كيف تعامل الإسلام مع قضية الإرهاب؟.. دار الإفتاء توضح
صورة أرشيفية
وضعت الشريعة الإسلامية طريقة وكيفية التعامل مع الإرهاب باسم الأديان منذ أكثر من 1400 عام، وحددت الشريعة خصائص الإرهاب وأشكاله وكيفية مواجهته.
وفي تقرير لدار الإفتاء حول كيف تعامل الإسلام مع قضية الإرهاب، أكدت الدار عبر موقعها الرسمي، أن "الإرجاف أو ما يسميه المجتمع الدولي الآن الإرهاب، لا يمكن أن يكون وليد الأديان، وإنما هو وليد العقليات الفاسدة، والقلوب القاسية، والنفوس المتكبرة، فإن القلب الرباني لا يعرف الفساد، ولا يعرف التخريب، ولا يعرف الكبر".
وأوضحت الدار، أن الإسلام دين تسامح وتعايش سلمي مع كافة البشر أفرادا وجماعات، وينظر الدين الإسلامي للإنسان على أنه مخلوق مكرم، دون النظر إلى دينه أو لونه أو جنسه؛ قال تعالى «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا».
الإسلام وضع دستور العلاقة بين المسلم وغيره في المجتمع الواحد
وأشارت الدار إلى أن الإسلام وضع دستور العلاقة بين المسلم وغيره في المجتمع الواحد، فقال تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين»، ففي هذه الآية يأمرنا الله بالإحسان إلى غير المسلمين وعدم إيذائهم من خلال قوله«تبروهم»، والبر: جماع الخير، وكأن الله سبحانه وتعالى يأمرنا ويندب لنا التعاون مع غير المسلمين في كافة سبل الخير.
وأضافت: «لا يخفى على كل من عرف الإسلام مدى اهتمامه بالسلام العالمي؛ حيث جعله دعامته الأولى، بل إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته؛ قال سبحانه وتعالى«هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون»، وجعله تحيته إلى عباده، وأمرهم بأن يجعلوا السلام تحيتهم، يلقيها بعضهم على بعض، وشعارهم في جميع مجالات الحياة، في المسجد والمعهد والمصنع والمتجر».
وسميت الجنة دار السلام؛ فقد قال الله تعالى«لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون»، والآيات التي ورد فيها ذكر السلام كثيرة، ومن هنا كان السلام شعار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها منذ ظهور الإسلام حتى الآن، وهو شعار يلقيه المسلم على غيره كلما لقيه وكلما انصرف عنه فيقول له«السلام عليكم»، وهذا السلام والأمن لم يكن مقصورا على المسلمين فحسب، بل يعتقد المسلمون دائما أن الإنسان مهما كان معتقده له الحق في العيش في أمان وسلام داخل وطن المسلمين فإن حماية الآخر من الظلم الداخلي أمر يوجبه الإسلام ويشدد في وجوبه ويحذر المسلمين أن يمدوا أيديهم أو ألسنتهم إلى أهل الذمة بأذى أو عدوان، فالله تعالى لا يحب الظالمين ولا يهديهم، بل يعاجلهم بعذابه في الدنيا أو يؤخر لهم العقاب مضاعفا في الآخرة.
أول مقومات الرقي والتقدم للأمة هي صلاحية أفراد المجتمع صحيا وبدنيا لأداء وظائفهم
وتابعت: «قد تكاثرت الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الظلم وتقبيحه وبيان آثاره الوخيمة في الآخرة والأولى، وجاءت أحاديث خاصة تحذر من ظلم غير المسلمين من أهل العهد والذمة، يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم«ألا من ظلم معاهدا، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة».
وحث الإسلام على السلم والأمن؛ لما لهما من تأثير بالغ الأهمية على استقرار حياة البشر وتقدمها في جميع المجالات، ولكي نعلم مدى تأثير السلم والأمن على التقدم بالنسبة للشعوب فعلينا أن نلقي نظرة على الآثار المدمرة للحروب على الشعوب والتقدم والرقي، فكما يقال: الضد يظهر حسنه الضد.
