ما تبقَّى للشعب من ثورته .. أكبر المكاسب: تأسيس الليبرالية والوحدة القومية والمواطنة
النساء والأطفال كانوا أبرز ملامح ثورة 1919
100 عام مرت على ثورة 1919، التى وصفها «الرافعى» بأنها كانت ثورة سياسية بكل معانى الكلمة، فلم يشبها تعصب دينى أو صراع طبقى أو اجتماعى، أو كما يقول الدكتور محمد عفيفى، أستاذ ورئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة القاهرة: «كانت ثورة شعبية حقيقية، رفعت شعارات ومفاهيم فى سياق حركة تحرر وطنى جادة، وبناء وطن مستقل يقوم على مبادئ العدالة والحرية».
«عفيفى»: تجاوزت البعد الضيق للطائفية.. و«مراد»: الميلاد الحقيقى للقومية المصرية.. و«عبدالجواد»: أسست للهوية الوطنية وتعد من أعظم فترات النضال الوطنى
وأوضح «عفيفى» لـ«الوطن»، أن مفهوم المواطنة كان أبرز شعارات ومكاسب الثورة، حيث واكب المد الثورى منذ اللحظات الأولى، وكانت صيحات النضال تدوى على منابر المساجد ووُجدت أصداؤها بين أجراس الكنائس، مؤكداً أنه رغم محاولات الاستعمار إحداث الفتنة والوقيعة، إلا أن ثورة 19 استطاعت أن تتجاوز البعد الضيق للطائفية، وعملت على توسيع مفهوم المواطنة.
«تعد الثورة الأم، وهى الميلاد الحقيقى للقومية المصرية، وأسست للدولة المصرية الحديثة، وبعدها مصر أصبحت مصرية وليست ولاية عثمانية»، هكذا وصف الكاتب أحمد مراد ثورة 1919، وقال إنها أول حراك لأن يحكم مصر مصريون، حيث كانت مصر محتلة من قوى خارجية منذ سنوات طويلة ولم نفكر فى حكم أنفسنا إلا بعد الثورة، ولم تكن هناك فكرة ترى أن مصر مصرية إلا بعد ثورة 19، لأن المصريين قبلها كانوا يرون أن مصر ولاية عثمانية، مؤكداً أن الالتفاف حول رمز مثل سعد زغلول لم يكن معهوداً وأسهم فى تقوية فكرة الأمة.
ويرى الدكتور جمال عبدالجواد، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن ثورة 19 هى الحدث المؤسس للهوية الوطنية المصرية والحداثة السياسية فى مصر، وكان رائدها الوحدة القومية، سواء بين المسلمين والأقباط، أو بين طبقات المجتمع من أغنياء ومتوسطين وفقراء، مضيفاً أن مئوية ثورة 19 مناسبة هامة لإعادة تجديد شباب الوطنية المصرية، وتعزيز الانتماء الوطنى، فى ظل التحديات الكثيرة التى تواجه الدولة الوطنية وتعصف فيه العولمة وثورة الاتصالات والمعلومات بمعانى الهوية.
«الطرابيلى»: أخرجت مصر من عباءة الاحتلال.. و«النقاش»: كونت الرأسمالية الصناعية وأرست مبادئ الدولة الوطنية.. و«الشلق»: أبرزت دور المرأة فى المجتمع
ونوه بأن هذه الثورة كانت تعبيراً عن النضج الاجتماعى والثقافى والسياسى الذى حققته مصر، ووجد الوطن من خلالها سبيلاً للسعى فى الاستقلال، وكانت هذه هى لحظة ميلاد الوحدة الوطنية المصرية، وهوية مصر القومية، وفتحت آفاق الإبداع الفنى فى مصر، ورسخت لمعانى الوطنية.
