هانى توفيق: 12 مليون وحدة عقارية مغلقة فى مصر قيمتها 12 تريليون جنيه مجمدة يمكن أن تدر ربحاً 2.5 تريليون جنيه سنوياً
هانى توفيق، مؤسس الجمعية المصرية للأوراق المالية
قال هانى توفيق، مؤسس الجمعية المصرية للأوراق المالية، إن أوضاع البورصة المصرية تدهورت بشكل يدعو للأسى، فبعد أن كانت خامس أكبر بورصة فى العالم أصبح ترتيبها السابع عربياً، مضيفا: «لو اجتمع كل شياطين الإنس والجن على تدميرها ما فعلوا ما فعلناه».
مؤسس الجمعية المصرية للأوراق المالية: لو اجتمع كل شياطين الإنس والجن على تدمير البورصة ما فعلوا ما فعلناه
وحدد فى حوار لـ«الوطن» 3 أسباب رئيسة لهذا التدهور، منها عدم التفات الدولة لأهمية سوق المال وللنشاط الاقتصادى، وقال إن سعر الفائدة المرتفع جداً فى مصر مانع للاستثمار المباشر وغير المباشر، ولم يعد أمام أصحاب المدخرات سوى الاستثمار فى عقارات لا نحتاجها أو الإيداع فى البنوك التى تركز نشاطها الرئيسى على إقراض الحكومة، والنتيجة تضخم فى الدين العام وعجز فى الميزان التجارى ومستويات بطالة مقلقة، وأضاف أن السياحة انتعشت والاستثمار الأجنبى المباشر يتزايد واكتشافات الغاز واعدة جداً، ولدينا رئيس وطنى متحمس يريد أن يحقق طفرة فى البلد، وهناك إنجازات على يديه لا يمكن إنكارها، لكنى أتحفظ على الإفراط فى مشروعات العقارات والبنية التحتية، وتابع أن مصر فيها 12 مليون وحده عقارية مغلقة قيمتها 12 تريليون جنيه مجمدة كان يمكن أن تدر 2.5 تريليون جنيه سنوياً، مؤكداً أننا فى حاجة لمجلس اقتصادى أعلى يساعدنا فى تحديد الأولويات.. وإلى نص الحوار.
هناك ملايين المصريين الذين إما يجهلون دور البورصة أو ينظرون إليها بشكل متشكك وعدائى، فما الإسهام الحقيقى لسوق رأس المال فى الاقتصاد القومى؟
- الهدف الرئيسى من أنشطة البورصة هو تدبير تمويل للشركات، سواء كان هذا التمويل لشركات قائمة بالفعل بزيادة عدد الأسهم أو جار إنشاؤها عن طريق الاكتتاب العام، ويوفر سوق المال التمويل أيضاً عن طريق السندات، أى الاقتراض، وقد حققت البورصة هذا الهدف بكفاءة ووفرت التمويل المطلوب لكل الشركات المدرجة فى السوق، وغنى عن البيان أن هذا يعنى زيادة فى نشاط الشركات وفرص عمل وارتفاعاً فى مستوى المعيشة، أضف إلى ذلك أن البورصة تنعش الاستثمار المباشر، لأن وجودها يعنى سهولة خروج المستثمر من السوق فى أى وقت يريد، ويعنى انتعاش البورصة أيضاً فرص عمل لكل العاملين فى بنوك الاستثمار وشركات الأوراق المالية.
لماذا قلت على صفحتك فى الفيس بوك: «لو اجتمع كل شياطين الإنس والجن على تدمير البورصة ما فعلوا ما فعلناه»؟
- لأن أوضاع البورصة المصرية تدهورت بشكل يدعو للأسى، هل تعرف أن بورصتنا كانت خامس أكبر بورصة على مستوى العالم فى الخمسينات، من حيث حجم التداول والقيمة الرأسمالية للشركات المسجلة، والآن نحن سابع أكبر بورصة على مستوى الدول العربية، ويبلغ حجم القيمة الرأسمالية للبورصة السعودية 533 مليار دولار والإمارات 233 ملياراً وقطر 144ملياراً والكويت 96 ملياراً وجنوب أفريقيا 350 ملياراً والمغرب 150 مليار دولار، أما مصر فحجم القيمة السوقية لها 42 مليار دولار، وفى عام 2000 كان عدد الشركات المسجلة 1071، وتراجع هذا الرقم الآن إلى 225 فقط، بانخفاض قدره 75%، وفى عام 2000 كان إجمالى القيمة السوقية للبورصة يساوى 30% من الناتج المحلى الإجمالى، والآن القيمة السوقية تساوى 19% فقط، ومصر، التى كانت تمثل نحو 2.5% من مؤشر مورجان ستانلى للأسواق الناشئة، خرجت مؤخراً من المؤشر وعادت مرة أخرى لأسواق الهامش.
