نص كلمتي تواضروس وماكرون بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية
ماكرون وتواضروس
رحب البابا تواضروس، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماركون، أثناء زيارته للكاتدرائية المرقسية في العباسية.
وجاء في كلمة البابا تواضروس الترحيبية: "مرحبا بك على أرض مصر الأرض المقدسة، مصر صاحبة التاريخ الطويل والحضارة العميقة، بكل جوانبها المسيحية والإسلامية والعربية وحضارة البحر المتوسط، التي تجمع مصر وفرنسا بصداقة قوية وممتدة بين الشعبين في كل المجالات، بالإضافة لوجود رابط ثقافي قوي بين البلدين، موجود في التاريخ والتعليم والثقافة واللغة".
وأضاف تواضروس: "ففي قلب باريس توجد المسلة المصرية المشهورة، وهنا في مصر كتاب وصف مصر الذي سجله علماء فرنسيين وسار من أهم مراجع التاريخ المصري، وسبقه رحلات عديدة سجلها التاريخ من رحالة فرنسيين، وصفوا مشاهد الحياة المصرية الثرية في كل أشكالها الحضارية والزراعية والاجتماعية، بالإضافة لكتاب وأدباء مصريين كتبوا قصهم وأدبهم وهم يدرسون في فرنسا".
واستكمل تواضروس: "وفي هذا الصدد أتذكر مبعوثا فرنسيا زار مصر منذ عدة شهور، الذي زار الأديرة المصرية في وادي النطرون، وتحدثنا عن دور المكتبات التعليمية وأهمية حفظ التراث مع ضرورة مساندة فرنسا لمصر في تسجيل مسار رحلة العائلة المقدسة في قائمة التراث العالمي في هيئة اليونسكو".
وتابع: "إن الكنيسة القبطية الأرزوكسية واحدة من أقدم كنائس العالم، التي تأسست في القرن الأول الميلادي في مدينة الإسكندرية، المدينة متعددة الحضارات والثقافات، ومنها انتقل الإيمان المسيحي لأفريقيا، وبلاد أخرى كثيرة، وفي أحضان الكنيسة المصرية نشأت حياة الرهبنة والحياة الديرية منذ القرن الثالث الميلادي وكان أول راهب مصري من جنوب الوادي، وتزخر بلادنا بالعديد من الأديرة الغنية بالتراث الروحي والكنسي عبر الأجيال".
وأردف، "إنني أشكركم على اهتمامكم البالغ بالشؤون البيئية، وبكل الجهود التي تقومون بها في سبيل الحفاظ على البيئة، وحرصكم القوي على تنفيذ اتفاقية باريس للحد من الاحتباس الحراري المتزايد، فإننا أيضا في الكنيسة المصرية نهتم بالبيئة، وعلى سبيل المثال نتعلم دائما احترام نهر النيل، الذي جعل المصريين يعيشون حوله، متوحدين بوحدة فريدة، ولقد احتفلنا منذ أيام قليلة بعيد الغطاس الذي نقدس فيه مياه النيل، ونكرر هذا القداس 3 مرات في العام كدعوة لاحترام مياه النهر الخالد، والنظام السنوي للكنيسة المصرية يقوم على أسس زراعية وحفظ البيئة من هواء وماء وصناعات وثمار".
وأضاف تواضروس: "إننا نرحب بكم في بلادنا مصر، وهي تخوض خطة طموحة في التنمية والتنمية المستدامة من أجل بناء مستقبل مشرق، وإذ نتابع بكل اهتمام زيارتكم الحالية لمناطق الآثار المصرية بجنوب الوادي وأيضا لقاءكم مع الرئيس عبد الفتاح السيسي والمسؤولين المصريين، ونعتز بزيارتكم لكاتدرائية ميلاد المسيح ومسجد الفتاح العليم بالعاصمة الإدارية الجديدة، العاصمة التي تبنيها مصر، والتي تعبر عن الإرادة المصرية القوية، حيث نعمل جميعا لبناء مصر الحديثة، ونرجو أن تتكرر الزيارة وأتمنى لكم وقتا ممتعا وزيارة سعيدة".
وقال البابا تواضروس، إن الكنيسة القبطية المصرية باعتبارها واحدة من أقدم المؤسسات في مصر، هي كيان شعبي قديم، ونرى أن المشكلة الأولى في المجتمع هي مشكلة التعليم بكل جوانبه، والتعليم هو مشكلة الحل، "الاقتصاد مرتبط بالبيئة والربط بينهما لا يتم إلا بالتعليم، ونحن نعاني من الزيادة السكانية، وهي تؤثر على التنمية في مصر، ولكن التعليم يساعد، وفرنسا لها باع طويل في هذا الأمر، والمدارس الفرنسية في مصر لها تأثير قوي في جودة التعليم، ونحاول أيضا من خلال الكنيسة والمشروعات الصغيرة إقامة المدارس والعيادات والمستشفيات التي تساهم في الرعاية الصحية".
