نكبات "السرقة والتطرف" تعكر على المبدع صفو مهنته التاريخية
على طريق السفر بين المحلة الكبرى والقاهرة، يفكر عبدالرحمن أحمد الطويل، في الكنز الثمين، الذي ينتظره لدى الوصول، يعرف طريقه إلى قلب القاهرة التاريخية، يدلف إلى شوارعها وأزقتها متعمدًا المرور بكل مسجد، صغير كان أو كبير، هو ليس درويشًا، ولكنه عاشق للمنابر، يتحسس رسمها المتقن، يتأمل زخارفها، يتذكر أنها يدوية الصنع، فيشعر أنه لم يصل بعد إلى المستوى الذي يتمناه في مجال عمله وهو "النجارة العربية".
الطويل الذي ولد لعائلة اتخذت من "النجارة العربية" مهنة أسرية امتدت حتى الآن إلى أربعة أجيال، منذ الجد الكبير المولود عام 1905 وحتى الآن ، يستمتع بالسفر إلى القاهرة فقط للمرور على المساجد الأثرية قائلًا: "مزاج عندي، المساجد دي فيها تحف استحالة تتعمل النهاردة بالدقة والاتقان، الشبابيك والأسقف والأبواب والشغل، بصراحة إعجاز، مع العلم إنه مكنش فيه مَكَّن على أيامهم".[SecondImage]
مضت أيام الاتقان، هكذا ينظر الطويل الآن لحال "النجارة العربية" فعلى الرغم من قلة أعداد العاملين بها إلا أن ضغط الوقت والجهد والمال يجعل الصناع متعجلون على الدوام: "في المحلة أكتر من ألفين ورشة نجارة، النجارين العربي ستة أو سبعة بالكتير، المنبر ممكن يتعمل في شهر أو اتنين، والباب في يوم واحد أو اتنين، في حين إن جدي مثلًا قعد يعمل في منبر جامع مرة من رمضان لرمضان اللي بعده عشان كان فيه اتقان".
أصل المنابر أنواع :"حجم المنبر بيتوقف على حجم الجامع، في 3 درجات، أو 5 أو 7 أو 11، المهم يكون عددهم فردي زي عدد صلوات السنة، أما الحفر عليهم فبيكون رسم هندسي إسلامي قائم على أشكال زي السداسي والثماني، والمعشر، مع ذلك الشغل مش كتير ممكن أعمل في السنة الواحدة منبرين بس".
قلما يحب أحدهم ما يفعله، لكن "الطويل" يفعل، إلا أن الرياح دوما تأتي بما لا تشتهي السفن، فالرجل الذي "يواظب" على زيارة القاهرة التاريخية ليتعلم من إرث الأجداد، أصبح يتلقي أخبار متواترة حول سرقة المنبر، والتفريغ المستمر لحشوات النوافذ والأبواب والمنابر، تخريب يفسد على الطويل متعته، لكنه ليس المنغص الوحيد.
في أحد الأعوام استعان بعض المصريين المقيمين في مدينة "هاكنساك" في ولاية نيوجرسي بالأسطى الطويل، الذي فوجئ حين ذهب إلى هناك أن المسجد الذي سيعمل عليه كان معبدًا يهوديًا، باعه اليهود إلى المسلمين لإقامة مسجدهم، فيما انتقلوا هم إلى مكان أكبر، هكذا ببساطة دون حساسية أو أزمات، لم يكد الرجل يبتسم لحالة التسامح حتى جاءته أنباء الاعتداء على المعبد اليهودي في القاهرة من قبل متطرفين: "هناك في حرية، مفيش التطرف والحالة الصعبة دي، لما عرفت محاولة حرق المعبد حزنت، اللي بيحرق دا ما يعرفش قيمة الشغل اللي معمول جوا المكان، حاجات خدت مجهود سنين، من ناس ماتوا وسابوا وراهم تحف، بدل ما نتفرج عليها ونقدرها، نروح نحرقها! "حاجة مشينة".