أهالى «الحسينية وبولاق»: الرحمة تجوز أيضاً على «نصير الغلابة»
الحاج «زكى» فتوة سوق العصر
عاش بعض كبار السن من أهالى أحياء «الحسينية وبولاق أبوالعلا والسبتية» بالقاهرة زمناً تسيد فيه الفتوات المشهد، والآخر انتشر فيه البلطجية، وملأوا الأحياء وتسكعوا على النواصى، قبح وفوضى وجرائم مختلفة تحاصرهم الآن ويسمعون عنها بين الحين والآخر، وتجعلهم يحنون لأيام «الفتوات»، ويعدونها من أجمل الفترات التى شعروا خلالها بالهدوء داخل الحارة.
«فجلة»: بيجيب حق المظلوم.. ويساعد بنات المنطقة على مصاريف الجواز
زمان كان لكل منطقة «كبير» يجبر الجميع أن يعمل للوقوف أمامه ألف حساب، كلامه كالسيف على رقبة الكبير والصغير، لا تخفى عليه «دبة النملة» داخل المنطقة، أما الآن فالوضع فى عصر البلطجية مختلف، وبين عصرى النبوت والمطواة يُسطر أهالى الأحياء الشعبية الكثير من الحكايات التى عاصروها، ويقفون أمام بعض الاختلافات التى شعروا بها.
«زمان كانت المنطقة كلها على قلب راجل واحد، دلوقتى كل واحد اتفرق».. هكذا يقول العم «حسن فجلة»، أحد أهالى منطقة الحسينية بنبرة يملؤها الحزن، حيث كان عمه أحد أساطير المنطقة حسب قوله: «المنطقة زمان كان ليها طابع خاص، كان الفتوة بيدافع عن الغلبان ويجيب ليه حقه بالأدب والأخلاق، أما الآن فالمنطقة أصبحت مليئة بالبلطجية.. هو ده الزمن اللى بقينا عايشين فيه».
لا وجه للمقارنة، حسب «عم حسن» بين الوضع فى المنطقة خلال زمن الفتوات وفى وقتنا الحالى: «زمان الفتوة كان لو فيه واحدة غلبانة فى المنطقة بتتجوز كان بياخد إتاوات من الأثرياء فى المنطقة عشان يساعدها، كان أقصى سلاح بيستخدمه هو الشومة فى الخناقات، لكن البلطجى بيستخدم البلطة والمطواة والسلاح الأبيض وتلاقيه شخص بيفترى على الناس اللى بيسرق واللى بيتحرش».
ووفق «عم حسن»، فإن الحسينية تعد من أشهر الأحياء التى امتلأت بالفتوات على مر العصور، ومن بينهم «أبوسريع وفجلة وعرابى والسيكاى وسالم الطباخ ومدحت الشماشرجى». يقول الرجل: «أنا عاصرت عرابى وأنا صغير فى السن، الفتوة كان بيخلى فيه احترام فى المنطقة دلوقتى مبقاش حد بيحترم حد والعيل الصغير بيشرب برشام فى وسط الحارة وبيرقص بالسلاح».
وفى منطقة «سوق العصر»، أحد أحياء السبتية، يحكى الحاج زكى أحمد، 72 سنة، صاحب أحد مخازن الخردة بالمنطقة وهو يجلس متكئاً على عصاه، قائلاً إن أكثر فترة عاش خلالها حالة من الخوف وعدم الأمان والاستقرار وظهور للبلطجية بالشارع هى فترة ما بعد ثورة 25 يناير: «الفترة دى انتشرت فيها أعمال البلطجة بشكل كبير، كنا أيامها بنفتكر أيام الفتوات ماكانش حد بيقدر يهوب من المنطقة عشان كان ليها كبيرها.. واستعنا خلال الفترة دى بأسر الفتوات بتوع زمان عشان ننظم حملات الدفاع الشعبى».
ويذكر «الحاج زكى» أنه يوجد أكثر من بلطجى فى الشارع وقتها: «كانوا موجودين على النواصى بيرموا بلاهم على أى واحدة ست معدية فى الحارة ومحدش يقدر يتكلم لأن المطوة هتتفتح فى وشه، وبيسرقوا على الموتوسيكلات.. الحكومة بتمسكهم ده حقيقى لكن الواحد لما بيفتكر أيام زمان بيزعل على هيبة المنطقــة والاحترام اللى راح». وفى «حارة الغجر»، أحد الأزقة المتفرعة من منطقة سوق العصر، تروى «لولا»، وهى سيدة تسعينية تبدو على ملامحها آثار الكبر، أنها عاصرت فتوات منطقة الغجر، حيث أطلق على السكان هذا الاسم نظراً لاشتباكهم فى الكثير من المعارك مع الآخرين: «عشت 50 سنة من عمرى من فترة الفتوات الحارة هنا ماكانش فيها حد يقدر يتعدى حدوده.. الستات كانت بتخرج فى الخناقات لكن مش زى دلوقتى.. الست زمان كانت بتدافع عن جوزها، لو واحدة مرات فتوة كانت بتخرج تدافع عنه، لكن دلوقتى بقت بلطجة وسرقة وأوكار مخدرات لولا وجود نظام وأقسام الشرطة كنا هنموت».
«محدش بقى بيختشى» كلمات قالها الحاج محمود أحمد، 70 سنة، من منطقة السبتية، وأضاف: «أنا عشت زمن الفتوات، صحيح كان فيه افترا وفرض إتاوات لكن فى الوقت نفسه كان فيه احترام فى كل منطقة وهيبة ماكانش فيه انتشار للجريمة، لكن دلوقتى غاب الاحترام، والبلطجى ممكن يتجاوز فى حق شخص أكبر منه ويبجح فيه»، ويذكر «عم محمود» أن أحد الفتوات القدامى أجّل أحد أفراح العائلة بسبب وجود عزاء فى الشارع: «ده كان قرار من الفتوة والكل كان بيحترمه لكن دلوقتى الفرح بيكون جنب العزا فى الشارع عادى جداً.. الدى جى مشغل مهرجان والشارع اللى جنبه صوان عزا».
محمود أحمد