصوير مسلسل «واحة الغروب»، ثم قاما بإهدائها لوزارة الآثار لتحويلها إلى مزار أثرى.
وما جعل «الشيخ عبدالله» يسارع إلى استقبالهما هو الصداقة التى جمعته بهما، خاصة أنهما نجحا فى إعادة إحياء أطلال المسجد العتيق، بعد أن فشل مشروع إيطالى أقيم خصيصاً لهذا الغرض فى ذلك، بل دمر منفذو المشروع أجزاء من «حصن شالى» الأثرى الشهير.
نجح «عماد» و«رامز» فى فك شفرة البناء السيوى، وأقاما المئذنة التى كادت تنهار لواحد من أقدم مساجد شمال أفريقيا، وليس مصر وحدها، حيث نجحا فى إعادة ترميم الجامع بمساعدة أهالى سيوة من خبراء البناء بمادة «الكرشيف»، وبالاعتماد على فروع أشجار الزيتون الموجودة بالواحة، وهى طريقة فريدة اكتشفا سرها بعد سنوات من الجهد الطويل، ونجحا فى توظيفها فى أعمال الترميم، خاصة المسجد العتيق شاهد على فن العمارة السيوية التقليدية، وله خصوصية وقيمة دينية واجتماعية، ولم يكتفيا بذلك، فما إن انتهى عملهما فى المسجد العتيق حتى وضعا نصب أعينهما مسجداً آخر هو جامع «تطندى» الأثرى، وبدأ المهندسان رحلة جديدة لتوفير التمويل، وحصلا على دعم من الاتحاد الأوروبى والمجلس الثقافى البريطانى ومجموعة «نوعية البيئة»، ليجمعا بنائى سيوة المهرة الذين تقدمهم البنّاء «حمزة كييف» الثمانينى الذى علّم أجيالاً من أبناء سيوة صناعة المستحيل، ومضوا جميعاً يجمعون الحطام ويعيدون تفتيته ومزجه بالملح، ويبحثون بين الأنقاض عن معلم يدلهم على الحالة التى كان عليها المسجد قبل ترميمه، فيعثرون على صور للمئذنة القديمة بالصدفة، وبعد عام من بداية العمل عاد صوت الأذان يصدح عالياً بين جنبات المسجد الذى عاد للحياة بأيادٍ قبطية مصرية خالصة.