ومتى كانت بداية الخلل وتدهور أحوال البورصة؟
- بداية من الأزمة المالية العالمية فى العام 2008 ثم ثورة يناير 2011، وتوقف الحكومة عن برنامج الخصخصة، وتوقف القطاع الخاص عن أى طروحات جديدة خوفاً من حالة عدم اليقين وحكم الإخوان، ثم دخلنا مرحلة من سيطرة الدولة مرة أخرى على النشاط الاقتصادى، تاركة مساحة محدودة للقطاع الخاص، فاتجهت المدخرات إما إلى البنوك كودائع أو للقطاع العقارى الذى شجعته الدولة ودخلت فيه منافساً للقطاع الخاص.
وزير المالية أراد عقاب البنوك التى امتنعت عن شراء ديون الحكومة بأقل من 22% فائدة فزاد عليها الضرائب 2.5%.. والسعودية تعانى عجزًا وتقترض.. والأجواء فى الإمارات مخيفة وتشبه أجواء أزمة 2008 وحجم الشيكات المرتدة بلغ 26 مليار درهم فى 5 شهور فى دبى وحدها
تدهور أوضاع البورصة إذن مرتبط بالاضطرابات السياسية والاقتصادية محلياً وخارجياً؟
- أسباب التدهور كثيرة وغير خافية عن كل من يتابع البورصة بصفة خاصة والأوضاع الاقتصادية بصفة عامة، وإذا أردت الدقة، فهناك 3 عوامل أثرت سلباً على البورصة، أولها يتعلق بالبورصة مباشرة، وثانيها يتعلق بالاقتصاد المصرى ككل، وثالثها اعتبارات مرتبطة بالاقتصاد الإقليمى والعالمى.
دعنا نبدأ بالاعتبارات الخاصة بالبورصة؟
- كثيرة، ومنها على سبيل المثال كان هناك إعفاء ضريبى يعادل نحو 10% من رأسمال الشركة التى يتم قيدها فى البورصة، على غرار إعفاء الودائع فى البنوك، تشجيعاً لأصحاب الشركات على الانضمام للبورصة، وهذا الإعفاء أُلغى، وتم فرض ضريبة على الأرباح الرأسمالية، ثم تم تأجيلها وفرضوا بدلاً منها دمغة قيمتها 1.5 فى الألف على كل عملية، وهو ما يعنى أنه لو كنت مستثمراً كثيف التعامل، احتمال أن تخسر رأسمالك كله خلال عام واحد، ثم إن الشركة التى تكسب تدفع ضريبة مقدارها 10% على التوزيعات، بجانب ذلك المنغصات الكثيرة التى تلاحق بها إدارة البورصة الشراكات المقيدة تحت بند الإفصاح، أى إن إعفاءات ضريبية على القيد والتداول وتوزيع الأرباح تم إلغاؤها، أضف إلى ذلك فرض ضرائب عقارية جديدة على الوحدات السكنية والصناعية، ما يؤثر على أرباح المصانع والشركات العقارية ويقلل من جاذبيتها، وكل هذا قتل أى رغبة فى القيد والتداول.
كل صاحب نشاط يحقق ربحاً يدفع ضرائب، فلماذا ندلل المستثمر فى البورصة؟
- المسألة ليست تدليلاً ولكنها تشجيع على انتعاش البورصة الذى كما قلت لك توفر فرصاً لجميع العاملين فى بنوك الاستثمار وشركات الأوراق المالية، وتشجع على الاستثمار المباشر، فعندما يأتى من يعرض على مستثمر فرصتين إحداهما فى السودان والأخرى فى المغرب، ودراسة الجدوى تقول إن العائد واحد، سيفضل المغرب لأن التخارج نتيجة وجود بورصة نشطة هناك أسهل وأفضل، ثم فى النهاية هذه الضرائب أدت لعزوف الناس عن البورصة ولم تحصل الدولة العائد الذى كانت ترجوه.
