«أرض البحيرة».. قِبلة الألمان وموطن شهيدة الحب «إيزادورا»
قطعة من الاكتشافات الحديثة
تُعد تونا الجبل من أهم مناطق الجذب السياحى فى المنيا، نظراً لكثرة المزارات المتنوعة بها، حيث تضم حضارات لعصور مختلفة ويتردّد عليها زوار أجانب من مختلف الجنسيات منذ ستينات القرن الماضى، وأكثرهم من الألمان، لوجود بعثات لبلادهم بها، ولاهتمامهم بالحضارة المصرية القديمة، بعدهم الإنجليز، والفرنسيون، الذين يعشقون مزار إيزادورا الملقبة بـ«شهيدة الحب»، ثم السياحة الداخلية «المصرية»، حيث يتوافد المئات لزيارة تلك المنطقة ضمن برنامج «اعرف بلدك»، الذى تنظمه وزارة الشباب والرياضة.
ويساعد موقع «تونا الجبل» القريب من مدينة ملوى بجنوب المحافظة، على تردّد المصريين عليها بكثرة، خاصة فى فصل الشتاء، وفى ذروة العام الدراسى تنشط الزيارات المدرسية والرحلات العلمية للجامعات، خاصة من كليات الآثار والسياحة والفنادق والفنون الجميلة.
وقال الدكتور ثروت الأزهرى، مدير إدارة السياحة بالمنيا، إن تونا الجبل يوجد بها مكتب سياحى يستقبل الزائرين، ودوره تنفيذ برنامج الرحلة والإشراف عليها، بالتنسيق مع مفتشى الآثار الذين يوجدون على مدار 24 ساعة بالتناوب، والمشرفين على المنطقة، فهناك تعاون وتنسيق كامل بين «الآثار» و«التنشيط السياحى».
وأضاف أن المنطقة تضم استراحة لاستقبال الضيوف، ولتقديم جميع الخدمات لهم، وتوجد كتيبات تشرح آثار تونا الجبل بجميع اللغات يتم توزيعها على الأفواج السياحية خلال الزيارات لتعريفهم بحضارة وتاريخ المنطقة، كما يوجد مسجد ودورات مياه وأماكن متعددة للاستراحة.
مدير «آثار مصر الوسطى»: المنطقة لم تبُح بكامل أسرارها حتى الآن.. وعميد الأدب العربى طه حسين أقام فيها استراحته الخاصة التى شهدت كتابة وتصوير «دعاء الكروان»
وأوضح «الأزهرى»، أن أكثر الوفود الأجنبية التى تحرص على زيارة المنطقة متعددة الآثار ما بين الرومانية والمصرية، من الألمان والأستراليين والإنجليز والفرنسيين، وقبل وقت قريب زارها فوج كورى، وعقب عودة تشغيل البواخر السياحية بنهر النيل بعد ارتفاع منسوب المياه خلال الأيام الماضية، زاد الإقبال على زيارة تونا الجبل ومنطقتى بنى حسن الشروق وتل العمارنة بشكل لافت للنظر، حيث توجد آثار فرعونية لعصور مختلفة.
وقال جمال أبوبكر السمسطاوى، مدير عام آثار مصر الوسطى، إن هناك أكثر من مقترح لتطوير تلك المنطقة خلال الفترة المقبلة، بالتعاون مع البعثات الأجنبية، والجامعات المصرية التى تجرى أعمال حفائر، ومنها القاهرة والمنيا، حتى نجذب أكبر عدد من السائحين، خاصة بعدما شهدت تونا الجبل 3 اكتشافات مهمة خلال عامين، آخرهما كشف جامعة المنيا، ومن المقرر أن يتم تطوير استراحة طه حسين وترميم جميع البيوت الجنائزية والساقية الرومانية، وهناك مشروع يتم مناقشته للحفاظ على نقوش مقبرة إيزادورا مع التوسع فى إجراء أعمال الحفائر وإنشاء مخزن متحفى بالمنطقة التى لم تبح بكامل أسرارها حتى الآن، وبعد تطوير استراحة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين، هناك مقترح لتحويلها إلى مكتبة أو متحف، خاصة أن الاكتشافات الأثرية المتتالية أسهمت فى تنشيط السياحة بالمنطقة، وذروة الموسم السياحى تكون خلال أشهر فبراير، مارس، أبريل، ومايو من كل عام.
وتحظى مقبرة «إيزادورا» بمكانة خاصة بين السياح الإنجليز والفرنسيين، واعتاد فرج عبدالعزيز الجهمى، مدير مكتب تنشيط السياحة بالمنطقة، أن يحكى قصتها الموروثة خلال الزيارات، قائلاً: «هى فتاة يونانية كانت تعيش فى عهد الإمبراطور هادريان، وهو إمبراطور رومانى فى سنة 120 بعد الميلاد، واكتشف هذه المقبرة الدكتور سامى جبرة سنة 1931، وهى مختلفة عن كل المقابر المصرية القديمة فى تونا الجبل، فمن المعروف أن المقابر تكون فى باطن الأرض على أعماق تتراوح بين 8 و9 أمتار، وتلك المقبرة عبارة عن مصطبة كبيرة من طابقين، ثم حجرة الدفن، وترقد «إيزادورا» فى الحجرة العليا على سرير أقيم لها خصيصاً من الطوب اللبن والجبس، وعليه بعض الرسومات والزخارف، وتمثال لرمز الحب عند الإغريق، و24 بيتاً من الرثاء الحزين، كتبها والد «إيزادورا» رثاءً لها.
ويشرح «الجهمى» للسائحين أن «إيزادورا» من مدينة أنتونيو بوليس، (الشيخ عبادة حالياً)، شرق النيل بملوى، وهى ابنة أحد العاملين فى منصب سياسى، وكان حامل أختام الحاكم، وقصتها تبدأ عندما جاءت أسرتها لحضور حفل دينى بمدينة الأشمونيين أقيم خصيصاً للإله «جحوتى»، وفى أثناء الحفل تعرّفت على ضابط مصرى كان مكلفاً بتأمين الحفل، وأحبته، وتم تبادل اللقاءات أكثر من مرة، وعندما علم والدها بذلك منعها وعيّن عليها حراسة ورفض خروجها من القصر، باعتبار أنها يونانية، وهذا الشاب مصرى، وهى قصة من الموروثات، ولم تكتب على الجدران، فألقت «إيزادورا» بنفسها فى نهر النيل، اعتراضاً على موقف والدها، فحزن عليها حزناً شديداً، وأقام لها مقبرة فى تونا الجبل وكتب 24 بيتاً من الشعر الحزين رثاءً لها، وقد اهتم الدكتور طه حسين بقصتها، وكان يشعل لها الشموع والبخور فى كل يوم خميس، كما كان يفعل والدها، وطالب بأن تقام له استراحة بجوار «إيزادورا»، وكان يتردد على زيارتها وآمن بقصتها وتعاطف معها، ويقبل على «إيزادورا» آلاف الزائرين كل عام من المصريين والأجانب، كما يوجد بجوارها 24 بيتاً جنائزياً فى منطقة الموتى.
ويحرص المصريون، خاصة طلاب الجامعات وتلاميذ المدارس، على زيارة استراحة عميد الأدب العربى، ابن محافظة المنيا، التى أقامها له صديقه الدكتور سامى جبرة بالمنطقة، حيث كان طه حسين حينذاك عميداً لكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1931، وهو الذى وافق على المبالغ المالية لأعمال الحفائر بالمنطقة، وشهدت هذه الاستراحة كتابة قصة «دعاء الكروان»، التى تحولت إلى فيلم فى ما بعد، وتم تصوير بعض المشاهد بداخل الاستراحة والحديقة، وكان يتردد على تونا الجبل فى فترات الثلاثينات والأربعينات الفنانون والأدباء والمثقفون ورجال الإعلام وقادة الفكر، والكثير من المهتمين بالثقافة المصرية، بسبب وجود طه حسين.
وتعد استراحة عميد الأدب هى المبنى الوحيد فى المنطقة، وتضم طابقين وسلماً خارجياً خشبياً، والدور الأرضى عبارة عن صالة ومكتبة كبيرة ودورة مياه ومطبخ، والطابق الثانى به حجرتان وصالة وحمامان وكان يقيم بها طه حسين وزوجته، وأمام الاستراحة حديقة خاصة. وفى عام 1937 زار الملك فاروق منطقة تونا الجبل أثناء رحلة نيلية للأسرة الملكية على يخت «المحروسة»، وكانت المنطقة تشهد حينذاك شهرة كبيرة، نظراً لاكتشافها حديثاً، وقد زارها ثروت عكاشة، وزير الثقافة فى عهد الثورة، وشاه إيران وسفراء أجانب وعرب من عدة دول.