انفتاح «السداح مداح» فى عهد السادات: إصلاح ضل الطريق.. فانتهى بـ«انتفاضة الخبز»
مظاهرات مناهضة لقرارات الرئيس الراحل أنور السادات
يرى خبراء واقتصاديون أن للرئيس الراحل محمد أنور السادات جهوداً ومساعى اقتصادية إصلاحية، لم يُكتب لها النجاح، أو ربما ضلت طريقها، لأسباب عدة، منها قبوله باستئثار صندوق النقد الدولى وضع خطة الإصلاح الاقتصادى لمصر منفرداً، كما كانت سياسات «الصندوق» آنذاك، إلى جانب إيلائه اهتماماً أكبر بقطاعات التجارة والإسكان والسياحة، مقارنةً باهتمام أقل بقطاعى الزراعة والصناعة.
وربما كانت قرارات السادات الخاصة بتحريك أسعار بعض السلع المدعومة، فى خطوة نحو الاتجاه لإزالة الدعم على تلك السلع، أبرز القرارات المثيرة للجدل، حتى وقتنا الحالى، خاصة بعدما تم إجهاضها عبر انتفاضة شعبية وصفها مؤيدون بأنها «انتفاضة الخبز»، بينما وسمها السادات بأنها «ثورة الحرامية».
وعلى الرغم من الانتقادات العديدة التى وُجهت إلى سياسة «الانفتاح الساداتى» بشكل عام، التى اختصرها الراحل أحمد بهاء الدين بعبارة موجزة وبليغة بأنها سياسة «السداح مداح»، فإن هناك من يعتقد أن قرارات السادات الاقتصادية كان لها أثر بشكل أو آخر فى تحريك دفة الاقتصاد المصرى، وأنه لولا الانتفاضة ضد قرارات «تحرير الدعم» لكانت مصر قد اختصرت سنوات فى طريقها نحو ما يعتبر «تحرراً اقتصادياً».
وفى رأى الدكتورة شيرين الشواربى، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، فإن قرارات السادات برفع الدعم عن بعض السلع الغذائية «لم تكن خاطئة»، لكن المشكلة كانت فى التوقيت، مضيفة: «لولا خروج المصريين وقتها وتراجع السادات عن قرارات يناير، لكان الاقتصاد فى حال أفضل مما هو عليه الآن».
شيرين الشواربى: قرار صحيح فى توقيت خاطئ.. ومحمد البنا: لم يستهدف الفقراء بمشروعات تخفف من حدة القرار
وقالت «الشواربى»: «إن السادات كان مضطراً لتنفيذ برنامج صندوق النقد الدولى لإعادة هيكلة الدعم، فى توقيت عانى فيه الاقتصاد من تبعات حرب أكتوبر، وتدهور الأحوال جراء السياسات الاشتراكية، واعتياد المواطنين على دعم غير مشروط يستفيد منه غير المستحقين»، موضحة أنه «لولا أن الظروف السياسية وقتها كانت لا تساعد على اتخاذ مثل تلك القرارات، وتمتع الاشتراكيين بأرضية فى الشارع، لكانت قرارات يناير مرت بسلام».
وأشارت «الشواربى» إلى أن مظاهرات يناير لم تتسبب فى خسائر للاقتصاد فقط، لكنها ظلت «كابوساً» للحكومات التى تلتها، حتى جاء الرئيس السيسى، مضيفة: «حكومات مبارك ظلت مرتعبة من الاقتراب من ملف الدعم، خوفاً من تكرار ما حدث مع السادات، ما أدى إلى تفاقم الأزمة وتدهور الاقتصاد كثيراً».
وفى المقابل، قال الدكتور محمد البنا، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة بجامعة المنوفية: إن قرار السادات بالتراجع عن قراراته كان «صحيحاً وفقاً للظرف السياسى وقتها، ورغبة الشارع»، وأضاف أن رؤية البعض بأنه لولا التراجع لكان الاقتصاد حالياً فى وضع أفضل بمثابة «مغالطة».
وتابع البنا: مع اعترافنا بأن إعادة هيكلة الدعم كانت ستصبح أقل حدة لو تمت وقتها، إلا أن المشكلة تكمن فى أن الرئيس الراحل وقتها لم يعمل على رفع قدرات القطاع الخاص ليوفر فرص عمل ويقلل البطالة.
ويرى فخرى الفقى، الخبير الاقتصادى، أنه رغم بعض الانتقادات التى وجهت للسادات بعد إصداره القانون رقم 43 لسنة 1974، فإن القانون ساهم فى فتح باب الاقتصاد المصرى لرأس المال العربى والأجنبى فى شكل استثمار مباشر فى كل المجالات تقريباً، وفقاً للفقى.
واعتبر «الفقى» أن الرئيس الأسبق اضطر إلى اللجوء لصندوق النقد الدولى، لإعادة هيكلة الاقتصاد المصرى، وفى هذا الوقت كانت اشتراطات الصندوق تنص على أن «الصندوق» من يقوم بوضع خطة الإصلاح الاقتصادى فى أى بلد، بغض النظر عن الاعتبارات السياسية والاجتماعية، وعلى رأس تلك السياسات رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، منها الخبز والسكر والشاى والأرز والزيت والبنزين و25 سلعة أخرى من السلع المهمة فى حياة المواطن البسيط، ما أدى إلى انتفاضة يناير التى «هاج فيها الشعب» على سياساته بدعم من التيار اليسارى وقتها، والذى كان يرى فى السادات تجسيداً للرأسمالية، خاصة أن النمو الاقتصادى وقتها كان نمواً يعتمد على القطاع الخدمى بالدرجة الأولى، حيث لم تكن الأولوية فيه للزراعة والصناعة، وإنما للقطاعات مثل التجارة والإسكان الفاخر والسياحة.
وقال الدكتور عبدالمنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية: «إنه فى أعقاب حرب أكتوبر 73 كان الاقتصاد المصرى بحاجة إلى طفرة ترفع من معدلات النمو الاقتصادية، وهو ما دفع السادات إلى الاتجاه لتبنى سياسة الانفتاح وتحويل دفة التوجه الاقتصادى من الاشتراكية إلى الرأسمالية والاقتصاد الحر، وهو ما ترتب عليه رفع بعض الأسعار لتخفيض الدعم وتنفيذ إصلاحات اقتصادية، ليتم إجهاض تلك القرارات عبر تحركات الشارع».