«السيسى» رئيس وطنى متحمس يريد تحقيق طفرة فى البلد وهناك إنجازات على يديه لا يمكن إنكارها والسياحة انتعشت والاستثمار الأجنبى المباشر يتزايد واكتشافات الغاز واعدة
ما كواليس الخلاف بين وزارة المالية والبنوك حول طريقة احتساب الضريبة على عوائد أرباح الاستثمار فى أذون الخزانة؟
- منذ نحو 4 شهور والبنوك تعزف عن الاكتتاب فى عطاءات أذون الخزانة التى يطرحها البنك المركزى مرتين أسبوعياً بهدف تمويل عجز الموازنة، البنوك، التى تريد زيادة أرباحها، تطلب عائداً قدره 22%، ووزارة المالية ترفض الاقتراض بأكثر من 19.99% ولا تريد أن ترى رقم 20%، واضطرت الحكومة لحل المشكلة إما بطباعة بنكنوت أو اللجوء لبنك الاستثمار القومى لشراء الأذون المطروحة، ومع إصرار البنوك على موقفها، أراد وزير المالية معاقبتها بإعادة طريقة الحساب الضريبى لأرباحها، فقد كانت البنوك تفصل بين نشاطها فى أذون الخزانة وباقى أنشطتها، فهى تستثمر فى أذون الخزانة وتدفع عنها 20% ضريبة، وتدفع عن الأرباح المتحققة عن باقى أنشطتها 22.5%، وطلب وزير المالية منها إدخال تعاملاتها على أذون الخزانة مع إجمالى الأنشطة، ما يعنى عملياً أنه زاد عليها الضريبة من 20% إلى 22.5%، وبما أن أذون الخزانة تشكل نحو 75% من أرباح البنوك، فإن هذا يعنى أن هذه البنوك سوف تتحمل زيادة كبيرة فى الضرائب.
كم بلغت أرباح البنوك العام الماضى؟
- 66 مليار جنيه اضربها فى 2.5% ستصل لنحو 3 أو 4 مليارات جنيه ضرائب زيادة فى الضرائب لم تكن البنوك تدفعها من قبل.
و ما الاعتبارات التى تتعلق باقتصاد البلد وتؤثر سلباً على أداء البورصة؟
- نشاط البورصة وثيق الارتباط بالاقتصاد الكلى، ولذلك من غير الوارد مثلاً أن تقنع مستثمراً أن يذهب لقيد شركته أو الاستثمار فى بورصة دولة متخلفة اقتصادياً كما هو الحال فى الصومال أو تشاد مثلاً، وفى تقديرى فإن مؤشرات الاقتصاد الكلى مقلقة جداً، فالدين العام يتزايد وعجز الموازنة ما زال مرتفعاً جداً، ولدينا سعر فائدة مرتفع جداً بشكل يجعله مانعاً للاستثمار، وكل ذلك ينعكس سلباً على البورصة، بالإضافة إلى أن البديل الطبيعى للبورصة لكثير من الناس هو الادخار فى البنوك، وهذا ما حدث فقد ترك عدد كبير من الناس البورصة، بل وصفى بعضهم أعماله، كما حدث مع أصحاب ورش النجارة فى دمياط، وجلسوا على المقاهى انتظاراً لفائدة الـ20%، وكان رفع سعر الفائدة منذ بداية قرار التعويم نتيجة انخفاض سعر العملة خطأ فادحاً، لأن التضخم الذى حدث كان نتيجة قرار خفض العملة وليس زيادة الطلب.
الصينيون مقبلون إلينا بكثافة حتى يتمكنوا من الالتفاف على العقوبات الأمريكية والتصدير للولايات المتحدة من خارج حدودهم.. وحجم التضخم 3% بالولايات المتحدة و16% فى مصر ما يعنى ضرورة خفض الجنيه لـ13% من قيمته
وماذا عن إشادات صندوق النقد والبنك الدولى ووكالة «فيتش» وغيرها؟
- تقديرى أن إشادات صندوق النقد والبنك الدولى ووكالة «فيتش» وغيرها مسيسة، وتتحكم فيها الولايات المتحدة وقد كانت هناك نفس الإشادات بالاقتصاد التركى قبل انهيار عملته مؤخراً، والدليل على كلامى أن ترتيب مصر فى تقرير التنافسية الأخير فى بند «سياسات ومؤشرات الاقتصاد الكلى» الـ135 من 140 دولة، فمستوى التعليم سيئ، ومعدلات الاقتراض أسوأ، والنتيجة أن الشركات ليس لديها أى حافز للعمل فى البورصة.
