الفن «مش محتاج عينين»
مكاوي والشريعي
أنعم الله سبحانه وتعالى على فاقدى البصر «المكفوفين» بنعم أخرى لا تعد ولا تحصى، ربما أبرزها قوة السمع وموهبة تعلم الآلات الموسيقية بشكل أسرع، لذا ظهر فى مصر على مدار السنوات الـ90 الماضية، عدد من المكفوفين أثروا الحياة الموسيقية بآلاف الأغنيات والأعمال الفنية الخالدة التى سيظل يذكرها التاريخ.
أبرز المكفوفين الذين استطاعوا أن يتركوا بصمة فى مجال الموسيقى الشيخ إمام عيسى الذى يعد واحداً ممن تغنوا لمصر، واستخدمت أغنياته فى الثورات المصرية.. «إمام» لم يولد كفيفاً بل أصيب بفيروس فى عينه خلال سنواته الأولى، وتم علاجه بطريقة خاطئة على أثرها أصيب بالعمى، وبدأ احتراف الموسيقى بعد أن حفظ القرآن الكريم وتعلم الإنشاد الدينى وتلاوة القرآن، وتعرف على الشيخ زكريا أحمد الذى اتخذه مساعداً له فى حفظ الألحان، لكن «إمام» كان يحرق تلك الألحان ويسربها للناس، ما أدى إلى الاستغناء عنه، ومن هنا قرر تعلم العزف على العود واحتراف الغناء.
الانطلاقة الحقيقية كانت عام 1962 وقت أن التقى بالشاعر أحمد فؤاد نجم وقدما معاً أهم أعمالهما الغنائية «أنا أتوب عن حبك أنا؟»، ثم «عشق الصبايا»، و«ساعة العصارى».
«إمام ومكاوى والشريعى».. شافوا الحياة بـ«الودن»
أما ثانى أبرز المكفوفين الذين سطعوا فى سماء الفن والموسيقى فهو شيخ الملحنين، سيد مكاوى، الذى أنعم الله عليه منذ صغره بموهبة الغناء وتم اعتماده وهو فى عشرينات عمره بالإذاعة المصرية وتكليفه بغناء الأعمال التراثية ثم الأغنيات الدينية فقدم «حيارى على باب الغفران». شهرة مكاوى جاءت مع لحن قدمه للفنانة شريفة فاضل هو «مبروك عليك يا معجبانى يا غالى»، إلى أن قدم بعدها ألحاناً لكل المطربات أمثال ليلى مراد وشادية وصباح ووردة وأغنيته الخالدة مع كوكب الشرق أم كلثوم «يا مسهرنى»، كما قدم مع الجيل الجديد أمثال سميرة سعيد أغنية «بعدين نتعاتب».
ومن عظماء المكفوفين، الراحل عمار الشريعى، الذى يعد أبرز الموسيقيين الذين ظهروا فى فترة السبعينات إلى نهاية العشر سنوات الأولى من الألفية. قدم «عمار» خلال مسيرته مئات الألحان وقدم عشرات التترات للأعمال الدرامية وكون واحدة من أهم الفرق الغنائية التى عرفتها مصر، وهى فرقة الأصدقاء عام 1980، وكان العنصر الرئيسى فى كل احتفالات الجمهورية عبر فترة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وتناولت أعماله العديد من الرسائل العلمية لدرجتى الماجستير والدكتوراه فى المعاهد والكليات الموسيقية بلغت 7 رسائل ماجستير و3 رسائل دكتوراه من مصر فى كلية التربية الموسيقية، جامعة حلوان، وكلية التربية النوعية، جامعة القاهرة، ومعهد الموسيقى العربية بأكاديمية الفنون، ورسالة دكتوراه من جامعة السوربون بفرنسا.
يتحدث زين نصار، أستاذ بقسم النقد الموسيقى بالمعهد العالى للنقد الفنى بأكاديمية الفنون بالقاهرة، عن بزوغ نجومية المكفوفين فى عالم الموسيقى، قائلاً: «الله يعطى كل إنسان ميزة تميزه عن باقى أقرانه من البشر، وحينما يحرم الله تعالى فرداً من عباده من نعمة مهمة يعوضه بنعمة أخرى، لذا فإن المكفوفين دائماً ما تكون لديهم أحاسيس جياشة تدفعهم إلى حب الموسيقى والغناء والفن بصفة عامة»، وأضاف: «لو تحدثت عن أبرز المكفوفين الذين سطعوا فى عالم الموسيقى فسأختار الموسيقار عمار الشريعى الذى أحدث ثورة فى عالم الموسيقى، فهو عبقرى، يكفيه أنه أول من عرَّب آلة الأورج الغربية، ونجح بالتعاون مع شركة ياماها اليابانية فى استنباط ثلاثة أرباع التون من الآلات الإلكترونية.