نصف قرن من «المقاومة بالثقافة»: مصر حاضنة ملتقيات الفكر والنشر
المئات يتوافدون على معرض القاهرة الدولى للكتاب
من رحم النكسة وُلد «معرض القاهرة الدولى للكتاب»، ورغم الظروف السياسية العصيبة، التى مرت بها مصر، فى الفترة من 1967 وحتى 1969، قرر الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة حينها، إقامة الدورة الأولى، بالتزامن مع الاحتفال بمرور ألف عام على بناء القاهرة، وعهد إلى الدكتورة سهير القلماوى بتنفيذ الفكرة، ليصبح مقره فى أرض المعارض القديمة بمنطقة الجزيرة، وهو موقع دار «الأوبرا» الحالى.
وأخذ انطلاق المعرض طابعاً سياسياً منذ اللحظات الأولى، فبينما اعتبر أصحاب فكرته أن الثقافة وتبادل الخبرات المعرفية، من أهم وسائل مواجهة العدوان الصهيونى على أراضينا، وضعت الدولة المحتلة الناشرين الأجانب الذين أعلنوا مشاركتهم فى المعرض ضمن «قائمة سوداء»، وقررت حظر تداول ما يصدرونه من كتب ومؤلفات فى الأسواق الإسرائيلية.
ومنذ الدورة الأولى تتولى الهيئة المصرية العامة للكتاب عملية الإشراف على تنظيم المعرض، لتتسع آفاقه عاماً بعد عام، ويمضى من نجاح إلى نجاح أكبر حتى وصل إلى يوبيله الذهبى، حيث بدأت المشاركة بـ5 دول عربية وأجنبية، مثلها 100 ناشر، على مساحة 2000 متر، لتصبح الآن 27 دولة يمثلها أكثر من 850 ناشراً من جميع أنحاء العالم، لعرض كل ما ينشر من إصدارات فى الدول المشاركة.
وعقدت الهيئة الكثير من الصفقات والاتفاقيات، التى بدورها حولت المعرض من مجرد سوق لبيع الكتب إلى مهرجان ثقافى كبير يشارك به كبار رواد الفكر والأدب والفن، كما أصبح ملتقى للندوات والمناظرات والاحتفالات الفنية والثقافية واللقاءات الفكرية التى تميزت بالنقاش الموضوعى العميق فى مجال الثقافة.
بدأ المعرض رحلته الثقافية بأرض المعارض بالجزيرة منذ عام 1967 حتى عام 1983، ونظراً لضيق المكان وعدم استيعابه لزيادة الأعداد، التى تتوافد عليه سنوياً، تم نقله إلى أرض المعارض الحالية بمدينة نصر عام 1984 ليواكب نقله دورته السادسة عشرة، ويستمر المعرض بمدينة نصر حتى تتسلم منها القاهرة الجديدة اليوبيل الذهبى للمعرض، مواكبة للتطور الذى أصاب العالم بأكمله خلال الـ50 عاماً، حتى يستمر فى نجاحه ليستحق كونه معرضاً دولياً.
ثروت عكاشة الأب الروحى للمعرض.. و«اليونسكو» اعتبرته ثانى أهم 3 معارض دولية للكتاب
فى دورته الأولى والثانية عام «1969، 1970» افتتحه الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة وعرابه الأول، بحضور عدد من الوزراء وسفراء الدول الأجنبية وممثلى الهيئات الثقافية بالخارج ليواكب افتتاح الدورة الأولى منه الاحتفال بالعيد الألفى لبناء القاهرة تحت شعار «بناء الإنسان المصرى بعد نكسة يونيو والتحدى الكبير»، وأقيمت خلال المعرض عدة ندوات وحلقات دراسية حول المشكلات التى تواجه الناشرين.