كيف يؤثر عجز الموازنة والميزان التجارى وارتفاع الدين العام على البورصة؟
- يؤدى عجز الموازنة والميزان التجارى وارتفاع الدين العام إلى ارتفاع التضخم والبطالة ونقص السيولة ما يؤثر سلباً على الاستثمار فى البورصة.
وكيف أثرت التطورات الاقتصادية إقليمياً وعالمياً على البورصة؟
- هناك أزمات كثيرة حولنا، فالاتحاد الأوروبى مأزوم، ورأى أن خروج بريطانيا منه مقدمة لانهياره كله، وأتوقع انهياره منذ سنوات، «حيث مينفعش يكون عندك سياسة نقدية واحدة يحددها البنك المركزى الأوروبى وسياسات مالية مختلفة، ماذا يفعل البنك الأوروبى حين يجد بلد يكون عنده تضخم عالى وآخر عنده تضخم منخفض، يرفع الفائدة أم يخفضها؟!» زارنى مؤخراً صديق ألمانى يعمل فى بنك دويتشه ألمانيا، وقال لى: لماذا يجب علىّ أن أعمل حتى سن الـ65 لأنفق على رجل يتقاعد فى اليونان عند سن الـ52؟!.
وتعانى دول الخليج من أزمات غير مسبوقة، فمن كان يصدق أن السعودية ستعانى من عجز وتضطر للاقتراض كما يحدث الآن؟ والأجواء فى الإمارات تشبه أزمة العام 2008، ففى الشارقة أفلس بنك «انفست» وأفلست سلسلة سوبر ماركت شهيرة فى عجمان، وحجم الشيكات المرتدة نتيجة عدم القدرة على السداد بلغ 26 مليار درهم فى الشهور الخمسة الأولى من العام الحالى فى دبى وحدها، وانخفضت أسعار العقارات بنسب تتراوح بين 40 و 60% نتيجة نقص السيولة وضعف القدرة الشرائية، نتيجة عوامل متعددة منها الإفراط فى الاستثمار العقارى، وأزمات خارجية مثل الخلاف مع قطر، أضف إلى كل ذلك أزمة عامة فى الأسواق الناشئة وحرباً تجارية بين الصين والولايات المتحدة.
حملة الدولة لعلاج فيروس «سى» مذهلة.. الدواء الذى كانت قيمته مليون جنيه حصل عليه المواطن بـ600 جنيه.. ثم قدمته الدولة مجاناً
وكيف ينعكس كل ذلك سلباً علينا؟
- تحرمنا أزمات دول الخليج من المستثمرين التقليديين فى سوق المال وفى الاستثمار المباشر أيضاً، وفى التسعينات عندما كنا نروج لشركة ما، كنا نجمع التمويل المطلوب فى يوم واحد من المستثمرين فى هذه الدول، وصار الآن أمراً صعباً جداً، وجزء لا يستهان به من المستثمرين فى البورصة عبارة عن صناديق استثمار أجنبية متخصصة فى الأسواق الناشئة، وأى أزمة فى الأسواق الناشئة تؤثر علينا.