«شكلت الوعى القومى، وتعد أعظم فترات فى تاريخ النضال السياسى المصرى»، هكذا تحدث الكاتب عباس الطرابيلى، رئيس تحرير جريدة الوفد الأسبق، عن ثورة 1919، مؤكداً أنها جمعت مصر كلها على قلب رجل واحد ونجحت فى إيجاد حراك اجتماعى وثقافى وسياسى فى ظل مجتمع عانى الاستعمار، وأوضح «الطرابيلى» أن أهم مكاسب ثورة 19 كان إحياء إنشاء الدولة الحديثة المتكاملة الأركان، وأخرجت مصر من عباءة الاحتلال، وكانت بداية نشأة القومية المصرية، وبعدها حققت مصر تقدماً على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، كما كانت هذه الثورة هى الحراك النسوى الأول فى تاريخ مصر، وكان وقودها الطلبة من أبناء الطبقة المتوسطة، وحملت لواء الليبرالية، وعانق خلالها الهلال الصليب وخطب الشيخ فى الكنيسة والقس فى المسجد، فكانت صخرة تحطمت عليها محاولات الوقيعة التى كان يفتعلها الاستعمار، وتابع «الطرابيلى» أن مصر بعدها أصبحت للمصريين، وكانت بداية اليقظة المصرية، ولعبت الصحافة خلالها دوراً عظيماً فى تاريخها الحديث، حيث كانت العنصر الأساسى فى تحريك الشعور الوطنى لدى المصريين، وكانت الطبول الأولى التى غرد من خلالها زعماء الحركة الوطنية فى مصر، مضيفاً أنها كانت بداية نشوء قومية جديدة وحركة جديدة وهى الحركة المصرية، ونشأة الأمة المصرية، وكان من أهم ثمار هذه الثورة ظهور طلعت حرب فى طليعة الزعماء الاقتصاديين الذين رافقوا ثوار 19 وانفرد بفكره فى التصنيع المصرى الذى كان أحد أهداف الثورة، وأضاف «الطرابيلى» أنها أهم حدث فى تاريخ النضال القومى المصرى، وساهمت فى تعزيز الهوية المصرية، وأسست الليبرالية فى مصر، حيث كانت الثقافة فى تلك الفترة تتجه غرباً نحو أوروبا، ومصر أخذت من الثورة الفرنسية القدرة على بناء مجتمع ليبرالى وأخذت من المجتمع الإنجليزى بناء مجتمع برلمانى، فأخذنا من الدولتين أساس الليبرالية فى مصر، وأكمل: «إنها كانت ثورة متفردة على أكثر من مستوى، وكان لها هدف وطنى، وهو إعادة زعيمها سعد زغلول من المنفى والسماح له بالسفر لمؤتمر باريس لعرض قضية مصر والمطالبة باستقلالها، ثم تبعها إقرار دستور 1923 الذى قلل من سلطات الملك وأعطاها للحكومة».
وقالت أمينة النقاش، القيادية بحزب «التجمع»، إن ثورة 19 تعد من محطات النضال غير المسبوقة فى تاريخ الشعب المصرى فى مواجهة الاحتلال، وكانت حركة جمع التوكيلات للوفد المصرى للمطالبة بعودة الزعيم سعد زغلول وزملائه من المنفى، والسماح لهم بالسفر إلى مؤتمر الصلح فى باريس، واحداً من المكتسبات، وإلغاء القيود المفروضة على سفر المصريين إلى الخارج، وأضافت «النقاش» أن من أهم ثمار الثورة أنها أرست مبادئ الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، ووضعت شعار «مصر للمصريين» موضع التطبيق، وإلغاء الحماية البريطانية، وإقرار دستور 23، الذى رسخ التعددية الحزبية والحياة البرلمانية، وأغلقت باب الفتن الطائفية بشعار «الدين لله والوطن للجميع»، وتابعت أنها حققت مكاسب وطنية واجتماعية كثيرة منها مجانية التعليم، وتكونت الرأسمالية الصناعية المصرية وتم إنشاء الشركات والبنوك، وأحدثت نهضة فى مجال الفن والأدب والثقافة من خلال إنشاء استوديوهات السينما.
وأكد الدكتور أحمد الشلق، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس، أن أهم ثمار ثورة 19 كان استقلال مصر، وإقرار دستور 23 كان خطوة نحو بناء الدولة الحديثة، وساهمت بقوة فى بث روح الوحدة الوطنية، وإبراز دور المرأة فى المجتمع.