حكاية «راوية»: 8 ساعات «تحت رحمة المجهول»
«راوية» مع جدتها
ظلت قصة الطفلة «راوية»، التى أصيبت فى حادث «محطة مصر»، لنحو 8 ساعات واقفة عند مشهد واحد، هو مشهد الإصابة والنقل إلى المستشفى لتلقى العلاج، دون أن يعلم أحد من هى، وما الذى جاء بها إلى هنا.
«الوطن» تتبعت حكاية «راوية» فى 7 مشاهد، منذ انفجرت عربة القطار، وحتى وصل والداها المنفصلان إلى مستشفى معهد ناصر بعد رحلة طويلة من البحث عنها.
1) موقع الحادث:
صوت الانفجار صم آذان الموجودين، وكرات اللهب تناثرت فى كل جانب، وانقسم الناس، بعضهم كان يجرى مسرعاً خارج محطة القطار، والبعض الآخر يلتقط صوراً ومقاطع فيديو لتوثيق الحدث الدامى، والقضبان والأرصفة امتلأت بالضحايا، وبينما يتنقل رجال الإسعاف بينها لفت انتباههم جسد صغير، طفلة ما زالت على قيد الحياة، سألها أحدهم عن اسمها، قالت: «اسمى راوية وعندى 6 سنين»، ثم غابت عن الوعى.
قالت اسمها ثم غابت عن الوعى.. و«معهد ناصر» سجلها باسم «الطفلة المصابة فى المحطة»
2) طوارئ «معهد ناصر»:
صافرة سيارة إسعاف مقبلة من بعيد، انتبه لها الواقفون أمام بوابة قسم الطوارئ بمستشفى معهد ناصر، أطباء وممرضون وأفراد أمن داخلى وبعض من قوات الشرطة، جاءوا إلى قسم الطوارئ بعدما وردت إليهم أنباء الحادث، يستعدون لاستقبال المصابين المقبلين فى الطريق إليهم. انطلقوا فى حركات سريعة ينادون على بعضهم البعض: «أول حالة جت»، سألوا السائق عن أى تفاصيل ولم يجب إلا بما قالته الطفلة: «اسمها راوية وعندها 6 سنين ومنعرفش حاجة تانى».
3) البحث عن «مجهول»:
«الشاش» يخفى تفاصيل جسدها وملامح وجهها بالكامل، ولا أحد يعلم عنها أى شىء، حتى عجز مسئول قسم الطوارئ عن تدوين بياناتها فلا هى مجهولة الهوية تماماً، ولا هو يملك عنها أى تفاصيل مؤكدة، واكتفى بكتابة «الطفلة راوية المصابة فى حادث محطة مصر».
بدأنا رحلتنا فى البحث عنها داخل المعهد، لا أحد من رجال الأمن يعرف غرفتها، وموظفو الاستقبال أيضاً، حتى الأطباء تضاربت معلوماتهم، بعضهم يقول فى العناية المركزة المركزية، المكدسة بمصابى الحادث من الكبار، والآخر يقول فى عناية الأطفال، التى تضم 6 مصابين غيرها.
4) رعاية الكلى:
غرفة بها أَسرّة متجاورة يتنقل بينها طاقم التمريض والأطباء بحركات سريعة، ويحمل بابها لافتة مكتوباً عليها «رعاية كلى»، تم تخصيصها لاستقبال مصابى الحادث من ذوى الحالات الحرجة، فكانت إحدى المحطات التى استقر بها جسد «راوية». هكذا قالت الممرضة، قبل أن تجزم بانتقال «الطفلة المجهولة» إلى قسم رعاية الأطفال فى الطابق الخامس من المبنى.
والداها مطلقان.. وأمها تركتها مع الجدة لتذهب إلى أقاربهم فأصيبت فى الحادث بحروق من الدرجة الثانية.. والأب: عرفت بالحادث «لما شفت صور بنتى منتشرة على الفيس بوك»
5) رعاية الأطفال:
باب متوسط الحجم تعلوه لافتة زرقاء كتب عليها بخط أبيض «الرعاية المركزة للأطفال»، يفتح على باب آخر، وفى الداخل منه توجد أسِرَّة متقاربة، امتلأت بأطفال مرضى لم ينالوا هذا القدر من الاهتمام، الذى حظيت به الضيفة الجديدة «مجهولة الهوية»، صاحبة السرير على اليسار، ومن حولها تجمع الأطباء والممرضون، بعد أن نزعوا عنها «الشاش» الذى كان يغطيها بالكامل. جسد عارٍ قد يتخيل الناظر إليه من الوهلة الأولى أنه ليس لطفلة، بعد أن انتفخ من أثر الحريق وسقط عنه معظم الجلد، بينما لم تعد ملامح الوجه واضحة بعدما طاله الحريق أيضاً، فأصابه ما أصاب الجسد من الانتفاخ وتساقط الجلد.
الحروق أصابت جسدها بنسبة بلغت 82%، من الدرجة الثانية، حسبما قال الدكتور أحمد رجب، أحد الأطباء المعالجين، جعلت حالة الطفلة «خطيرة وحرجة».
6) ظهور الأهل:
8 ساعات متواصلة مرت على احتجاز «راوية» داخل العناية المركزة، تصارع الألم والوجع بمفردها، حتى ظهر «السيد أحمد»، رجل أربعينى بملابس غير مهندمة، تظهر مشاعر قلق وضيق بوضوح شديد فى عينيه، يسأل بلهفة عن ابنته ليصاب بصدمة عندما شاهدها مستلقية على السرير، وبعده بدقائق وصلت طليقته، شاهيناز صبحى، والدة «راوية»، التى ظلت تبكى بحرقة على ما وصل إليه حال ابنتها، وهى تصرخ قائلة: «بنتى حالتها مش مستقرة».
وقال الأب: «فوجئت بصور ابنتى تنتشر على موقع فيس بوك، بين المفقودين فى الحادثة، ولم أكن أعلم بوجودها فى محطة مصر، فأنا منفصل عن والدتها منذ 5 سنوات وأخبارهما انقطعت عنى».
7) كيف بدأت المأساة؟
سحر محمد عليوة، سيدة فى منتصف الخمسينات، وقفت أمام حجرة «راوية» تبكى بحرقة، فهى خالة أمها، شقيقة الجدة التى توفيت فى الحادث، وكانت الطفلة بصحبتها لحظة الانفجار، وقالت: «أنا أخت سامية جدة راوية، وكانت عندى فى بشتيل، بتعزينى فى وفاة زوجى»، مضيفة أن «الجدة وحفيدتها تأخرتا عن موعد انطلاق قطارهما من القاهرة إلى الشرقية، فاضطرتا إلى انتظار قطار الثانية عشرة ظهراً، وأنا فوجئت بنجل شقيقتى يتصل بى ويقول لى فيه انفجار حصل فى محطة مصر، وأمى تليفونها اتقفل، فبدأنا رحلة البحث عنها وعن راوية».