وأضاف تواضروس، أن السلام والاستقرار لا يأتي إلا من الحوار، "كما تعلم أن العلاقات الإنسانية يمكن أن تقوم في 3 مجالات علاقات الحوار والشجار والتصادم، وهو غير مقبول، لأننا نريد التعاون بين البشر، وعلاقات الجدار وعدم الاستماع للآخر وعدم فهم الآخر، ولذلك نعتمد على أهمية الحوار، ولدينا مجلس كنائس مصر يحوي 5 أعضاء تشمل الكنائس المصرية هنا، وبيت العائلة وهو مدرسة بين الكنيسة والأزهر، ويوجد حوار اجتماعي دائم يساهم في الاستقرار".
واستكمل: "الغرب يمثل عقل العالم والشرق يمثل قلب العالم، وبين العقل والقلب حوار يحب أن يستمر لدينا مبادئ وقيم وتقاليد، ويجب أن يتم فهم عقلية الشرق والتاريخ هنا هام جدا، ونرحب بكل تعاون يمكن أن تقدمه فرنسا، ونعتبر فرنسا من أقرب الدول التي تفهم مصر وتعرفها وتدرسها، ولذلك الحوار والتعليم جعل السلام القضية المستقرة، وكنائسنا تعرضت لهجمات إرهابية كثيرة، وهذه الهجامت ضد الوحدة الوطنية الموجودة في مصر، ونحن نعيش حول نهر النيل جميعا، وهذا هو سر قوتنا ووحدتنا".
وقال البابا تواضروس لماكرون: "عندما تتجول في شوارع القاهرة، وفي أي مكان بمصر لا تستطيع التفرقة بين مصري مسلم، ومصري مسيحي إلا فقط بأن هذا يعبد في المسجد والآخر يعبد في الكنيسة، والوحدة الوطنية هي المعيار الذي نحافظ عليه من خلال الحوار".
وأضاف تواضروس: "نحن نحتاج الحوار ومزيد من الحوار، وعقدنا اجتماع بين 20 كاهنا قبطيا و20 إماما مسلما وجلسوا 3 أيام يتحاورون ويتناقشون ويسألون بعضهم البعض، وزاروا إحدى المدارس وكان منظرا غريبا أن يرى هذا المشهد الأطفال الصغار، وتقابلت مع الـ40 شخصا، وهذا الأمر صنع تقاربا شديدا، ونريد مثل هذه الأساليب من الحوار، والأمر الذي يمكن أن تساعد فيه فرنسا هو تقوية وبناء الفكر والثقافة في أذهان المدرسين، واعتقد أن فرنسا تعرف المصريين جيدا، وهذا الأمر سيكون له مردودا طيبا في السنوات القادمة".
وقال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، "كم كنت أتمنى أن أرى قداستكم نظرا لأهمية الأقباط المصريين لفرنسا وأعلم جيدا كما عانى الأرثوكس في السنوات الأخيرة من الإرهاب"، "أقيم العمل الذي تقوم به الحكومة حاليا لضمان أمن الأرثوكس"، "إنني سعيد أن ألتقى بكم في الظروف التي تمر بها مصر حاليا، أنا أعتبر التعددية وما تمثلونه في مصر والمنطقة هو عنصر أساسي للسلام".
واستكمل ماكرون: "زيارتي اليوم للكاتدرائية تشهد على الاحترام الكبير للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، واعتراف بما تمثله الكنيسة، ليس لماضي مصر ولكن للمستقبل، ونقر بما عاشته الكنيسة والشهداء الذين سقطو، أريد أن أسمعكم كيف تروا الحوار بين الديانات وما الذي يمكن أن نفعله في مجال التعليم لمرافقة كل مسيحي الشرق، وقررنا أن نعقد في باريس مؤتمر جديد لكي نرى ما الذي سنفعله لصالح مسيحي الشرق".
وقال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إن مصر أمام تحد هائل وهو تزايد السكان، ويحتاج تفسير لكل رجل وامرأة، مضيفا أن "هناك معركة فكرية وثقافية يقودها الرئيس السيسي والحكومة المصرية بكل شجاعة، العلاقات بين الشرق والغرب ليست نظرة من جانب واحد، وإنما هي حوار وتكامل".
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن فرنسا ترغب في المساعدة على تطوير التعليم في مصر من خلال التوعية بأهمية القراءة ونشر المكتبات.
وأكد ماكرون أن التعليم هو المعركة الأولى التى يجب خوضها، مشيرًا إلى "أننا نريد أن نرافق مصر في معركتها لدعم التعليم لبناء مجتمع أفضل.. يهمني أن أعرف طلباتكم بخصوص هذا الموضوع".
وتابع الرئيس الفرنسي: "مقتنع أن هناك أشياء كثيرة من الممكن أن تتعاون فيها فرنسا مع مصر، ويجب أن نربط بين الاستثمار والاقتصاد، ويجب أن نزيد في العمل بين البلدين"، لافتا إلى أنه سيبحث تنفيذ ذلك في في بعض دول إفريقيا خلال زيارته لكينيا خلال الشهور المقبلة.
وعقب انتهاء الحديث بين "تواضروس" و "ماكرون"، اصطحب "تواضروس" الرئيس الفرنسي وقرينته والوفد والمصاحب له في جولة في أروقة الكاتدرائية، وأثناء الجولة وضع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وقرينته، إكليلا من الزهور على النصب التذكاري لشهداء حادث الكنيسة البطرسية بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية.