كأنه امبارح: طيـف «صابر» يلاحق الجدة «زينب» رغم زواجها من رجل آخر.. وأول لقاء كان فى «جنينة الأسماك» وكوبرى قصر النيل
50 سنة حب
بيديها التى تملؤهما عروق مشكلة أخاديد تشير إلى عمرها الذى تجاوز الـ70، جلست زينب مصطفى، تروى لحفيدتها عن قصة حبها فى زمن مضى، تشيح بعينيها إلى خارج النافذة وربما أبعد من ذلك بكثير، أصوات العصافير تأتى منها تساعد الجدة فى السفر عبر الزمن، واسترجاع تفاصيل الحكاية التى يزيد عمرها على 50 سنة، وبطلها يدعى محمد صابر.
ربما كان الوقت حينها لا يسمح لأى من الفتيات بالبوح والحديث عن ذكريات المراهقة والحب، حتى لأكثر المقربات منهن خوفاً من الوشاية، أو أن تصل التفاصيل للأهل الذين يواجهون الميل القلبى لفتياتهن بمنتهى الصلف والشدة، لذلك على الفتاة التى يدق قلبها بالحب أن تصمت، وتكتم مشاعرها، كى تتمكن من رؤية حبيبها والعيش فى هدوء.
تتذكر الجدة كيف كان اللقاء الأول، وكأنه بالأمس القريب، وقتها كانت فى المرحلة الإعدادية، تذهب وتجىء من المدرسة على أمل أن ترى الموظف فى المصنع الحربى محمد صابر، كان لا يزال فى بداية عمله، وأوقات ذهابه للعمل تتزامن مع مواعيد مدرستها، تقول لـ«الوطن»: «كان أكبر منى بسبع سنين، أشوفه أحس إنه أبويا وأخويا وأتمنى يكون جوزى».
قصص حب تتصف بالبراءة، لم يكن من ورائها رغبة سوى الزواج، «زينب»، ابنة الـ16 عاماً، لم ترد شيئاً فى حياتها سوى هذا الشاب، رغبة قوية فى حمل اسمه كانت كل طموحات عمر المراهقة، ظلت قصة الحب قرابة العام، فى البداية كان اللقاء يومياً، فى صورة «توصيلة» سريعة للمدرسة قبل أن يذهب لعمله، والأمل على لقاء آخر كان وقود الحياة، ثم لقاءات أكثر قوة وقرباً فى «جنينة الأسماك»، وعلى كوبرى قصر النيل.
مع بداية المرحلة الثانوية، تقدم «صابر» لخطبة «زينب»، لكنه قوبل بالرفض من قبَل والدها: «كان عايزنى أتجوز ابن عمتى، تقاليد قديمة احمدى ربنا إنك ماعشتيهاش، ساعتها حسيت إن أم كلثوم بتقولى أنا إن أهل الحب صحيح مساكين، كنت فعلاً مسكينة صغيرة وماملكش قرار أتجوز مين وأحب مين، صابر لحد دلوقتى حب وحلم حياتى، ماتجوزتش ابن عمتى عِند فى أبويا، وبرضو ماتجوزتش اللى بحبه». رعشة خفيفة اعترت الجدة زينب حينها، يداها لم تعد ثابتتين، عدلت من شعرها الرمادى، ووضعت فوقه «البونيه»، قبل أن تعترف بأنها رغم خطبتها لآخر، ظل طيف «صابر» معها فى يوم الزفاف يذهب ويجىء، تخيلت أطفالها أولاده، وحلمت بأن يكون سندها عندما هزمها العمر، ربما لم يحالفها الحظ برؤيته ولو صدفة منذ أن رفضه والدها، لكنه ظل حياً داخلها طوال 50 سنة، فى قلبها وعقلها، وأحلام اليقظة.