بين "الوطن" و"الملك" و"الإنجليز".. 1919 ثورة كما وثقتها أوراق الجرائد
الزعيم سعد زغلول
على مر الأزمنة تقف الصحف بالمرصاد للأحداث، وكلما عَظُمَت، كلما تزايد حولها الاهتمام.
وخلال مئة سنة مضت، شهد عام 1919 واحدا من أكبر الأحداث التي مرت على مصر في العصر الحديث، فما أن اندلعت الثورة حتى وثقتها الصحافة، ما بين التابعة للملك والإنجليز، ووجدت الوطنية منها موطأ قدم، فعبرت وأجبرت الجرائد على تسليط الضوء، رغم قلة الصحف آنذاك، والتي اختفى أغلبها حاليا.
"هي مرحلة مهمة في تاريخ الصحافة المصرية".. وصف أطلقه الدكتور رمزي ميخائيل، في كتابه "الصحافة المصرية وثورة 1919"، والذي نشر عام 1992، بالهيئة المصرية العامة للكتاب، والذي تضمن دراسة حول الصحافة المصرية في فترة الثورة، من 1918 وحتى مارس 1922، واعتمد فيه الكاتب على الصحف المصرية الصادرة باللغة العربية وقتها، وهي "الأخبار، الاستقلال، الأفكار، الأمة، الأهالي، البصير، السفور، الكشكول، المصور، اللطائف المصورة، اللواء المصري، المحروسة، مصر، المقطم، المنبر، النظام، وادي النيل، الوطن"، بالإضافة للصحيفتين الإنجليزيتين اللتين كانتا تصدران في مصر أثناء الثورة، وهما "the Egyptian gazette" و "Egyptian mail".
وأكد ميخائيل، في دراسته، أهمية وضخامة توثيق لثورة 1919، نظرا للمرحلة التاريخية التي تناولها والدور البارز الذي أدته الصحافة المصرية فيها، لكنها افتقرت الدراسات العلمية في تاريخ الصحافة، إلى دراسة علمية متكاملة تختص بالموضوع، معتمدا في فصول الدراسة على الدراسات التاريخية والصحفية المنشورة وغير المنشورة، والوثائق المصرية المتمثلة في مذكرات قادة الفكر والسياسة، والوثائق البريطانية المتمثلة في تقارير المعتمدين البريطانيين في مصر، ومناقشات البرلمان البريطاني، بالرجوع إلى أعداد صحيفتي "الجريدة" و"الوطن".
نجوى كامل: "الأهرام" تناولت الثورة بشكل خبري أقرب للحياد.. و"المقطم" نشرت محتوى يناهضها وأحداثها
واشار إلى أن الصحف بدأت، منذ تأليف الوفد المصري في نوفمبر 1918، على أساس وطني جامع لعناصر الأمة كافة، ومناقشة أسس الوحدة بين المسلمين والأقباط، رغبة في دعمها واستمرارها، وفي مقدمتهما صحيفتي "مصر" و"الوطن"، فيما بدأت الصحف تكتب عن انتهاء عصر الانقسام وتأكيد ضرورة تعميم استخدام كلمة "مصري" للدلالة على الفرد.
ومع اندلاع الثورة، زخرت صفحات الصحف بالأخبار والمقالات والصور التي تصف وتبارك مظاهرة الوحدة السياسية بين المصريين، والمقابلات والاجتماعات السياسية في المساجد والكنائس وتبادل الخطابة وقيادة المظاهرات.
"القبض على سعد باشا زغلول وصحبه المخلصين".. تحت هذا العنوان الذي احتل الصفحة الأولى، أفردت مجلة "اللطائف المصورة" الصفحة كاملة لصور الوفد المصري برئاسة سعد باشا زغلول، وتفاصيل القبض عليهم في خضم الصورة، بتاريخ 9 مارس 1919.
وفي ذلك الوقت بمطلع القرن العشرين، كانت الصحافة منقسمة إلى عدة اتجاهات، حيث كان بعضها يعبر عن الاحتلال الإنجليزي كـ"المقطم"، وأخرى تعبر عن الحزب الوطني، وثالثة تعبر عن الملك والأقليات مثل "السياسة والاتحاد والشعب".
ومع قلة المواد المتاحة عن الصحف حينذاك، تناولت الصحافة، الثورة، على استحياء وقتها، في قالب "تغطية خبرية"، وذلك وفقا للدكتورة نجوى كامل، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام في جامعة القاهرة.
وأوضحت أنه في ذلك الوقت، كانت أبرز الصحف حينها هي "الأهرام، والمقطم"، بالإضافة لصحف صغيرة كـ"النظام، ووادي النيل، والأخبار التي أنشأها أمين الرافعي في عام 1920".
وأضافت كامل، لـ"الوطن"، أنه كان يحق لأي فرد إصدار صحيفة بموجب وثيقة من قوات الاحتلال الإنجليزي وقتها، بالإضافة إلى أن الأحكام العرفية كانت مطبقة أيضا، ما فرض رقابة قوية عليها.
وفي خضم أحداث ثورة 1919، كانت صحيفتي الأهرام والمقطم وغيرهما تكتفي بنشر أخبار صغيرة رصدية لها، في قالب تغطية ومتابعات خبرية بسيطة، ومع دخول فئات أخرى في المظاهرات كـ"النساء والمسيحين وإضراب الموظفين وسقوط مصابين وشهداء" بدأت الصحف تدلي بدلوها في الثورة، وتبرز تلك الأحداث في إطار إخباري أكبر، على حد قول الدكتورة نجوى كامل.
وقالت إن صحيفة الأهرام تناولت الأحداث بشكل خبري أقرب للحياد، فيما كانت صحيفة "المقطم" تنشر أخبارا تناهض الثورة وأحداثها، وأظهرت المشاركين فيها كـ"فئة ضالة"، واستنكرت خروج الإنجليز من مصر.
ومع الإفراج عن سعد زغلول ومشاركته بمؤتمر الصلح في باريس، وأصبح للوفد المصري حينها ثقلا بالبلاد والعالم، طلب الزعيم الراحل من عبد الرحمن فهمي، أحد قيادات الحزب حينها، أن يضم صحف مصرية إلى صف "الوفد"، كان أبرزها صحف "النظام، ووادي النيل، والأهالي" والأخبار، حيث أعلن الرافعي أنها تعبر عن الوفد ومبادئه وليس الحزب الوطني، لتظهر في ذلك الوقت صحافة الرأي التي تعبر عن ثقافة الوفد والأحداث السياسية، خاصة مع إلغاء الأحكام العرفية لاحقا.
وأردفت أن بعض الصحف خرجت على الحزب لاحقا، وعلى رأسها "الأخبار والجهاد والبلاغ وروزاليوسف والجهاد"، نتيجة اختلاف وجهات النظر فيما بعد، حيث لم يتم تأسيس صحيفة خاصة بالوفد سوى في عام 1938.