وبانعقاد الدورة الأولى له، تحقق الهدف الأسمى للمعرض وهو التعريف والإعلان عن الهوية الثقافية المصرية لدى العالم، وكان عدد المشاركين به 5 دول بثلاث قاعات، وفى الدورة الثانية بدأت مشروعات النشر المشترك بين مصر والدول المشاركة بالمعرض، وتم التعاقد مع إيطاليا لطباعة موسوعة علمية للطفل.
وفى دورته الثالثة افتتحه الدكتور بدر الدين أبوغازى، وزير الثقافة الأسبق، وشارك فيه لأول مرة اتحاد الناشرين التونسيين، كما اشترك به الشاعر السورى الكبير نزار قبانى، حيث تم تخصيص جناح له ليتمكن من استقبال محبيه من رواد المعرض والتوقيع على دواوينه الشعرية لهم. ووضع «أبوغازى» الكثير من الخطط، التى استهدفت زيادة المشاركة فى المعارضة والإقبال عليه، حيث كانت تشارك فيه 22 دولة يمثلها 250 ناشراً، خصصت لهم 4 قاعات على مساحة 3000 متر.
وتسلم الراية، بعد «أبوغازى»، الدكتور عبدالقادر حاتم، وزير الثقافة والإرشاد القومى الأسبق، بافتتاح الدورتين الرابعة والخامسة عام 1972، 1973، وفى عهده اعتبرت اليونسكو عام 72 هو العام الدولى للكتاب، وأن معرض القاهرة يمثل ثانى أهم ثلاثة معارض دولية، وبالتالى أصبح المعرض المصرى دولياً، ووصل عدد الدول المشاركة فيه إلى 25 دولة.
بعد «حاتم»، جاء الأديب يوسف السباعى، وزير الثقافة والإعلام الأسبق، وافتتح الدورات السادسة والسابعة والثامنة، وهو أول من خصص مكتباً لتلقى طلبات الدارسين والمتخصصين، ثم خلفه الدكتور جمال العطيفى، وزير الثقافة الأسبق، الذى افتتح الدورة التاسعة، واستضاف معرض بولونيا للأطفال فى جناح مستقل كمعرض موازٍ.
وتولى حقيبة الثقافة، بعد «العطيفى»، الدكتور عبدالمنعم الصاوى، ليستمر على نهج السابقين له فى الاهتمام بالمعرض، ثم الدكتور منصور حسن، الذى افتتح المعرض فى دورته الثانية عشرة، ووقع اتفاقية مع الصين لإصدار سلسلة عن متاحف العالم، ولأول مرة عرضت الكتب الجامعية فى المعرض. ونجح الدكتور عبدالحميد رضوان، وزير الثقافة الأسبق، فى جذب كثير من الدول الأوروبية للاشتراك فى المعرض، ليصل عدد الدول المشاركة إلى 34 دولة.
وبافتتاح الدورة الثامنة عشرة للمعرض، برعاية أحمد هيكل، وزير الثقافة الأسبق، عُقد لأول مرة لقاء فكرى بين رئيس الجمهورية الأسبق، محمد حسنى مبارك، مع لفيف من رواد الثقافة ليزداد عدد زائرى المعرض بشكل ملموس.
وبدأ المعرض فى التحول إلى مهرجان ثقافى بتولى الفنان فاروق حسنى منصب وزير الثقافة، حيث اهتم طوال 22 عاماً قضاها فى المنصب بدعم مشاركة العروض الفنية والمسرح، وتنظيم الأمسيات الشعرية، ومعارض الفنون التشكيلية، وهو صاحب فكرة اختيار شخصية العام، التى حصل عليها نجيب محفوظ لأول مرة بعد فوزه بجائزة نوبل. وتوقف المعرض لأول مرة فى تاريخه بسبب ثورة 25 يناير 2011، ثم جاء وزير الثقافة الأسبق الدكتور شاكر عبدالحميد، وافتتح المعرض فى دورته الثالثة والأربعين، وبعده الدكتور محمد صابر عرب، ثم الدكتور جابر عصفور، إلى أن تولت الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة الحالية، الوزارة لتفتتح الدورة التاسعة والأربعين بمشاركة 1000 ناشر.