«القروض منخفضة الضمان» تنذر بأزمة عالمية جديدة.. وخبراء: القطاع المصرفى المصرى آمن
أسعار الفائدة
أثارت أزمة الأسواق الناشئة العديد من التطورات المتلاحقة حول العالم، أبرزها الارتفاع المستمر لأسعار الفائدة نتيجة تخوفات من هروب رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة فى أدوات الدين الحكومية، فضلاً عن توجهات البنك الفيدرالى الأمريكى الداعمة لرفع سعر الفائدة على الدولار مستقبلاً، وينتج عن ذلك ارتفاع مستمر فى ودائع البنوك حول العالم، مع وجود طلب منخفض على الائتمان، الأمر الذى شجع البنوك على ضرورة تخفيض الضمانات المتعلقة بالاقتراض، بهدف جذب المقترضين فى ظل عدم تمكنها من تخفيض أسعار الفائدة، لارتباط هذا القرار بتوجهات السياسة النقدية فى كل دولة.
وانتشرت القروض منخفضة الضمان فى الولايات المتحدة بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، على الرغم من قوة الاقتصاد الأمريكى، إلاّ أن التوسع فى القروض الطلابية بضمانات ائتمانية منخفضة، أثار قلق العديد من المؤسسات العالمية، خاصة عند التفاقم المستمر لهذه القروض لشريحة طلابية قد تواجه صعوبات عديدة فى سداد أقساط القروض بشكل منتظم. وهذا النموذج يعيد للأذهان الأزمة المالية العالمية التى حدثت عام 2008، مدفوعة بأزمة الرهن العقارى، حين قرر الاحتياطى الفيدرالى آنذاك خفض سعر الفائدة لتحفيز النمو الاقتصادى، كما اتخذت أسعار العقارات مساراً صعودياً متواصلاً، ما أوحى بهوامش ضمان متزايدة للرهن العقارى، فتمكن قطاع عريض من ضعيفى الملاءة المالية من الحصول على هذه القروض.
«نيويورك تايمز»: 20% من قروض طلاب الولايات المتحدة تواجه صعوبة فى سدادها.. و«Focus Economics»: الأزمة المالية المقبلة ستحدث فى 2020 بدعم من تطورات المشهد الحالى
هذه التطورات تتزامن مع النظرة التشاؤمية لمستقبل الاقتصاد العالمى خلال السنوات المقبلة، فقد أشارت ورقة بحثية صادرة عن الشركة العربية للاستثمار لـ«فريد حبيب ليان» الرئيس التنفيذى للبحوث، وهى شركة مساهمة مملوكة من قبل 17 دولة عربية، تحت عنوان «القروض متدنية الضمان.. الوجه الجديد لأزمة الرهن العقارى»، إلى أنه بعد اختفاء أزمة الرهون العقارية، إلاّ أنها عاودت الظهور مؤخراً بمعايير جديدة، وبمسمى جديد Nonprime Loans أى «قروض متدنية الضمان»، بداية بمؤسسة أنجيل هوك Angel Oak الأمريكية التى تصف نفسها بأنها «مقرض بديل للرهن العقارى»، وتلتها شركة كارنجتن للرهونات كما أعلنت مؤخراً مؤسسة فانى ماى Fannie Mae التى ترعاها الحكومة الأمريكية، أنها ستخفف معايير الإقراض تسهيلاً للمقترضين ذوى درجات الائتمان المنخفضة.
كما أصدرت FocusEconomics إحدى الشركات العالمية الرائدة فى تقديم التحليلات والتوقعات الاقتصادية، والمملوكة لـ130 دولة فى أفريقيا وآسيا وأوروبا والأمريكتين، فى تقريرها تحت عنوان «كيف ومتى ستحدث الأزمة المالية القادمة؟»، حول نموذج تنبؤى جديد للأزمة المقبلة فى عام 2020، ناتج عن الزيادة فى الديون سريعة النمو، خاصة ارتفاع القروض بمستويات قياسية بين الشريحة الطلابية فى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى أن بعض الأسواق الناشئة تتأخر فى سداد الديون منخفضة الضمان، وهذه العوامل تشكل مخاطر اقتصادية كبيرة حال تفاقمها. ووفقاً لتقرير صادر عن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإن البعض يشعر بالقلق من أن تراكم الديون يمكن أن يحفز الأزمة القادمة تماماً مثلما حدث فى الأزمة الأخيرة، حيث إن قروض الطلاب فى الولايات المتحدة ارتفعت إلى 1٫5 تريليون دولار. وأضاف التقرير أن 20% من تلك القروض بالفعل لا يمكن سدادها، ويمكن أن يرتفع هذا الرقم إلى 40% بحلول عام 2030، وفقاً لتقرير صدر فى وقت سابق من العام الماضى من قبل معهد بروكينغر.
