المصريون ونظرية النيزك
آمنت لفترة ليست بالقصيرة بأن الثورة الشاملة على مؤسسات الدولة الفاسدة هي السبيل الوحيد لتحقيق العدالة الاجتماعية وتأسيس الدولة المصرية الحديثة، ثم كانت اللحظة الفاصلة في حياتي، عندما قضيت ما يزيد على 9 ساعات في محاولة بائسة للحصول على الوقود، إبان الأزمة الشهيرة قبل 30 يونيو، فتغيرت نظرتي تماما للأمور، وتغيرت معها الكثير من قناعاتي الشخصية.
رأيت بأم عيني إجماع المصريين على اختلاف طبقاتهم وثقافتهم وظروفهم الاجتماعية في ذلك اليوم، على مجموعة من التصرفات التي يندى لها الجبين، لذا دعونا نضع الشعارات الرنانة جانبا ونمارس القليل من جلد الذات.
للأسف الشديد، فإن الحقيقة التي نصر بشدة على إنكارها هي أن المواطن المصري انتهازي من الطراز الأول، دائم الشكوى، قليل الإنتاج، مصاب بعقدة الاضطهاد، ينتقد بحماس منقطع النظير ما قد يفعله هو شخصيا بنفس الحماس، يتلذذ بكسر القواعد واختراق القوانين، التي قد يكون الالتزام بها في بعض الأحيان أكثر سهولة من ممارسة ألاعيب التحايل على النظام، يتعامل مع الدولة دائما بمبدأ "اللي ييجي منه أحسن منه"، هو الموظف الوحيد في العالم الذي يذهب إلى عمله صباحا ليتناول إفطاره ثم يذهب لشؤونه الخاصة، ويعود وقت انتهاء مواعيد العمل الرسمية، وقد يتخلل هذه الطقوس القليل من قضاء حوائج المواطنين، وهو العمل الذي يؤديه بكثير من الامتعاض ونفاد الصبر.
يمكننا بسهولة أن نُسقط مؤسسات الدولة الفاسدة، ولكن هل تطهير الداخلية على سبيل المثال سيجعلنا من الدول المتقدمة في ليلة وضحاها؟ هل سيتغير شيء؟ أشك في ذلك، سنظل كما نحن طالما بقيت مؤسسة الفساد الكبرى، المواطن المصري، الذي ساعدته موروثاته من الفهلوة على أن يظل فاسدا.
لن تتغير مصر إلا بتغير أهلها..
فمتى يتغير المصريون؟
هل هو النيزك الذي سيأتي من الفضاء ليرتطم بنا، لينجو الأفضل والأنقى والأقدر على بناء الدولة الحديثة؟!
أم هي ثورة بحق في قطاعي التعليم والصحة، تنتج أجيالا قادرة على صناعة المستقبل؟!
على المستوى الشخصي، أجد نظرية النيزك أكثر قابلية للتصديق.