"العنف ضد الدولة باسم الجهاد".. استغلال الحق بالباطل
صورة أرشيفية
عملت الجماعات الإرهابية خلال السنوات الماضية، على شرعنة فكرها الإرهابية ومزجه بالدين، واعتباره جزءا لا يتجزأ من الرؤية السماوية للبشر.
وتسببت الجماعات الإرهابية في تلويث فقه الجهاد الإسلامية ومزج الحق بالباطل في هذا الشأن، فتقوم بحملات التخريب لمنشآت الدولة المصرية والقتل الموجه لرجال الجيش والشرطة والمدنيين ودور العبادة من كنائس ومساجد، وهي التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية تحت مزاعم "الجهاد في سبيل الله"، ويعدون من لم يوافقهم على رأيهم وخروجهم ومقاومتهم للجيش والدولة من أعداء الإسلام المناصرين للمرتدين.
وأكد الدكتور شوقي علام مفتي الديار المصرية في تقرير له للرد على تلك الدعوات، أن ما يقوم به الإرهابيون في مصر وغيرها من حملات تخريب لمنشآت الدولة وقتل موجه لرجال الجيش والشرطة والمدنيين ودور العبادة تحت دعوى الجهاد في سبيل الله، هو في الحقيقة إرجاف وليس جهادا، وهؤلاء بغاة وخوارج يجب على ولاة أمور المسلمين التصدي لهم بما يكسر شوكتهم ويستأصل شرهم.
مفتي الجمهورية: الجهاد في سبيل الله مفهوم إسلامي نبيل له دلالته الواسعة في الإسلام
وقال مفتي الجمهورية: "الجهاد في سبيل الله مفهوم إسلامي نبيل له دلالته الواسعة في الإسلام؛ فهو يطلق على مجاهدة النفس والهوى والشيطان، ويطلق على قتال العدو الذي يراد به دفع العدوان وردع الطغيان، وهذا النوع من الجهاد له شروطه التي لا يصح إلا بها؛ فهو من فروض الكفايات التي يعود أمر تنظيمها إلى ولاة الأمور والساسة الذين ولاهم الله تعالى أمر البلاد والعباد وجعلهم أقدر من غيرهم على معرفة مآلات هذه القرارت المصيرية".
وأضاف: "ينظر ولاة الامر في مدى الضرورة التي تدعو إليه من صد عدوان أو دفع طغيان، فيكون قرار الجهاد مدروسا من جميع جوانبه ومآلاته دراسة علمية وواقعية فيها الموازنة الدقيقة بين المصالح والمفاسد، بلا جبن أو خور أو ضعف، وبلا سطحية أو غوغائية أو عاطفة خرقاء لا يحكمها خطام الحكمة أو زمام التعقل، وهم مثابون فيما يجتهدون فيه من ذلك على كل حال؛ فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد، وإن قصروا فعليهم الإثم، وليس لأحد أن يتورك عليهم في ذلك إلا بالنصيحة والمشورة إن كان من أهلها، فإن لم يكن من أهلها فليس له أن يتكلم فيما لا يحسن، ولا أن يبادر بالجهاد بنفسه وإلا عد ذلك افتئاتا على الإمام، وقد يكون ضرر خروجه أكثر من نفعه فيبوء بإثم ما يجره فعله من المفاسد".
تابع: "ما يروج له هؤلاء، فهو إرجاف، وليس جهادا، والإرجاف مصطلح قرآني ذكره الله تعالى في قوله سبحانه (لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا *ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلا* سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديل)، وهي كلمة لها مفهومها السيئ الذي يعني إثارة الفتن والاضطرابات والقلاقل باستحلال الدماء والأموال بين أبناء المجتمع الواحد تحت دعاوى مختلفة منها: التكفير للحاكم أو للدولة أو لطوائف معينة من الناس، ومنها استحلال دماء المسلمين تحت دعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو استحلال دماء غير المسلمين في بلادهم أو أولئك الذين دخلوا البلاد الإسلامية بدعوى أن دولهم تحارب الإسلام.. إلى آخر ذلك من دعاوى الإرجاف التي يسولها الشيطان للمرجفين، والتي كان بعضها سببا لظهور الخوارج في زمن الصحابة ومن جاء بعدهم وشبها يبررون بها إفسادهم في الأرض وسفكهم للدماء المحرمة.
وقال "علام": هذه الأفعال من كبائر الذنوب؛ لأنها سفك للدم الحرام وقتل لنفوس الأبرياء من المسلمين وغير المسلمين التي حرم الله تعالى قتلها إلا بالحق، وقد عظم الشرع الشريف دم المسلم ورهب ترهيبا شديدا من إراقته أو المساس به بلا حق؛ كما حرم الله قتل النفس مطلقا بغير حق، بل جعل الله تعالى قتل النفس -مسلمة أو غير مسلمة- بغير حق قتلا للناس جميعا.
المفتي: ما تفعله هذه التنظيمات من أفعال التخريب والقتل التي أفرزتها مناهج الإرجاف الضالة حرام شرعا
وأوضح المفتي أن القتل والترويع وتدمير الممتلكات داخل المجتمع المسلم يسمى عند الفقهاء بـالحرابة؛ والحرابة هي قطع الطريق أو الإفساد في الأرض، والمتلبس بها مستحق لأقصى عقوبات الحدود من القتل والسرقة والزنا؛ لأنه إفساد منظم يتحرك صاحبه ضد المجتمع، قال تعالى "إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم"، فإذا اقترن هذا الخروج بتكفير الناس وكان لأصحابه منعة وشوكة فإن أصحابه يكونون حينئذ خوارج وبغاة حتى تنكسر شوكتهم ويفيئوا إلى الحق ويرجعوا إلى جماعة المسلمين؛ كما قال تعالى "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين".
وقال الإمام الشافعي "أمر الله بقتال الفئة الباغية، وأمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وليس القتال من القتل بسبيل؛ قد يجوز أن يحل قتال المسلم ولا يحل قتله، كما يحل جرحه وضربه ولا يحل قتله".
وأشار مفتي الديار المصرية إلى أن ما تفعله هذه التنظيمات من أفعال التخريب والقتل التي أفرزتها مناهج الإرجاف الضالة حرام شرعا، وهو من أشد أنواع البغي والفساد الذي جاء الشرع بصده ودفعه بل وقتال أصحابه إن لم يرتدعوا عن إيذائهم للمسلمين ولغير المسلمين مواطنين ومستأمنين، وتسميته جهادا ما هو إلا تدليس وتلبيس حتى ينطلي هذا الفساد والإرجاف على ضعاف العقول، بل هذا بغي في الأرض بغير الحق يعد أصحابه بغاة وخوارج يقاتلون إن كانت لهم منعة وشوكة حتى يرجعوا عن بغيهم وإرجافهم.
وأوضح أن أفعالهم منافية لمقاصد الشرع الشريف الكلية؛ فقد جاء الشرع مؤكدا على وجوب المحافظة على خمسة أشياء أجمعت كل الملل على وجوب المحافظة عليها، وهي: الأديان، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال، وهي ما تسمى بالمقاصد الشرعية الخمسة، ومن الجلي أن القتل والتخريب والأعمال الشنيعة المسئول عنها تكر على هذه المقاصد الواجب صيانتها بالبطلان، ومنها مقصد حفظ النفوس والأوطان.