بروفايل| «مـُحمد» «صلى الله عليه وسلم»
ليلة ليست ككل ليلة، حول «البيت العتيق» يتجمع الناس، فيتناقلون آخر ما وصلهم من أخبار عن ملك الحبشة، ذلك الذى جاء مكة غازياً فى عامهم، مستعيناً بفيل عظيم، فدحر هو وفيله، حتى استحق العام أن يحمل اسم «عام الفيل». فى الطرقات يطوف أحد أحبار اليهود بأبناء عشيرته ليسألهم فى إلحاح «هل وُلد فيكم صبى؟». فى منزله يجلس العم عبدالعزى بن عبدالمطلب «أبولهب»، منتظراً الخبر من بيت أخيه «عبدالله»، الذى رحل، تاركاً خلفه أرملة صغيرة تحمل فى أحشائها جنيناً منه. من النوم ينتبه الجد «سيد مكة» عبدالمطلب بن هاشم، على حلم غريب؛ كأن نوراً عظيماً انفلت من ظهره فأضاء ما بين الأرض والسماء. على الفراش ترقد الأرملة، آمنة بنت وهب، بلا حول ولا قوة بعد أن جاءها المخاض، عما قليل سيخرج المولود للدنيا يتيماً، لا حظ له فى أب يرعاه، لحظات قليلة قبل أن ينزلق الجنين نفسه بين قدميها، تقول الجارية الحبشية «ثويبة»، التى حضرت الولادة إنه «كان ساجداً، شاخصاً ببصره للسماء، فى وجهه نور عظيم». تنطلق الجارية إلى العم لتبشره، فتتلقى مكافأتها «أنت حرة يا ثويبة». نفس البشارة يتلقاها الجد، ينفض النوم عن جفونه، ويفتح فمه للمرة الأولى «سأسميه محمداً، حتى يحمده من فى الأرض ومن فى السماء».
الصغير يحمله الجد، يطوف به البيت الحرام، قبل أن يدخل وإياه إلى جوف الكعبة، يردد هامساً «الحمد لله الذى أعطانى، هذا الغلام الطيب الأردان، أعيذه بالبيت ذى الأركان، من كل ذى بغى وذى شنآن». خارج الكعبة يتجمع الأعمام العشرة لينظروا ابن أخيهم، هل يعرف الأعمام، أو حتى يعرف غيرهم ممن يسكنون تلك المدينة الغارقة فى قلب الصحراء، أن ذلك اليتيم، سيكون له شأن فيما سيتلو ذلك من أعوام؟ هل يملك أحد أن يفسر للجد حلمه، فيخبره بأن النور الذى شاهده يخرج من ظهره، ليس سوى ذلك الطفل، الذى سيرفع الله ذكره فى العالمين؟ هل يدرك العم أن ابن أخيه سيتلقى النبوة، فيهبط الوحى عليه من فوق سبع سماوات، داخل غار مقفر، حاملاً معه رسالة للبشرية كلها فى صورة كلمات؟ هل فيهم من يبلغ حبر اليهود بمولده، فيعرف أن النبى المنتظر لن يكون فى بنى إسرائيل، وأن «دعوة إبراهيم»، و«نبوءة موسى»، و«بشارة عيسى»، ستتحقق، بولادة الطفل فى بيوت العرب؟ هل يسافر أحدهم فى الزمن ليرى بعينيه كيف يصبح اليتيم الفقير، معلماً للبشرية، يتناقل الملايين فى كل بقاع الأرض سيرته العطرة، ويسيرون على هدى كلماته التى بلّغها عن رب العزة، ويصلون عليه فى صلواتهم، ويحتفلون فى كل عام باليوم الذى ولد فيه، وولد معه الهدى للعالم كله؟