وقالت الدار: «بينما نرى أن أول مقومات الرقي والتقدم للأمة هي صلاحية أفراد المجتمع صحيا وبدنيا لأداء وظائفهم نجد أن للحروب والعقوبات الاقتصادية آثارا وخيمة على صحة الأمم وعافيتها. فإن التسامح مع المخالفين في الدين من قوم قامت حياتهم كلها على الدين وتم لهم به النصر والغلبة أمر لم يعهد في تاريخ الديانات، وهذا ما شهد به الغربيون أنفسه».
ويقول الفرنسي «جوستاف لوبون»: «رأينا من آي القرآن التي ذكرناها آنفا أن مسامحة محمد لليهود والنصارى كانت عظيمة إلى الغاية، وأنه لم يقل بمثلها مؤسسو الأديان التي ظهرت قبله كاليهودية والنصرانية على وجه الخصوص، وسنرى كيف سار خلفاؤه على سنته».. إذن ليس من العدل والإنصاف الاعتقاد بأن الإرجاف والإرهاب من الإسلام لمجرد أنه صدر من مجموعات تنسب نفسها إلى الإسلام، وإلا لكانت هذه دعوى لهدم جميع الأديان.
ليس من العدل والإنصاف الاعتقاد بأن الإرجاف والإرهاب من الإسلام لمجرد أنه صدر من مجموعات تنسب نفسها إلى الإسلام وإلا لكانت هذه دعوى لهدم جميع الأديان
وتابعت: «نحن نعرف عن المسيحية تدعو إلى المحبة، وأنها اضطهدت وعذبت في وقت ضعفها، فماذا نحسب ما قامت به الكنيسة الإسبانية من قمع وتعذيب للمسلمين واليهود على تعاليم المسيحية؟، حيث صبت هذه الكنيسة جام غضبها على اليهود والمسلمين معا بسبب انتشار فلسفة ابن رشد وأفكاره، وخصوصا بين اليهود، فحكمت بطرد كل يهودي لا يقبل المعمودية، وأباحت له أن يبيع من العقار والمنقول ما يشاء، بشرط ألا يأخذ معه ذهبا ولا فضة، وإنما يأخذ الأثمان عروضا وحوالات، وهكذا خرج اليهود من إسبانيا تاركين أملاكهم لينجوا بأرواحهم، وربما اغتالهم الجوع ومشقة السفر مع العدم والفقر.
وأضافت: «حكمت الكنيسة كذلك سنة 1502م على المسلمين بطردهم من إشبيلية وما حولها إذا لم يقبلوا المعمودية، بشرط ألا يذهبوا في طريق يؤدي إلى بلاد إسلامية، ومن خالف ذلك فجزاؤه القتل، وكذلك لا نحب أن نحسب الحملات الصليبية على تعاليم المسيحية، ونحاول أن نفرق بين الديانة المسيحية وممارسة بعض المسيحيين المرجفين والإرهابيين، فإن القرن العشرين بتجاربه الانقلابية -على ما فيها من وحشية كالانقلاب الشيوعي والنازي- يعجز أمام فظائع الحروب الصليبية التي كانت تقترفها ضد المسيحيين أنفسهم، فبعضها كان يحرث الأرض بأجساد ضحاياها من المارقين كطريقة لتسميد الأرض».
وقالت الدار: «الإرهاب الواضح الصريح الذي يقوم به الكيان الصهيوني لا يمكن أن نحسبه على تعاليم الدين اليهودي، فالأديان جاءت لرحمة الناس ولنشر العدل والسماحة بينهم، وهذا ليس معناه ألا نستنكر ما يحدث من تخريب وإرجاف في بلادنا الآمنة، فهذا من فساد العقول وخراب القلوب والكبر؛ يقول الله تعالى«استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله»، بل إن هؤلاء يكاد ينطبق عليهم قول الله تعالى«ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد * وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد».