أستاذ «حوكمة»: تخصيص 1.3% من أرباح الشركات لـ«البحث العلمى»
الدكتور أحمد صقر، أستاذ الإدارة الاستراتيجية والموارد البشرية بجامعة الإسكندرية، وخبير دولى فى الحوكمة
اقترح الدكتور أحمد صقر، أستاذ الإدارة الاستراتيجية والموارد البشرية بجامعة الإسكندرية، وخبير دولى فى الحوكمة، إنشاء حديقة تكنولوجية فى مصر لاستقطاب الابتكارات العلمية ونواتجها، مطالباً الدولة بتوفير حضانات لها، مع إمكانية تسجيلها وتطويرها، لكى تتحول لمنتج علمى، وتلحق الدولة بركاب «الثورة الصناعية الرابعة»، مؤكداً أنها تمثل «رئة ابتكارية» يتنفس من خلالها العالم، موضحاً أنه كان يوجد فى مصر فى السنوات الماضية شبيه لها، وهى «مدينة مبارك للأبحاث العلمية»، ولكنها لم تُخرج أى إنتاج علمى.
أحمد صقر لـ«الوطن»: أقترح إنشاء حديقة دولية لـ«العلوم والتكنولوجيا» لاستقطاب «الابتكارات» ونواتجها لدعم نهضة الدولة
وأكد «صقر»، خلال حواره لـ«الوطن»، أن «مصر لن تستطيع أن تلحق بما يجرى فى العالم، إلا من خلال الابتكارات العلمية والتكنولوجية»، لافتاً إلى أنه من الممكن تخصيص 1.30% من أرباح الشركات لـ«البحث العلمى»، منوهاً بأن المناهج الدراسية لا تُخرج كوادر علمية تستطيع المشاركة فى «اقتصاد المعرفة» القائم على «الابتكار والتطوير»،
وإلى نص الحوار:
ما تعريف «الثورة الصناعية الرابعة»؟ وأين نحن منها؟
- قبل تعريفها، علينا أن نوضح ما الثورات التى سبقتها، فمثلاً الثورة الصناعية الأولى، بدأت فى القرن الـ18، واستمرت إلى القرن الـ19، وكانت قائمة على صناعات محددة نشأ معها الحديد والنسيج، واُكتشف خلالها الآلة البخارية وقوتها الرهيبة، وتم الاعتماد عليها بدلاً من القوة البشرية، ثم انتقلنا لـ«الثورة الثانية» وتلازم معها اكتشاف الكهرباء وتنميط الإنتاج والتوسع فيه وبدأت فى القرن الـ 19 حتى الـ20، وأوائل الحرب العالمية الأولى، ثم بعد الحرب العالمية الثانية بدأت «الثالثة»، وتم اكتشاف الكمبيوتر والاتصالات والمحمول، إنما «الرابعة» تقوم على تسارع الابتكارات والاختراعات، ومعدل التطور التكنولوجى الذى أخذ قفزات متسارعة فى الاكتشافات والتراكم، ما أدى إلى تحول نوعى فى مجالات عديدة على رأسها «النانو - والبايو تكنولوجى، والإنترنت»، والديجيتال أى المعلوماتى، وهنا أقصد الكمبيوتر واستخداماته المعلوماتية المتقدمة، ونقل البيانات المفرطة بين مختلف الدول فى العالم، ومن إنتاجاتها أيضاً السيارات ذاتية القيادة، والمصنع الذكى، والمدن الذكية، وحتى الإنسان سيكون مزوداً ببعض الأجهزة الدقيقة التى تمكّنه من مجاراة كل هذا التقدم إلى جانب «الروبوت»، والاقتصاد المعرفى فى «الثورة الصناعية الرابعة» تحول لاقتصاد الابتكارات.
إذاً، ما التحديات حتى نواجهها ونلحق بها؟
- نحن فى الحقيقة غير مهيئين فى الظرف الراهن، لأن إنتاجنا من الابتكارات وبراءات الاختراع واستخدامها وتوظيفها محدود للغاية، والأطر والنظم الأساسية فى مصر معيقة حتى لمن لديهم ابتكارات يسجلونها ويحمونها قانوناً، وإنتاجنا محدود أيضاً من الأبحاث العلمية المنشورة فى مجلات ودوريات علمية مصنفة عالمية ومعتمدة، وترتيبنا فى التنافسية العالمية متأخر، وسبقتنا دول عربية كثيرة، مثل الإمارات والسعودية، وهذا منشور فى مؤشر التنافسية العالمية الذى يخرج من «دافوس»، ومنشور أيضاً فى «مؤشر الابتكارات»، وللأسف إسرائيل متفوقة على اليابان وكوريا الجنوبية وفرنسا، وعلى كل الدول العربية فى مجال الاكتشافات والبحث العلمى، ولا بد أن نعترف بأننا نعانى من أزمة حقيقية، كما أن حالة الجامعات فى مصر سيئة، وتقوم بتدريس وتلقين الطلاب، ولا أريد أن أقول إنها «تعلمهم»، كما أن موازنة البحث العلمى «ضعيفة»، ولا تقترب مما هو منصوص عليه فى الدستور كنفقات للبحث العلمى، كما أن المناهج الدراسية لا تُخرج كوادر علمية ممكن أن تعمل فى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار والتطوير، وللأسف أنا لامست ذلك، وخلال عملى مستشاراً لوزير التعليم العالى وضعت خطة استراتيجية للنهوض بالتعليم العالى والبحث العلمى ومحاورها كثيرة، خاصة بالتعليم والدراسات العليا وحوكمة المنظومة التعليمية، وتخليصها من الفساد، وإحداث توازن بين التخصصات المختلفة، لأن لدينا تخصصات مثل «العلوم الاجتماعية» تضخ بطالة فى السوق، وعلى رأسها كليات التجارة، وأعلى نسبة بطالة بين المتعلمين من خريجيها، وأولادنا ضحايا لأنهم لا يكتسبون مهارات تطبيقية أو التحليل والابتكار والعمل الجماعى والتلخيص، كما أن براءات الاختراعات فى مصر عددها قليل للغاية ولا نستطيع أن نجلب إيرادات مالية من ورائها، ومحصلة ما تم تسجيله فى أكاديمية البحث العلمى «صفر»، وذلك عبر سنوات طويلة، وهذا يعنى أننا ليست لدينا آليات لتحقيق أرباح من وراء هذه الاختراعات.
المناهج الدراسية لا تُخرج كوادر علمية تستطيع المشاركة فى «اقتصاد المعرفة» القائم على الابتكار والتطوير.. ويجب دعم صغار رجال الأعمال.. والصندوق القومى للبحث العلمى موازنته «تافهة».. وتمثل جزءاً بسيطاً جداً من موازنة الشركات الدولية
وكيف ترى المطلوب تحقيقه حتى يمكننا أن نتغلب على كل هذه العوامل؟
- لا بد أن نعيد بقوة برامج البعثات المتوسعة، لأن لدينا مشكلة كبرى داخل الجامعات، حيث بها تهجين ذاتى، بمعنى أن الطلاب المتفوقين بمعايير الامتحانات التقليدية، والتى لا تقيس التحليل والاستخلاص والإبداع، يتم تعيينهم كمعيدين، ويحصلون على ماجستير ودكتوراه، ويصبحون أساتذة جامعة، وهم لم يروا مدارس فكرية أخرى ولا مجتمعات أرقى، فمثلاً عندما تخرجت فى جامعة مينيسوتا الأمريكية أتذكر أنهم منعوا تعيين خريجيها كأساتذة فى الجامعة حتى يواجهوا أزمة التهجين الذاتى وليختاروا الأفضل، فليس بالضرورى أن يكون خريج جامعتهم الأفضل، ومن ضمن سياسات الجامعة «ممنوع تعيين خريجيها كأساتذة بها»، إلا إذا حصل أحدهم على جوائز علمية كثيرة جداً ويكون عبقرياً، وبالمناسبة أغلب جامعات أمريكا وأوروبا لا تعيينهم.
ما الحلول الأخرى؟
- نحن فى حاجة لاستراتيجية وسياسة جديدة للبحث العلمى والتطوير التكنولوجى، تهتم بنواتجه، مع توفير التمويل، وبيئة مهيأة، وأيضاً تحفيز حقيقى للباحثين وأعضاء هيئة التدريس، من خلال النشر الدورى للباحثين فى المجلات العالمية المصنفة، وتدعم ذلك الدولة، ونحن فى حاجة لعمل نقلة كبرى فى موازنات البحوث العلمية بالجامعات، وللعلم الصندوق القومى للبحث العلمى موازنته نحو 500 مليون جنيه، يعنى 25 مليون دولار، وهذا مبلغ «تافه»، يمثل جزءاً بسيطاً من ميزانية أى معهد بحوث أو شركات دولية، فمثلاً ممكن شركة أدوية تنفق مليار دولار على اكتشاف دوائى، كما أن هذا المبلغ الضعيف للغاية لا يوضع وفق أولويات استراتيجية ويُتابع آثارها، ونحن غير قادرين على اجتذاب الكوادر المتميزة من أهل بلدنا، لأن رواتب أساتذة الجامعة ضعيفة، كما أننا بحاجة للاهتمام بالتعليم الفنى الذى لم يلحق فى مصر حتى بالثورة الصناعية الأولى، ولا يعرفون شيئاً حقيقياً عن التكنولوجيا، وهناك مؤسسات لعبت دوراً جيداً فى التطوير التكنولوجى والعلمى، وهى التى تسمى بـ«حدائق العلوم التكنولوجية»، وهى مسئولة عن تقدم الولايات المتحدة وكوريا وبريطانيا والصين وماليزيا وغيرها.