كما أصدر البنك الدولى تقريراً بعنوان «مراجعة خطط ضمان الاعتماد فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا»، حول مدى تأثير سعى حكومات تلك الدول على دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتيسير الإجراءات التمويلية وخفض الضمانات المطلوبة، خاصة أن نحو 33٪ من الشركات الصغيرة والمتوسطة تمر بصعوبات فى الحصول على التمويل، بالإضافة إلى أن العديد من الشركات تضع مخططات خاصة لضمان الائتمان الجزئى، وإذا كانت هذه الشروط غير محسوبة بدقة قد تتسبب فى حدوث أزمة مالية وزيادة نسب التعثر.
نيفين المسيرى: البنوك المصرية تتحرى الدقة فى الملاءة المالية للعملاء و«تيناوى»: معيار IFR9 سيساعد على ضغط الأزمة المحتملة
وفيما يخص الوضع الاقتصادى المصرى لم تتأثر مصر بالأزمة العالمية 2008، لأنها جاءت فى أعقاب عملية الإصلاح المصرفى التى تم تطبيقها فى 2004، والتى اعتمدت على 4 ركائز أساسية، أبرزها إجراء بعض عمليات الخصخصة والدمج بالقطاع المصرفى، ومواجهة مشكلة الديون المتعثرة لدى البنوك، بالإضافة إلى إعادة هيكلة بنوك القطاع العام مالياً وإدارياً، ودعم قطاع الرقابة والإشراف بالبنك المركزى المصرى.
كما يستعد البنك المركزى لإطلاق مبادرة جديدة لمساندة مديونيات المتعثرين على فترة زمنية تصل إلى 18 شهراً، بعد انتهاء الفترة المقررة لمبادرة مساندة المتعثرين التى أقرها البنك المركزى فى يونيو الماضى، وإعفاء العملاء من الفوائد، مع 8 بنوك حكومية، هى: الأهلى، ومصر، القاهرة، الزراعى المصرى، تنمية الصادرات، العقارى، التنمية والعمال، والمصرف المتحد. ومن جانبها، استبعدت نيفين المسيرى، الرئيس التنفيذى، العضو المنتدب للبنك الأهلى المتحد، تأثر القطاع المصرفى المصرى بأزمة القروض متدنية الضمان، نظراً لوضع القطاع المصرفى شروط محددة وواضحة للائتمان. وأضافت أن البنوك المصرية تتحرى الدقة فى الملاءة المالية للعملاء قبل منح القروض، وتضع شروطاً ائتمانية بما يتناسب مع كل عميل وفقاً للساحة المصرفية العالمية، وأشارت «المسيرى» إلى أن أزمة الرهن العقارى التى حدثت فى 2008 وكان مصدرها الولايات المتحدة، نتيجة منح البنوك قروضاً منقوصة الضمان لأفراد ومؤسسات ضعيفى الملاءة المالية يصعب تكرارها الفترة الحالية.
وفى سياق متصل، قال أكرم تيناوى، العضو المنتدب لبنك المؤسسة المصرفية العربية، إن البنوك العالمية قللت من ضماناتها الائتمانية لجذب المزيد من المقرضين، وعلى الرغم من ارتفاع نسب مخاطر القروض منخفضة الضمانات وقد تتسبب للبنوك والمؤسسات فى حدوث أزمات مالية، إلا أن هذه النوعية من القروض تعتبر أحد حلول مرحلة الركود الاقتصادى التى تمر بها كافة اقتصادات الدول، فالقروض متدنية الضمان تجذب شريحة جديدة من العملاء غير المتعاملين مع البنوك والمؤسسات المالية، ما سينعش الاقتصاد، وسيزيد من حركة دوران رؤوس الأموال. وأضاف أن المعادلة الصعبة تكمن فى كيفية منح قروض متدنية الضمان بشروط دقيقة للخروج من أزمة الركود، دون الدخول فى أزمة تعثر مالى جديدة، مشيراً إلى وجود معايير دولية تضع نظماً لكيفية التوسع فى منح الائتمان دون حدوث أزمات مالية، كتطبيق المعيار المحاسبى IFRS9، وأوضح أن البنوك المصرية لم تخفض من ضماناتها الائتمانية، بل دعمت المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال المبادرة التى أطلقها البنك المركزى بفوائد ميسرة تصل إلى ٥٪، موضحاً أن نسبة القروض للودائع قد تكون منخفضة فى مصر، لأن العائد على السندات وأذون الخزانة مرتفع، فيكون أكثر جذباً للبنوك من المخاطرة الائتمانية.
ومن جانبه، قال إيهاب السويركى، العضو المنتدب لبنك الاتحاد الوطنى، إن البنوك المصرية تحافظ على شروط وضمانات الإقراض بشكل كبير، بالإضافة إلى وجود معايير محددة لضمان المحافظة على جودة رأسمال البنك، والمركز المالى، والمخصصات.
وأضاف أن البنك المركزى يراقب بصرامة وبصفة دورية الضمانات الائتمانية التى تتخذها البنوك، والمخصصات التى تحتفظ بها، حتى عند إقراض المشروعات الصغيرة والمتوسطة، تحسباً من حدوث أى أزمة.