ما الأسواق الناشئة؟
- تقسم أسواق المال من حيث نضوجها ومؤشراتها إلى 3 أنواع، أسواق متقدمة مثل بورصتى لندن ونيويورك، وأسواق ناشئة مثل تركيا والسعودية والبرازيل، وأسواق الهامش «frontier»، وهى الأسواق المرشحة بعد تحسن ظروفها للانضمام للأسواق الناشئة، وأهم شىء فى السوق الناشئة حجم رأسمال السوق مقارنة بالناتج المحلى الإجمالى، ومؤشرات الاقتصاد الكلى التى يجب أن تبث الطمأنينة فى سياسات الدولة من حيث الشفافية وآليات اتخاذ القرار، ولا يمكن لبلد مثل كوريا الشمالية مثلاً، التى تصنف ضمن الأسواق الخطرة، أن تدخل المؤشر، لأنه لا ينصح للمستثمر بالعمل فيها، والسبب فى ذلك أنه لا أحد يعرف آلية اتخاذ القرار هناك، ولا يستطيع أحد أن يتوقع ما يمكن أن يحدث فيها غداً، ويفضل مديرو الصناديق الأجنبية أن يشتروا (مكونات) مؤشر مورجان ستانلى للأسواق الناشئة «على بعضه»، ما يعنى أنه عملياً يشترى 2.5% من مصر و4% من السعودية و3% من البرازيل، وعندما يفقد المستثمر شهيته لهذه الأسواق الناشئة لأى سبب، يبيع أيضاً المؤشر كله ومنها استثماراته فى مصر قبل أن تخرج من المؤشر مؤخراً.
ولماذا فقد المستثمر الأجنبى شهيته للأسواق الناشئة؟
- بسبب قرار «الفيدرالى الأمريكى» برفع أسعار الفائدة عدة مرات متتالية فى مقابل فائدة سالبة فى أوروبا، بالإضافة إلى أن الحرب التجارية بين الصين وأمريكا معناها أن أمريكا ستأخذ بضائع أقل من الصين ومن أسواق محيطة ومرتبطة بالصين، الأمر الذى من المتوقع أن يؤدى لتباطؤ فى الأسواق الناشئة، هذه التوقعات دفعت كثيراً من المستثمرين للهرولة للسوق الأمريكى قبل أن تدركهم الخسائر، خصوصاً أن أداء أسهم الأسواق الناشئة كان جيداً لعدة سنوات، وطبيعى أن الانتعاش يتلوه انحسار، والسوق فى هذه الحالة تحتاج لأى «قشة» أو شرارة حتى تنهار.
هل صحيح أن الحرب التجارية بين بكين وواشنطن قد تحمل لنا أخباراً سعيدة؟
- ما علمته من أكثر من مصدر أن الصينيين مقبلون إلى هنا بكثافة، هرباً من العقوبات الأمريكية عليهم، حتى يتمكنوا من التصدير لأمريكا من خارج الصين، وهذه أخبار سعيدة جداً.
ما أكثر ما يقلقك على سوق المال الآن؟
- يقلقنا أمران، عدم التفات الدولة لأهمية سوق المال والبورصة للنشاط الاقتصادى، إعفاء ضريبى ولو صغير ينعشها ويأتى إليك برؤوس أموال كثيرة، كاستثمارات مباشرة وغير مباشرة، الأمر الثانى عدم وجود تفاؤل كبير بإمكانية تحسن المؤشرات الاقتصادية فى مصر قريباً، والكثير من المستثمرين خرجوا من البورصة، وبعضهم فضل الاستثمار فى أذون الخزانة لأنها تعطى عائداً ممتازاً مقداره 15% صافياً، ويمكن أن يصل إلى 25% صافياً إذا حصلت على رافعة (أى قرض) بالدولار من بنك أجنبى، وما يزيد من جاذبية هذا النوع من الاستثمارات تثبيت البنك المركزى عملياً لسعر الجنيه أمام الدولار عند 17.90 جنيه.
بورصتنا كانت خامس أكبر بورصة على مستوى العالم فى الخمسينات والآن نحن سابع أكبر بورصة على مستوى الدول العربية.. وأوضاع البورصة المصرية تدهورت بشكل يدعو للأسى.. وفى غيابها ليس أمام أصحاب المدخرات الصغيرة إلا إيداع أموالهم فى البنوك
ماذا تقصد بتثبيت سعر الجنيه الذى تم تعويمه منذ نوفمبر 2016؟
- سعر أى عملة يحسب بطريقتين، إما معادل القوة الشرائية أو العرض والطلب، والطريقتان تظهران أن الجنيه مقوم بأكثر من قيمته الحقيقية، فالطلب أكبر بكثير من المعروض، والتضخم فى أمريكا فى حدود الـ3% مقارنة بنحو 16% فى مصر، ما يعنى ضرورة خفض الجنيه لـ13% من قيمته، وهذا ما لا يحدث، وكأننا لم نتعلم من دروس الماضى، فقد ظل الجنيه أقل من 9 جنيهات من 2002 وحتى 2016 عندما تم خفضه إلى 17.90.