«حديقة العلوم» تمثل «رئة ابتكارية» يتنفس من خلالها العالم.. وكان لدينا شبيه لها اسمها «مدينة مبارك للأبحاث العلمية» لكنها لم تُخرج أى إنتاج علمى
ما طبيعة عمل هذه «الحديقة العلمية والتكنولوجية»؟
- هى أن تدعم أى مشروع يتقدم به أى شخص للمسئولين بقصد جعل مصر تلحق بالعالم المتقدم والثورة الصناعية الرابعة، وتقدمت مع الدكتور إبراهيم فوزى، وزير الصناعة الأسبق، وعدد من الوزراء السابقين والعاملين فى مجال الأعمال والاستثمار وعلماء ومبتكرين بهذا المشروع للحكومة تحت مسمى «حديقة العلوم والتكنولوجيا»، وتستهدف استقطاب الابتكارات ونواتجها، وتوفير حضانات لها، وإمكانية تسجيلها وتطويرها لكى تتحول لمنتج، وهى أوسع من مدينة زويل العلمية، وهى بمثابة كيان علمى بحثى، ومصر لن تستطيع أن تلحق بما يجرى فى العالم إلا من خلال الابتكارات، ولذلك لا بد من دعم هذه الحدائق، وفى زيارة للنرويج زرت «حديقة أوسلو للعلوم»، والتى تمت بدعم الدولة ورجال أعمال مستنيرين منذ سنوات طويلة، وهى عبارة عن كيان مؤسسى يستجلب الذين يمتلكون اختراعات وابتكارات ويحتوى على معامل ومختبرات وورش وأماكن للاجتماعات ووسائل اتصال حديثة، وكل ذلك متوافر للمخترعين، ولديهم ما يسمى بـ«المعامل الجافة»، وسميت «حديقة» لتعطى المعنى الخاص أنها حرة ومفتوحة، كما أنها على اتصال بالجامعات ومراكز الأبحاث والمصانع الدولية والحكومة، وهى آلية يتوفر فيها كل الدعم للبحوث والأفراد، وبمثابة «رئة ابتكارية» يتنفس من خلالها العالم، ونحن كان لدينا شبيه لها اسمها «مدينة مبارك» للأبحاث العلمية وللأسف لم يخرج منها أى إنتاج علمى.
وكيف نؤسس هذا المشروع؟
- من خلال المجتمع الأهلى، وبدعم واحتضان من الدولة والإعلام، وتواصلنا مع الحكومة بشأنه وبنك مصر، وكان هناك ترحيب بالفكرة لأنها ستخدم مصر والوطن العربى وأفريقيا، لأننا ممكن أن نكون مركزاً لاحتضان الابتكارات، وسنبنى بداخلها «حضانات أعمال» - يوجد منها فى مصر لكن إنتاجها ضعيف- ونحن فى انتظار خطوات تنفيذية لهذا المشروع، وحتى يتحول الابتكار إلى أساس اقتصادى يحتاج لمستثمر، وهذا الكيان سيكون أداة وصل بين المبتكرين والمستثمرين، فهذه «الحديقة» قاطرة مصر للالتحاق بالثورة الصناعية الرابعة.
ولماذا لا تدخل الدولة بنفسها فى الصناعات الكبرى؟
- ممكن، ولكن الأفضل دعم صغار رجال الأعمال، لأن أغلب مشاريع الدولة تعانى من البيروقراطية والفساد، ونحن لدينا أزمة حقيقية تتمثل فى أن نحو 40% من الاقتصاد غير رسمى، ولا نحصل منه ضرائب أو حتى نراقبه وندعمه، وللأسف نحن لا نمتلك رؤية مبدعة لتوجيه القطاع الخاص نحو الثورة الصناعية الرابعة، وسعدت جداً بتصريح للرئيس عبدالفتاح السيسى أعلن خلاله احتضان الابتكارات العلمية للشباب، وهذا الاحتضان يتطلب أن يتحول لسياسة شاملة، وأقترح على الدولة أن تفعل مثلما فعلت الكويت من 40 سنة، حيث حددت نسبة من أرباح الشركات هناك تذهب لمؤسسة الكويت للتقدم العلمى، ونحن فى مصر نستطيع أن نحدد نسبة 1.30% من أرباح الشركات.