فتحي "فواعلي في الحادية عشر": "نفسي أروح المدرسة بس أختي عايزة علاج"
لا يجد وقتًا يلهو فيه مع أصدقائه، ويكاد أن ينقطع عن الذهاب لمدرسته. "فتحي" طفل لم يكمل عامه الحادي عشر، دخل عالم الرجولة مبكرا، دفعته الظروف إلى العمل كعامل بناء بقريته نعيم التابعة لمركز بني سويف، ما بين نقل ورفع الرمال والطوب والزلط مقابل عدة جنيهات ينفق بها على أسرته بعد مرض والده ووفاة والدته واحتياج شقيقته الصغرى للعلاج والغذاء "اللبن الصناعي" ومصاريف شقيقه بالمدرسة.
ما بين رفع ونقل رمال وتخليطها بالأسمنت داخل منزل صغير بقرية نعيم بمركز بني سويف، في مهمة يكاد لا يقدر عليها سوى رجل كبير أو شاب، إلا أنها كانت المهمة، التي طلبت من الطفل فتحي أنور بدر فاضل، 11 عاما، إنجازها، في إحدى الليالي، من أحد العاملين بمهنة السباكة، ليستيقط الطفل مبكرا ويتوجه إلى المنزل ويبدأ في عمله قبل أن يقرر عدم الذهاب للمدرسة في ذلك اليوم، وينجز مهمته والتي كانت مساعد سباك لإعداد "المونة" مقابل الحصول على مبلغ 20 جنيها، "أنا هنا بشتغل مع أي صنايعي يطلبني أو حد يطلب مني رفع رمل أو طوب لطابق علوي، عشان في آخر اليوم أجيب مصاريف إخواتي وعلاج والدي، لأن ظروفنا صعبة".
وبنرة حزن يقول صاحب الإحدى عشرة عامًا، "نفسي أروح المدرسة بانتظام واهتم بالمذاكرة ونفسي ألعب مع أصحابي، بس هنجيب منين مصاريفنا، المدرسين عايزين فلوس الدروس ليا ولأخويا، وأختي عايزة لبن وعلاج، وأبويا مريض"، مضيفا، "بزعل لما أشوف أصحابي رايحين المدرسة صباحا وأنا متوجه لرفع الرمل أو بيلعبوا مع بعض في الشارع وأنا ملابسي مبهدلة ساعتها بحاول إدارة وجهي للجانب الآخر".
وتابع، "أنا مقيد بالصف الخامس الابتدائي بمدرسة نعيم الابتدائية 2، وأتوجه إليها في الأيام التي لا أعمل بها، لكن دروس كثيرة بتفوتني بسبب عدم انتظامي، وغيابي المتكرر من المدرسة، حتى أنني أفكر في عدم الذهاب إليها، ونكتفي بتعليم شقيقي".
وداخل منزل بدائي مكون من غرفتين تقيم أسرة فتحي، الأب أنور بدر، 40 عاما، ملقى على سرير متهالك داخل غرفة دون إضاءة، يحمل طفلة لم تتخط العامين بين ذراعيه، تلك التي حُرمت من الرضاعة الطبيعية بعد وفاة والدتها بشهور قليلة بسبب مرضها، يبدو عليها علامات المرض.
الأب ماسكا عكازا في يديه وبصوت منخفض يقول، "بحزن لما أشوف إبني فتحي رايح الشغل أو راجع منه والرمال والأتربة تملئ وجهه وملابسه، شال الهم بدري، بس الظروف حكمت، أنا كنت بشتغل أرزقي على الله، زوجتي توفت بمرض، وتركت لي ولدين ورضيعة، بعدها أصبت خلال حادث في قدمي، وأصبحت غير قادر على حركة العمل، وليس لنا مصدر دخل أو وظيفة أو معاش، ومعايا بنت رضيعة عاوزة لبن صناعي وغذاء وأدوية ولا نملك أي شيء، واضطررت للإقامة بهم في المنزل وتحضير الطعام لهم، حتى فوجئت بابني فتحي يخبرني أن أحد صنايعية القرية طالبه في شغل، وبعدها بدأ ينتقل من صنايعي لآخر حسب الحاجة إليه، مقابل 10 جنيهات أو 20 جنيها في اليوم الواحد ننفق منها على الطفلة الرضيعة وشقيقه".
وتابع: "أكيد كل الأطفال في عمره عاوزين يلعبوا ويروحوا مدرستهم، لكن ظروفنا صعبة وما باليد حيلة، في اليوم اللي بيروح الشغل فيه لا يتوجه إلى المدرسة، ويعود لي آخر اليوم ويسلمني ما يحصل عليه من عمله حتى نستطيع توفير اللبن لشقيقته أو مصاريف غذائهم".