عموماً كل هذا يجب ألا ينسينا أنه لن ينقذنا إلا العمل والإنتاج وليس إجراءات السياسة النقدية.
هناك بالفعل حركة إنتاج واسعة ومشروعات ضخمة؟
- صحيح لكنى أتحفظ على تركز معظم هذه المشروعات على العقارات وليس على مشروعات صناعية، ولك أن تعرف أن نسبة مساهمة هذا القطاع وصلت إلى 16% من الناتج المحلى الإجمالى، مقابل نحو 5% فى كثير من دول العالم، وتقديرى أن حاجتنا للمشروعات العقارية ليست كبيرة، مصر فيها 12 مليون وحدة عقارية مغلقة، ولو قلنا إن متوسط سعر الوحدة مليون جنيه، يكون إجمالى قيمة هذه الوحدات غير المستغلة 12 تريليون جنيه، ولو افترضنا، بمنطق تكلفة الفرصة البديلة، أننا وضعنا هذه الأموال الضخمة فى البنك بنسبة تدر نحو 20% فائدة، فإن العائد يكون فى حدود 2.5 تريليون جنيه سنوياً تضخ فى مشروعات مختلفة تنفع البلد.
أين يذهب أصحاب المدخرات الصغيرة؟
- فى غياب البورصة ليس لهم أى منفذ الآن إلا إيداع أموالهم فى البنوك، لكن لو انتعشت البورصة يمكن أن يجد الجميع فرصاً للاستثمار والكسب مهما كانت مدخراتهم، أضعف الإيمان شراء وثيقة فى صندوق استثمار عقارى يستثمر فى بناء مول تجارى أو مبنى إدارى ويحصل المدخر الصغير على حصته من عائد الإيجار 4 أو 5%.
وأين هذه الصناديق؟
- للأسف غير موجودة الآن، فقد سمحت البورصة منذ سنوات بإنشاء صناديق الاستثمار العقارى لخدمة أصحاب المدخرات الصغيرة، لكنها خضعت لضريبة عقارية وضريبة أرباح تجارية عن إجمالى الأرباح المتحققة فى نهاية العام وضريبة على توزيع الأرباح وأتعاب لشركة إدارة وشركة خدمات عقارية (أمن ونظافة إلخ) وأتعاب مستشارين ماليين ومستشارين قانونيين ومقيمين عقاريين ومراجعين للحسابات، ما يعنى أنه لو تمكن هذا الصندوق فى النهاية من تغطية تكاليفه «يبقى كويس»، وقتها قلت للمسئولين نبدأ من حيث انتهى الآخرون هناك فى الخارج هذه الصناديق المعروفة باسم real estate investment trust وهى معفاة من الضرائب تماماً، بشرط أن توزع على الأقل 80% من أرباحها لحملة الوثائق، أعطونا إعفاء ضريبياً حتى تشجعوا الناس، ولكن لا حياة لمن تنادى، هناك انفصال تام بين التنفيذيين ومن يعملون فى السوق ويعرفون حقيقة الأوضاع.
لكن ألا ترى شيئاً إيجابياً فى كل ما يجرى؟
- هناك إنجازات لا يمكن لأحد إنكارها، أوضحها للعيان استعادة الأمن وتنامى الاهتمام بالإنفاق على الصحة والتعليم، وما حدث فى حملة علاج فيروس سى شىء مذهل، علاج كانت قيمته مليون جنيه يصبح بـ600 جنيه فقط، ثم بعد ذلك تم تقديمه مجاناً، والسياحة انتعشت والاستثمار الأجنبى المباشر يتزايد واكتشافات الغاز واعدة جداً، وكذلك مشروع محور قناة السويس، وسياساتنا الخارجية متوازنة حفظت لنا سلامتنا بعيداً عن صراعات المنطقة، وطبعاً لدينا رئيس وطنى متحمس يريد أن يحقق طفرة فى البلد، وحتى الاستثمار فى البنية التحية أمر إيجابى ومهم، ووجهة نظرى فقط أن التركيز عليها ليس من الأولويات، وأعتقد أننا فى حاجة لمجلس اقتصادى أعلى يساعدنا فى تحديد هذه الأولويات.