تحليل| كيف استخدم الإخوان "البروباجاندا السوداء" عقب حادث "محطة مصر"؟
عناصر إخوانية خلال أعمال عنف عقب فض اعتصام رابعة المسلح - صورة أرشيفية
حالة حزن كبيرة سيطرت على المصريين بعد الحادث الأليم الذي وقع أمس داخل "محطة مصر"، لكن هذه الحالة واكبها نشاط واسع من تنظيم الإخوان الإرهابي بغرض توظيفها سياسياً، اعتماداً على ما يُعرف بـ"smart black Propaganda"، أي "الدعاية السوداء الذكية"، وهي واحدة من أكثر أنواع الحملات السلبية تأثيراً.
"الدعاية السوداء الذكية" تعتبر أكثر أنواع الدعاية خطورة والأشد تأثيراً.. وتعتمد على استخدام "نصف كذبة" و"نصف حقيقة" لخداع المواطنين
وتعرف "الدعاية السوداء التقليدية" بأنها استخدام مجموعة من الأكاذيب في قضية معينة لخلق رأي عام سلبي. فيما تعرف "الدعاية السوداء الذكية"، الأكثر تأثيراً، بأنها استخدام "نصف كذبة" مع "نصف حقيقة"، وعدم الاعتماد على أكاذيب كاملة يمكن كشفها بسهولة، وينجح هذا النوع من الدعاية في الانتشار بصورة أوسع وخداع قطاع أكبر من الجمهور المتلقي.
النوع الثاني من الدعاية السوداء، هو ما اعتمدت عليه كتائب الإخوان الإلكترونية داخل وخارج مصر عقب حادث "محطة مصر"، حيث تم ترويج مقطع فيديو قديم للرئيس عبدالفتاح السيسي، يعقب فيه على حديث وزير النقل حينذاك الدكتور هشام عرفات، بأن ميكنة سكك قطارات الصعيد يحتاج إلى 10 مليارات جنيه، ضمن خطة الوزارة لتطوير السكك الحديدية.
وقال الرئيس في المقطع المجتزء: "الـ10 مليار دول لو أنا حطتهم في البنك لو خدت عليهم فايدة 10% يعني مليار جنيه، ولو بالوضع الجديد اللي موجود دلوقتي بسعر الفايدة يبقى 2 مليار جنيه".
وانتشر مقطع الفيديو على نطاق واسع على صفحات التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، وبعد ساعات من انتشاره خرجت دعوات إخوانية مغرضة للتظاهر في الشارع، واكبها هاشتاجات تحريضية سوقت لها قنوات ومواقع وصفحات الإخوان.
ويظهر أسلوب "الدعاية السوداء الذكية" في واقعة الفيديو المثير للجدل، حيث اعتمد على "نصف حقيقة"، تتمثل في كلمات الرئيس السيسي التي قالها بالفعل خلال مؤتمر بمحافظة قنا لافتتاح بعض المشروعت التنموية في الصعيد، يعود إلى أكثر من عام ونصف العام، تحديداً في 14 مايو 2017. لكن النصف الآخر من الواقعة، أي "نصف الكذبة" التي تحقق فكرة "الدعاية السوداء الذكية"، تمثلت في اجتزاء تلك الكلمات من سياق حديثها، ونشرها على أنها "رفض صريح من الرئيس لتطوير السكك الحديدية للاستفادة من تلك الأموال كودائع في البنوك"، بينما الحقيقة التي تظهر في المقطع الكامل لحديث الرئيس تؤكد عكس ذلك تماماً.
السياق الذي كان يتحدث فيه الرئيس خلال كلمته، هو ضرورة إعلان الأرقام الحقيقة للمواطنين، لمعرفة الميزانيات التي تحتاجها مرافق الدولة لتطويرها، فيقول في معرض حديثه: "لما مرفق عايزين له أكتر من 100 مليار جنيه، لرفع كفاءته، ده هو - يقصد الوزير- بيتكلم على الصعيد فقط، طب الكلام ده إحنا هنسده منين؟ هندفع اللي هو إحنا جايبينه قرض من كوريا وقرض من فرنسا، وقرض من هنا ومن هنا.. هاندفعهم منين؟ الدولة ما تقدرش تدفعهم".
وتلك القروض اتفقت عليها مصر بالفعل لتطوير السكك الحديدية على مدى زمني متدرج، لكن سدادها يحتاج إلى زيادة موارد هيئة السكك الحديدية، ومن بينهما قرض بقيمة 8 ملايين يورو لتأهيل قضبان وخطوط السكك الحديدية وقعته الحكومة في مايو الماضي، ويتضمن استقدام 4 ماكينات من النمسا. وفي سبتمبر من العام نفسه وقعت الحكومة على عقد آخر مع شركة روسية عملاقة بتكلفة إجمالية 20 مليار جنيه، على أن يبدأ التوريد خلال 18 شهراً من تفعيل العقد الذي يشمل صيانة للعربات لمدة 15 عاماً.
وأوضح الوزير، خلال المؤتمر المشار إليه، رداً على سؤال الرئيس له، أن تكلفة تشغيل القطارات تصل إلى 5 مليارات جنيه، بينما الأرباح لا تتجاوز ملياري جنيه، معقباً: "هذا فارق فظيع". وأضاف الرئيس عبدالفتاح السيسي في بقية حديثه الذي تم اقتطاعه، ولم يلتفت له كثيرون ممن شاركوا في "تشيير" الفيديو، أنه ينبغي رفع موارد الهيئة للإيفاء بميزانيات تطويرها الضرورية، وعدم إهمالها مجدداً كما حدث على مدار سنوات طويلة، قائلاً: "أعملك سكة حديد آمنة ونبني بلدنا ونطلع قدام، ولا هنفضل في مكانا كده خايفين من بعض؟".
وفي مطالبة ليست جديدة من الرئيس للمواطنين بضرورة تحمل الأوضاع الصعبة، قال خلال الفيديو الكامل: "بناء الأمم وبناء الدول اللي تاخد مكانها على الأرض ليس بالأمر اليسير، فيه جهد وفيه معاناة وفيه حرمان علشان يتعمل، غير كده يبقى أنا هضحك عليكم"، وأشار إلى خطة التطوير التي أعدتها وزارة النقل قائلاً: "أنا بجري على ده"، وهو ما ينفي تماماً هدف الإخوان في حملتهم التي أطلقوها عقب الحادث.
وفي ختام كلمته التي ترجع لنحو عامين ماضيين، أكد الرئيس أهمية المصارحة والشفافية في إعلان الحقائق، قائلاً: "أقول وأشرح علشان نبقى كلنا عارفين الحكاية إيه.. والله العظيم أنا بتكلم معاكم بصدق، الميكنة والكهربا اللي بتتعمل في الخطوط ورفع كفاءة الشبكة الهدف منها أمان وتنمية، وعلشان أقدر النهارده اتحرك مظبوط على الشبكة دي لازم أعمل الشغل ده".
وتعتبر "الدعاية السوداء الذكية" التي تعتمد على جزء من الحقيقة، بهدف تمرير "كذبة كبيرة"، هو أخطر أنواع الحملات الدعائية، وتستخدم غالباً في قضايا سياسية مثل الانتخابات لتوجيه الرأي العام ضد خصم معين، أو إشعال حالة من الغضب العام تجاه قضية ما محل اهتمام واسع.